04-نوفمبر-2023
طفل مصاب فقد جميع ذويه

طفل مصاب فقد جميع ذويه (Getty)

تداول الإنترنت على نطاق واسع خلال اليومين الماضيين مقابلة أجرتها "بي بي سي" البريطانية مع تانيا الحاج حسن، وهي طبيبة أردنية تعمل مع منظمة "أطباء بلا حدود". اشتملت المقابلة على محاولة جديدة من طرف العاملين في المجال الإغاثي لتوضيح الحالة الإنسانية التي يعاني منها سكان قطاع غزّة جراء القصف الوحشي المتواصل منذ السابع من أكتوبر الماضي، والذي راح ضحيته زهاء 10,000 شهيد، نصفهم تقريبًا من الأطفال، وتقريب صورة الحرب الإبادوية على القطاع عبر وسائل إعلام تصرّ على تصدير السرديّة الإسرائيلية والتحفّظ على كل رواية تناهضها. 

ونظرًا لأهمّية الشهادة التي تتضمنتها المقابلة وما اشتملت عليه من حقائق صادمة نقلتها تانية الحاج حسن عبر ما يصلها من زملائها في الميدان من العاملين في القطاع الطبي في القطاع المحاصر، قمنا في التراصوت بترجمتها إلى العربيّة مع بعض التصرّف:


تانيا الحاج حسن: "ما سأقوله الآن قد يشكّل صدمة كبيرة عند مقارنته مع الرواية التي بتنا نستمع إليها عبر شاشتكم وأنا أنتظر دوري للمقابلة. 

إن ما يحصل هو انهيار هائل على شكل معاناة بشريّة، وهو انهيار مسؤول عنه البشر، 100 بالمئة. إنها أسوأ كارثة إنسانية شهدتها في حياتي وعبر مسيرتي المهنية الطويلة في الطب الإغاثي، وهي كارثة تفجع ضمائر كل عامل أعرفه في هذا المجال.

سأحاول رسم صورة تقريبية لمقدار الألم الذي نراه في غزّة الآن. فالآخرون يسألون باستمرار عن المساعدات الطبية والمستشفيات وأوضاعها، لكنّهم ينسون أن النظام الصحي الكامل قد انهار قبل حوالي أسبوع، وقد تم الإعلان عن ذلك أمام أنظار العالم كلّه.

في هذه الأسابيع، كان ثمة قصف عشوائي، أو لعله لا يصحّ استخدام هذه الكلمة هنا، فالحاصل هو استهداف مباشر لمؤسسات الرعاية الصحية وسيارات الإسعاف والكنائس والمساجد والمدارس والمخيمات، وما تبع ذلك من قطع دابر عائلات بأكملها في ثوان فقط، وهي عائلات ممتدّة من أجيال عديدة، جميعها أبيدت عن آخرها. هنالك في غزة 1000 عائلة تقريبًا قتل من أفرادها اثنان على الأقل في الأسابيع الثلاثة الماضية. هنالك 4000 طفل تقريبًا قتلوا وتم التعرف على هوياتهم، و1000 آخرون ما يزالون عالقين تحت الركام، عديد منهم ظل على قيد الحياة فترة غير قصيرة حتّى قضوا وماتوا.

 

أعتذر لو كان هنالك أطفال يستمعون إلى ما أصفه الآن عبر شاشتكم، لكنّي أعتقد أنّه من غير الممكن تجنّب توضيح صورة ما يحصل، ولاسيما وأنا أتابع الأخبار، وأستمع إلى الرواية الإعلامية التي تتجاهل تقريبًا هذا الهول من المعاناة غير المسبوقة في عصرنا الحديث.

هل تعلم أنّ ثمّة تعبيرًا طبيًا وضِع لوصف حالة فريدة في قطاع غزّة، وأنا أخبرك بذلك وأنا طبيبة اختصاص في مجال العناية الحثيثة للأطفال، وأشهد الكثير من صنوف المعاناة في عملي. هذا التعبير نشأ وبات يستخدم حصرًا في قطاع غزّة، وهو (WCNSF)، ويعني: "طفل مصاب مات عنه جميع ذويه"، وهو تعبير بات يستخدم كثيرًا في القطاع خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، وقد وضعَ خصيصًا للتعامل مع هذه الحالات ووصفها.

أحد الأطباء من غزة أخبرني قبل يومين عن حالة استقبلها لطفلة صغيرة مصابة، وكان في جيبها قصاصة من ورق، وقد أرسل لي صورة منها. هذه القصاصة فيها اسمًا، قالت الطفلة للمعالجين في المستشفى إنهم أفراد من عائلتها كانوا معها في البيت [لحظة قصفه]، ورجت منهم أن يبحثوا عنهم تحت الركام. لكنّها أشارت إلى أحد الأسماء وقالت: هذا اسم أختي، لا تبحثوا عنها، لأنها قد استشهدت بالفعل.

هذه قصّة طفلة لا يتجاوز عمرها 10 أعوام. 

هذا التعبير الطبيّ يجب أن لا يكون موجودًا أصلًا.

ورغم ذلك، فإن كلّ ما نسمعه من الرئيس جو بايدن، هو مواصلة الدعاية للحرب وتبريرها. 

كلّ ما يمكن أن أقوله هو أن على هذا كلّه أن ينتهي ويتوقّف، لأنها وصمة عامّة على إنسانيتنا جميعًا، إنها وصمة على إنسانيتنا جميعًا.

  • المذيع: لقد نقلت إلينا صورة حيّة ومرعبة حقًا، وأدرك أن من تتحدثين عنهم هم أصدقاء سبق لك العمل معهم، وأتفهّم مقدار الصعوبة في ذلك. وأنت لست الوحيدة في هذا الموقف، فقد استمعت اليوم إلى شهادة من فيليب لازاريني، المفوض العام للأونروا، والذي تحدث أيضًا أمام مجلس الأمن. لقد أوضح بأن ظروف النظافة العامة مروعة، وأن الناس يقتاتون على قليل من الخبز فقط، وأقل منه على الماء. أشار أيضًا إلى أن 70 فردًا يعملون في الأونروا قد قتلوا، وأن مراكز إيواء اللاجئين تتعامل مع أكثر من 670 ألف إنسان في القطاع. هل ترين أي مؤشر مما يصلك من شهادات على وقفة أو وقفات إنسانية مؤقتة لإطلاق النار، يمكن التفاوض من أجل تحقيقها؟

 

تانيا الحاج حسن: أنا لست سياسية، لكنّ عبارة "وقفة مؤقتة" لا تعني شيئًا. هل يعني ذلك توقف مؤقت في القصف من أجل تقديم الغذاء والماء للناس قبل استئناف قتلهم؟ هذا أمر عصيّ على الفهم بالنسبة لي. ما يجب فعله هو وقف القصف، وهذا ما يطالب به المجتمع العالمي بأسره وما يجب أن يدفعوا من أجله ويصروا عليه. أعتقد أنه وقبل أن يحين دوري في المقابلة، سمعت حديثًا مع ضيف غيري يقول الأمر ذاته، وهو من قطاع غزة، وقال إن الأولوية ليست توفير المعونات، ما يلزم فعله هو قف القصف العشوائي، ما يلزم هو هدنة إنسانية ووقف لإطلاق النار، والتدخل العالمي، وهي مطالبات صوّتت عليها أغلبية الدول قبل أيام قليلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، غير أنه لم يتم الالتزام بها ولم تلتفت إليها بعض القوى الدولية، أو قوتان على وجه التحديد.