28-أبريل-2023
علي الجارم وديوانه

علي الجارم وديوانه

علي الجارم (1881 - 1949) شاعر من مصر، رائد من رواد مدرسة الإحياء والبعث إلى جانب كل من أحمد شوقي وحافظ إبراهيم. أَثْرَت مؤلفاته المكتبة الأدبية العربية؛ حيث تعددت وتنوعت بين الدواوين الشعرية، والروايات الأدبية والتاريخية، إضافة إلى الكتب المدرسية، وكانت له مساهمات فعالة في حقل اللغة العربية.

ولد في مدينة رشيد وتلقى علومه الأولى فيها. ثم واصل تعليمه الثانوي بالقاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، واختار بعد ذلك أن يلتحق بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة. سافر عام 1908 إلى إنجلترا، فدرس هناك أصول التربية، ثم عاد إلى مصر عام 1912 بعد أربع سنوات قضاها في الغربة. عُيِّن الجارم عقب عودته مدرسًا بمدرسة التجارة المتوسطة، ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى عُيِّن كبير مفتشي اللغة العربية بمصر.

سَخَّر الجارم طاقاته لإنجاز العديد من الروايات الأدبية التاريخية التي تتخذ من التاريخ العربي موضوعًا لها، مثل: "فارس بني حمدان" و"هاتف من الأندلس" و"مرح الوليد" و"خاتمة المطاف" و"نهاية المتنبي".

حينما زار الشاعر بغداد في سنة 1939، مع صديقه حمد الباسل باشا. وُفِّقا لعقد الصلح بين قبائل شمر والعبيد، بعد أن استمر العداء بينهما زمنًا طويلًا. وقد أقيمت بهذه المناسبة حفلة بدار السفارة المصرية أنشد الشاعر فيها هذه القصيدة.


أجابتْ نداءَ الحقِّ سُمْرُ العواسلِ

وعادتْ إلى الأغماد بيضُ المناصلِ

 

وقرَّت قلوبٌ جازعاتٌ خوافِقٌ

وخالَطَ دمعُ البشرِ دمعَ الثواكلِ

 

وطافت على الشرِّ المناجِزِ حكمةٌ

أطاحتْ بما قد حاكه من حبائلِ

 

وأطفأ نيرانَ العداوةِ وابلٌ

من الْحِلم، حَيَّا صَوبَه كلُّ وابل

 

وصفَّق بالبشرى الفُراتُ ودِجْلةٌ

على نغماتِ الساجعاتِ الهوادلِ

 

وحطَّمتِ السلْمُ الحُسامَ فلَم تَدَعْ

به بَعد طولِ الفتكِ غيرَ الحمائل

 

فليت زُهيْرًا بيننا بعدما خَبَتْ

لظَى الحربِ وانجابت غيومُ القساطِل

*

 

هو السيفُ أطغى ما خضعتم لحكمه

إذا ما انتضاه الحقدُ في كفِّ جاهل

 

يُقطِّعُ أوشاجًا علينا عزيزةً

ويبتُرُ جبّارًا كريمَ الوصائل

 

يسيلُ دمُ القُرْبَى عليه مطهَّرًا

أعزَّ وأزكَى من نجيع الأصائل

 

أخي، أنت دِرْعي إنْ ألمت مُلِمَّةٌ

وإن فدحتْني عابساتُ النوازل

 

أخي، أنت من نفسي، دماؤك من دمي

"فإن كنتُ مأكولًا فكنْ خيرَ آكلِ"

 

أأرمي أخي؟ يا ويلَ ما صنعتْ يدي!

فيا ليتها كانتْ بغيرِ أنامل

 

إذا مسَّني خطْبٌ فأولُ راكبٍ

يخوضُ لِيَ الْجُلَّى، وأسرعُ نازل

 

أكلتُ دمًا إنْ لم أزُدْ عن حياضِهِ

كريمًا، وأدفَعْ عنه كيدَ الغوائلِ

 

أضاحكهُ والقلبُ ما عبِثتْ به

لِئَامُ المساعي، أو سمومُ الدخائل

 

وأبسطُ كفّي نحوه غيرَ جافلٍ

ويبسُط نحوي كفَّه غيرَ جافل

 

إذا البيدُ لم تُنْبِت نباتًا فحسْبُها

فقد أنبتتْ فينا كريمَ الشمائلِ

 

وقد علَّمتنا أنْ يكونَ إخاؤنا

كشامخِ رَضْوَى ركنُه غيرُ زائل

 

ألسْنا الكرامَ الغُرَّ من آلِ يَعْرُبٍ

لَدَى الرَّوْعِ، أو عندَ التفافِ المحافل؟

 

حَمَيْنا بِحمدِ اللهِ أنسابَ قومِنا

وصُنَّا على الأيامِ مجدَ الأوائل

 

وما خُلِقَتْ إلا لعزمٍ نفوسُنا

كأنَّا خُلِقْنا من غُبار الجحافل

 

إذا افترقت أهواءُ قومٍ تشتَّتوا

ولم يرجِعوا إلا بعارِ التخاذلِ

 

عزيز على الأوطانِ أنَّ شجاعةً

تُمزِّقُها الشَّحْناءُ في غيرِ طائل

 

حمانا كتابُ اللهِ من بعدِ فُرْقَةٍ

فكنَّا لدين اللهِ خيرَ المعاقل

 

وصالتْ بنا من قُوَّةِ البأسِ وَحْدةٌ

على الكونِ، لم تتركْ مَصالًا لصائل

 

فَثُلَّتْ عُروشٌ، واستطارتْ أسِرَّةٌ

من الذُّعر في أعوادِها والزلازل

**

 

جَمَعْنا على الحُبِّ القلوبَ فأشرقتْ

كمَا أشرقت بالغيث زُهْرُ الخمائل

 

وعِفْنَا ورودَ الماء أكدَر آسنًا

وحنّتْ حنايانا لعذب المناهل

 

وعادت إلى الحسنَى العَبيدُ وشَمُّرٌ

وسار بشيرُ السلمِ بين القبائل

 

وأصْغوا إلى الرأيِ السديدِ وأنصتوا

لنصحِ نصيرٍ للعُروبةِ "باسلِ"

 

إلى "حَمَدٍ" ترنو المعالي مُدِلَّةً

وتُلْقي بأسباب النُّهى والفضائل

 

عرفناه وِرْدًا للندى غَيرَ ناضبٍ

لراجٍ، وعزمًا للعلا غيرَ ناكلِ

 

وقد دفن القومُ التُّراث وأقبلوا

إلى الحقِّ يمحو ضوؤُه كلَّ باطل

 

وسلُّوا لإعلاء العِراق عزائمًا

أسدَّ وأمضَى من سِنان الذوابل

 

يُفدُّون بالأرواحِ والأهلِ "فَيْصلًا"

مناطَ المُنى من كل راجٍ وآملِ