08-سبتمبر-2023
عجوز يتصفح الإنترنت

خلصت الدراسة إلى أنّ الاستخدام المعتدل والمنتظم للإنترنت مفيدٌ للمسنين (Getty)

أضحى تصفح شبكة الإنترنت وزيارة المواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعي من النشاطات اليومية لدى معظم الناس في أيامنا هذه، ولا ريب أنّ هذه الظاهرة أصبحت في الأعوام الأخيرة محط دراسة الباحثين وعنايتهم لمعرفة تأثيراتها الإيجابية والسلبية على حد سواء. وفي الوقت الراهن، يبحث بعض العلماء في احتمال وجود صلة بين استخدام الإنترنت وبين الإصابة بالخرف، وهم إلى ذلك توصلوا إلى نتائج مثيرة للاهتمام؛ إذ خلصوا إلى أنّ الاستخدام المعتدل والمنتظم للإنترنت مفيدٌ للمسنين، وإنْ أوحت منشوراتهم على فيسبوك، مثلًا، بخلاف هذا الأمر. 

ونشرت هذه الدراسة العلمية في عدد شهر آب/ أغسطس الفائت من دورية الجمعية الأمريكية لأمراض الشيخوخة (AGS). وقد تأثر مؤلفو هذه الدراسة، من كلية الصحة العامة العالمية بجامعة نيويورك، بندرة الأبحاث العلمية بشأن ما يسببه استخدام الإنترنت من "تأثيرات معرفية طويلة الأمد على المُسنيّن"، لا سيّما أن معظم الأبحاث العلمية في هذا المجال تقتصر في تركيزها واهتمامها على الجوانب السلبية، دون أن تولي عناية كافية بالتأثيرات الإيجابية المحتملة.

وجدت الدراسة أن خطر إصابة مستخدمي الإنترنت المنتظمين بالاضطرابات المعرفية يقلّ عن النصف مقارنة بنظرائهم ممن لا يتصفحون الإنترنت

وعكف الباحثون في دراستهم على متابعة نتائج الرعاية الصحية لمجموعة من البالغين الأسوياء غير المريضين بالخرف، ممن تتراوح أعمارهم بين 50 و65 عامًا؛ إذ تتبعوا نتائج فحوصاتهم الصحية على مدار 17 عامًا مستعينين بدراسة الصحة والتقاعد التي أجرتها جامعة ميتشيغان الأمريكية، وهي دراسة استقصائية ممتدة زمنيًا تتضمن معلومات عن 20 ألف شخص من كبار السن الأمريكيين. 

وطوال الوقت الممتد بين عامي 2002 و2018، عمد منسقو الدراسة كل عامين إلى سؤال المشاركين إن كانوا يستخدمون الإنترنت استخدامًا منتظمًا، وسألوهم أيضًا عن مقدارهم تصفحهم لشبكة الإنترنت. وبطبيعة الحال، تباينت الإجابات بين المشاركين، غير أنّ نسبة منهم تقدر بنحو 65% أكدوا للباحثين أنهم مستخدمون منتظمون للإنترنت، في حين أشار 21% منهم إلى تغير عادات استخدام الإنترنت خلال مدة مشاركتهم في الدراسة. ولم تخلُ الدراسة طبعًا من بعض الانتكاسات، إذ توفي بعض المشاركين أو أصيبوا بالخرف.

وخلصت نتائج مؤلفي الدراسة إلى أن نسبة الإصابة بالخرف بين المشاركين ممن واظبوا على تصفح الإنترنت بانتظام هي 1.54% فقط، في حين ارتفعت النسبة إلى 10.45% عند المشاركين ممن لم يتصفحوا الإنترنت إلا نادرًا. وعند قياس الوقت المستغرق حتى ظهور أعراض الخرف لدى المصابين، وجدت الدراسة المنشورة في دورية AGS أن خطر إصابة مستخدمي الإنترنت المنتظمين بالاضطرابات المعرفية يقلّ عن النصف مقارنة بنظرائهم ممن لا يتصفحون الإنترنت. 

ومع ذلك، تنطوي الدراسة أيضًا على تحذير عام؛ إذ إن الإفراط في تصفح الإنترنت قد يعزز خطر الإصابة بالخرف إذ يبدو أن الأفراد الذي يستخدمون شبكة الإنترنت لأكثر من ساعتين يوميًا أكثر عرضة من غيرهم لحدوث هذا المرض. 

وفي هذا الصدد، تحدّث جاون تشو، الذي كان يعمل حينها في جامعة نيويورك، إلى موقع "Medscape" عن نتائج هذه الدراسة فقال: "يقلّ خطر حدوث الخرف بين مستخدمي الإنترنت المنتظمين مقارنةً بنظرائهم ممن لا يتصفحون الإنترنت إلا نادرًا. كذلك تبين أنّ تصفح الإنترنت المنتظم لأوقات أطول في سن متأخرة ربما يقلل خطر الإصابة بالخرف مستقبلًا. ومع ذلك قد يؤدي الإفراط في استخدام الإنترنت يوميًا إلى زيادة خطر حدوث الخرف عند المسنين". 

ولا شك في أنّ هذه الدراسة، على غرار الدراسات العلمية الأخرى، تنطوي على احتمال أن العلاقة بين الارتباط والسببية أعقد بكثير مما تبدو عليه الأمور ظاهريًا. 

وتُعلّق كلير سيكستون، من جمعية مرض ألزهايمر، على هذا البحث في حديثها لموقع "Medscape": "من المحتمل أن يرتبط تصفح الإنترنت المنتظم بزيادة التحفيز الإدراكي عند الشخص، مما يفسر تراجع خطر إصابته بالخرف، وربما العكس هو الصحيح؛ أي أن الأفراد ممن ينخفض خطر إصابتهم بالخرف أكثر عرضة من غيرهم لتصفح الإنترنت بانتظام". 

وتشير سيكستون إلى ضرورة إجراء أبحاث إضافية لتوضيح مسألة السببية واستيعاب الارتباط بين الأمرين، لكن حتى يحين أوان ظهور أدلة جديدة في هذا الموضوع، ربما ليس أمرًا سيئًا أن يقضى الأفراد وقتًا قصيرًا في تصفح الإنترنت يوميًا، لا سيما إذا شارفوا على بلوغ سن الشيخوخة.