14-أبريل-2023
خليل مطران وديوانه

خليل مطران وديوانه

خليل مُطران (1872 - 1949) شاعر لبناني عاش معظم حياته في مصر. عرف بلقب "شاعر القطرين". وبعد وفاة حافظ وشوقي أطلقوا عليه لقب "شاعر الأقطار العربية".

مطران من دعاة التجديد، فهو في مقدمة من أخرجوا الشعر العربي من أغراضه التقليدية إلى أغراض تناسب مع العصر، كما عمل على تكريس الشعر القصصي.

قال طه حسين يوم وفاته: "لقد عرفت مطرانًا وكنت معجبًا بشعره، مؤثرًا له على شعر المعاصرين جميعًا في الأقطار العربية كلها. وكان حافظ وشوقي يسمعان ولا ينكران، أو لا تنكر ألسنتهما على كل حال. وكنت أزعم لهما جميعًا أن مطران في المحدثين كأبي تمام في العصر القديم، وأنهما وغيرهما من الشعراء يعيشون حول مطران، كما كان شعراء الشام والعراق يعيشون حول أبي تمام".


داءٌ ألم فخِلتُ فِيهِ شفائِي

مِن صبوتِي فتضاعفت برحائِي

 

يا للضعِيفينِ استبدا بِي وما

فِي الظلمِ مِثل تحكمِ الضعفاءِ

 

قلبٌ أذابته الصبابة والجوى

وغِلالةٌ رثت مِنِ الأدواءِ

 

والروح بينهما نسِيم تنهدٍ

فِي حالي التصوِيبِ والصعداءِ

 

والعقل كالمِصباحِ يغشى نوره

كدرِي ويضعِفه نضوب دِمائِي

 

هذا الذِي أبقيتِهِ يا منيتِي

مِن أضلعِي وحشاشتِي وذكائِي

 

عمرينِ فِيكِ أضعت لو أنصفتِنِي

لم يجدرا بِتأسفِي وبكائِي

 

عمر الفتى الفانِي وعمر مخلدٍ

بِبيانِهِ لولاكِ في الأحياءِ

 

فغدوت لم أنعم كذِي جهلٍ ولم

أغنم كذِي عقلٍ ضمان بقاءِ

 

يا كوكبًا من يهتدِي بِضِيائِهِ

يهدِيهِ طالِع ضِلةٍ ورِياءِ

 

يا مورِدًا يسقِي الورود سرابه

ظما إِلى أن يهلِكوا بِظماءِ

 

يا زهرةً تحيِي رواعِي حسنِها

وتمِيت ناشِقها بِلا إِرعاءِ

 

هذا عِتابكِ غير أنِّي مخطئٌ

أيرام سعدٌ فِي هوى حسناءِ

 

حاشاكِ بل كتِب الشقاء على الورى

والحب لم يبرح أحب شقاءِ

 

نِعم الضلالة حيث تؤنِس مقلتِي

أنوار تِلك الطلعةِ الزهراءِ

 

نِعم الشفاء إِذا روِيت بِرشفةٍ

مكذوبةٍ مِن وهمِ ذاك الماء

 

نِعم الحياة إذا قضيت بِنشقةٍ

مِن طِيبِ تِلك الروضةِ الغناءِ

 

إِنِّي أقمت على التعِلةِ بِالمنى

فِي غربةٍ قالوا تكون دوائِي

 

إِن يشفِ هذا الجِسم طِيب هوائِها

أيلطف النِّيران طِيب هواءِ

 

أو يمسِكِ الحوباء حسن مقامها

هل مسكةٌ فِي البعدِ للحوباءِ

 

عبثٌ طوافِي فِي البِلادِ وعِلةٌ

فِي عِلةٍ منفاي لاِستشفاءِ

 

متفرِّدٌ بِصبابتِي متفرِّد

بِكآبتِي متفرِّدٌ بعنائِي

 

شاكٍ إِلى البحرِ اضطراب خواطِرِي

فيجِيبنِي بِرِياحِهِ الهوجاءِ

 

ثاوٍ على صخرٍ أصم وليت لِي

قلبًا كهذِي الصخرةِ الصماءِ

 

ينتابها موجٌ كموجِ مكارِهِي

ويفتها كالسقمِ فِي أعضائِي

 

والبحر خفّاق الجوانِبِ ضائِقٌ

كمدًا كصدرِي ساعة الإِمساءِ

 

تغشى البرية كدرةٌ وكأنها

صعِدت إِلى عيني مِن أحشائي

 

والأفق معتكِرٌ قرِيحٌ جفنه

يغضِي على الغمراتِ والأقذاءِ

 

يا للغروبِ وما بِهِ مِن عِبرةٍ

للِمستهامِ وعِبرةٍ لِلرائي

 

أوليس نزعًا لِلنهارِ وصرعةً

لِلشمسِ بين مآتمِ الأضواءِ

 

أوليس طمسًا لِليقِينِ ومبعثًا

للِشكِّ بين غلائلِ الظلماءِ

 

أوليس محوًا للوجودِ إِلى مدىً

وإبادةً لمعالِمِ الأشياءِ

 

حتى يكون النور تجدِيدًا لها

ويكون شِبه البعثِ عود ذكاءِ

 

ولقد ذكرتكِ والنهار مودِّعٌ

والقلب بين مهابةٍ ورجاءِ

 

وخواطِرِي تبدو تجاه نواظِرِي

كلمى كدامِيةِ السحابِ إزائِي

 

والدمع مِن جفنِي يسِيل مشعشعًا

بِسنى الشعاعِ الغارِبِ المترائِي

 

والشمس فِي شفقٍ يسِيل نضاره

فوق العقِيقِ على ذرىً سوداءِ

 

مرت خِلال غمامتينِ تحدرًا

وتقطرت كالدمعةِ الحمراءِ

 

فكأن آخِر دمعةٍ لِلكونِ قد

مزِجت بِآخِرِ أدمعِي لِرِثائِي

 

وكأننِي آنست يومِي زائِلًا

فرأيت فِي المِرآةِ كيف مسائي