06-أغسطس-2015

طالبتان من تونس (Getty)

في تونس ليس من الضروري أن تتحصل على معدل "مجموع" عال في امتحان "الباكالوريا"، أي الثانوية العامة، لتدرس الهندسة مثلًا. والهندسة إحدى تخصصات الجامعة التونسية الأكثر إقبالًا من الشباب التونسي، وتتطلب دراستها في الجامعات الحكومية معدلًا عاليً.، لكن الوضع تغير منذ سنوات، وتحديدًا منذ افتتاح العديد من مؤسسات التعليم العالي الخاص، التي تدرّس اختصاصات مختلفة ومنها الهندسة، وتشترط الحصول على شهادة "الباكالوريا" وحسب، ولو بمعدل هزيل.

يبلغ عدد المسجّلين بالجامعات الخاصة التونسية 30 ألف طالب

تأسست أولى مؤسسات التعليم العالي الخاص في تونس بحكم قانون ينظم إحداثها منذ 15 سنة. والآن، يقدر عددها 63 مؤسسة بعد أن كانت تقدر بـ47 منذ سنتين. تتمركز هذه المؤسسات بالعاصمة التونسية وضواحيها الراقية إضافة إلى مدن كبرى كسوسة والمنستير وصفاقس، كما يقدّر عدد الطلبة المسجلين بالقطاع الخاص خلال السنة الجامعية 2013 - 2014، حسب إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بـ26 ألفًا وعددهم في ارتفاع، إذ بلغ الآن 30 ألف طالب حسب عبد اللطيف الخماسي، رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات التعليم العالي الخاص.

ويقبل الشباب التونسي على التعليم الخاص لأسباب مختلفة، من أهمها صعوبة حصولهم على التوجيه الجامعي الذي يريدونه في القطاع الحكومي، نظرًا لقلة الأماكن المتوافرة، وضرورة حصولهم على معدل ممتاز.  ولذلك يشكك الكثيرون في نتائج وشهادات التعليم العالي الخاص. يقول المشككون في جودة هذا القطاع إن الهدف الأساسي منه هو كسب المال دون مراعاة لنجاعة التعليم وقيمة الشهادة المقدمة بعد سنوات التدريس الجامعي. لكن عقلية جزء من الشباب التونسي تغيّرت خلال السنوات الأخيرة تجاه التعليم الخاص، وصار المتحصلون على شهادة "الباكالوريا"، أو الراغبون في مواصلة دراستهم في الماجستير يتجهون تلقائيًّا نحو الجامعات الخاصة، بسبب النظرية السائدة في المجتمع التونسي عن تدهور التعليم الحكومي.

في هذا الإطار تقول ألفة فتحي، طالبة ماجستير بإحدى الكليات الخاصة، إنها "اختارت إتمام سنتي الماجستير في مؤسسة خاصة نظرًا لتوافر جميع إمكانات النجاح والتمكن من محتوى البرنامج على عكس التعليم الحكومي" وتوضح لـ"الترا صوت": "إن المؤسسات الخاصة مجهزة بأحدث التقنيات وأشهر أساتذة الاختصاص إضافة إلى توفر الظروف الملائمة للترفيه عن الطالب من خلال النوادي والأنشطة المتنوعة." وفي سياق متصل يرى رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات التعليم العالي الخاص، عبد اللطيف الخماسي، أن "نسبة البطالة لدى المتخرجين من الجامعات الخاصة ضعيفة مقارنة بالمؤسسات الحكومية وأن انضباط الطلبة أكبر في الجامعات الخاصة". ومن الملاحظ إقبال الجامعات الخاصة بشكل أساسي على تدريس التخصصات التي يطلبها سوق العمل كالاختصاصات شبه الطبية أو كليات الهندسة لضرورة الحصول على معدلات عالية للالتحاق بها في القطاع الحكومي في المقابل تقل المؤسسات التي تدرس الاختصاصات الأدبية مثلاً.

قد تصل كلفة الدراسة في جامعة خاصة تونسية إلى 15 ألف دولار في العام الواحد

للأسف، يعرف التعليم الحكومي في تونس بصفة عامة تراجعًا على جميع المستويات، يلمسه معظم الطلبة، لكن لا تتاح للجميع إمكانية الدراسة بالجامعات الخاصة لما تطلبه هذه المؤسسات من رسوم مادية عالية، قد تتجاوز 15 ألف دولار خلال السنة الجامعية الواحدة، إضافة إلى مستلزمات الدراسة. في المقابل تمكن الدراسة في القطاع الحكومي الطالب ضعيف ومتوسط الإمكانيات المادية من مساعدات تتمثل في بعض القروض والمنح والسكن الجامعي المجاني لسنوات الدراسة الأولى والطعام الجامعي. وفي الإطار نفسه، يبلغ عدد العاطلين عن العمل من حملة الشهادات العليا حوالي 222 ألفًا في الثلاثية الأولى من سنة 2015، حسب إحصائيات المعهد الوطني للإحصاء.

وتدرس الجامعات الخاصة في تونس تقريبًا جميع الاختصاصات المتوافرة في الجامعات الحكومية، ومن أهمها الاقتصاد والمالية والمحاسبة وإدارة الأعمال والهندسة والآداب والفنون الجميلة والقانون والإعلام، إلا أنه يمنع تدريس الطب في المؤسسات الخاصة. وطالما فُسر هذا المنع بشكل سلبي لم يخدم القطاع بصفة عامة إذ يستند معارضو التعليم العالي الخاص على هذا المنع ويعتبرونه دليلاً على وجود إشكاليات في التعليم المقدم من هذه الجامعات الخاصة.

يثير موضوع دراسة الطب في المؤسسات الجامعية الحكومية حصرًا جدلًا واسعًا بين التونسيين. يقول الخماسي إنهم "حاولوا مرارا الاتفاق مع الحكومات المتتالية على فتح جامعات خاصة تدرس الطب على غرار رومانيا مثلًا، التي يقبل عليها التونسيون لتدريس أبنائهم هذا التكوين، لكن لم يتغير شيء". وكانت الكليات والمعاهد الحكومية المختصة في تدريس الهندسة قد شهدت موجة احتجاجات خلال السنة الجامعية الماضية امتدت لأسبوعين تقريبًا من قبل طلبة هذا القطاع الذين طالبوا بالحد من التكوين الهندسي الخاص، وبمراجعة كراس الشروط المتعلق بإسناد الرخص للتكوين الهندسي بالمؤسسات الخاصة، بالإضافة إلى مراجعة معايير دخول الطلبة إلى هذه المؤسسات، مشككين بذلك في منظومة التعليم العالي الخاص وبرامج تدريسها وشهادات التخرج، ومعربين عن استيائهم من تدهور قيمة شهادة المهندس في تونس حسب تقديرهم.

ويشتكي أصحاب مؤسسات التعليم العالي الخاص في تونس، خاصة بعد هذه الموجة من الاحتجاجات من ما يعتبرونه تضييقًا على نشاطهم ومؤسساتهم. وأفاد رئيس الغرفة الوطنية لمؤسسات التعليم العالي الخاص لـ"الترا صوت" أن "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قيدتهم بشروط جديدة لتدريس الهندسة مثلًا"، مؤكدًا أنهم "يعتبرونها مجحفة ولن تمكنهم من تسجيل التلاميذ في هذا الاختصاص مستقبلًا". لكن جزءا من الفاعلين في القطاع التعليمي يرونها خطوة إيجابية لإيقاف ما اعتبروه "النزيف في شهادات الهندسة من دون رقيب".

من جهة أخرى، يقبل الطلبة الأجانب في تونس على الدراسة بالجامعات الخاصة ويقدر عددهم بحوالي 5000 طالب، أغلبهم من جنسيات أفريقية تتقن اللغة الفرنسية المعتمدة في التدريس في الجامعة التونسية، بينما لا يتجاوز عدد الطلبة الأجانب في الجامعات الحكومية 2000 طالب. لكن رغم ما يبديه القطاع الخاص من تطور، يحافظ قطاع التعليم الحكومي على مكانته كالقبلة الأولى للطلبة من مختلف محافظات البلاد التونسية. وتقدر عدد المؤسسات التعليم العالي الحكومي بـ198 مؤسسة وهي تحتضن حوالي 300 ألف طالب، وتقدر نسبة الطالبات  بـ63 %، حسب إحصائيات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خلال السنة الجامعية 2013 - 2014 .


يتكون نظام التدريس في تونس من ثلاث مراحل، هي الإجازة/بكالوريوس "تطبيقية أو أساسية"، الماجستير "مهني أو بحث"، ثم الدكتوراة في معظم الاختصاصات ما عدا الطب والهندسة اللذين يخضعان لنظام خاص. ويكون التعليم إما حضوريًّا أو عن بعد، على يد أساتذة أغلبهم تونسيين، إذ لا يتجاوز عدد المدرسين الأجانب في الجامعات التونسية 300 إجمالًا. ويطبق هذا النظام في الجامعات الخاصة والحكومية، ويُعرف بنظام "أمد" لكنه يقابل منذ سنوات بانتقادات عديدة باعتباره مسقطًا من الغرب في إطار صفقات سابقة في عهد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، من دون وعي بواقع الطالب التونسي ومستلزماته وإمكانياته ومتطلبات سوق العمل.