22-يونيو-2016

صفحة دار الجديد والمنشور المتعلق بكتاب بلاسم

يبدو أنّ التردّي لم يعد سياسيًا، إنما بات يشملُ أغلبَ تفاصيل الحياة الشرق أوسطية هذه الأيام. لكنّ خطورتَهُ الأشدّ، تنبعُ من أنهُ ضربَ، مثل ورمٍ خبيثٍ، الخلايا التي يُفترضُ أنها سليمة، وتشكّلُ خطوطًا دفاعيّةً في وجهِهِ، كما هو مفترض. 

تعلق "دار الجديد" على كتاب حسن بلاسم بأن العنوانُ والغلافُ غير لائقين

ويبدو استعراضُ الشواهد على ضرب الرداءة لهذه الخطوط الدفاعية أمرًا عسيرًا، لكثرتها وانتشارِها. وإذا كنا قد سلّمنا بأنّ المؤسساتِ الثقافية التي تتبعُ إلى سلطاتٍ سياسية أو دينية، لا بدّ تخضعُ بشكلٍ من الأشكال للجهة التي تنتمي إليها. فإنّنا أيضًا لا نعتبرُ هذه المؤسسات من الخطوط الدفاعية آنفة الذكر. لكنّ الحال، والمفاجأة في الحقيقة، أن يجدَ المرءُ، في مثالٍ غير حصريّ، دارَ نشرٍ مرموقة، لها سمعتُها وكتّابُها، مثل "دار الجديد" اللبنانية، تنشرُ على صفحتِها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك قبل أيام، صورةً لغلاف كتاب "طفل الشيعة المسموم" للكاتب والشاعر والسينمائي العراقي حسن بلاسم، الحاصل على جائزة الإندبندنت البريطانية الرفيعة، والتي لم يحصل عليها كاتبٌ عربيٌّ قبلًا، وهو الكتابُ الصادر عن "منشورات المتوسط – 2016"، ويضم مجموعة من النصوص التي لا تلتزم شكلا واحداً، بل تذهب بين الشعر والقصة والنصوص السردية؛ أرفقته صفحة "دار الجديد" بتعليقٍ مُعيب، يقول إنّ الكتابَ لو صدرَ عنها، أي "دارِ الجديد"، لكانَ العنوانُ والغلافُ مختلفين، ثمّ وفي ردٍّ على تعليق الروائية والكاتبة الفلسطينية ليانا بدر، الذي قالَت فيه إنها كانت ستختارُ عنوانًا آخرَ للكتاب لو أنها صاحبةُ دار النشر التي صدّرته، تعودُ صفحةُ الدار للتعليق بأن الغلاف والعنوان ليسا مناسبين، و"لا يليقان بنا"، ثم تذهب أبعد من ذلك حين تطالب الكاتب بتغيير العنوان والغلاف معًا!

اقرأ/ أيضًا: 8 أعمال روائية من أدب السجون العربي

مجموعةٌ من الأسئلة تفتحُها هذه "السقطة"، أولُها طبعًا، ما الذي يدفعُ دارَ الجديد المعروفة، لأصحابِها معروفي المواقف والرصانة، أن تسقطَ سقطةً مثل هذي؟ هل هو العنوان فعلًا؟ هل يُعتبرُ عنوانُ الكتابِ إساءةً للطائفةِ الشيعية؟ ثمّ هل يعتبرُ مسؤولو الصفحة، والدار ربما، أنّ من مهامِهم الدفاع عن فئةٍ ما، بصيغتِها الدينية؟

يبدو معيبًا، أن تلعبَ دار النشر دورًا غير دورِها، فماذا إذا لعبت دورَ خصمِها تحديدًا، الرقيب؟! الأمرُ هنا ليسَ مزحةً، ولم يعد مثيرًا للغثيانِ بقدر إثارتِهِ للقلق، كيفَ يُمكنُ أن يلعبَ المطالبُ بالحريّة دورَ السجّانِ حاملِ السلاسلِ ومفاتيحِ الأقفال؟!

هذا طبعًا إذا لم نُرد أن نذهبَ في جدالٍ غير مجدٍ، عما إذا كان المسؤولونَ أنفسهم قد قرأوا كتابَ حسن بلاسم. نظرًا لصعوبةِ التوصلِ إلى نتيجةٍ قابلةٍ للقياس، كأن يُقيّمَ الكتابُ من خلال محتواه بعد الاطلاع عليه. الأمرُ هنا يتعلّقُ بالفكرةِ، لا بالمحتوى، بالغلاف، الذي يُصوّرُ امرأةً منقّبةٍ، ترتدي الزيّ الشيعيّ، إلى جانبِها طفلٌ عارٍ تمامًا وتغطّي عورتَهُ إشارةُ X، وبعنوان "طفل الشيعة المسموم" الذي يشمُ الغلافَ نفسه.

اللافت في الأمرِ أيضًا، أن الدارَ نفسها، أزالت المنشورَ بعد تعليقٍ من الشاعر والناشر الفلسطيني خالد سليمان الناصري، صاحب الدار التي نشرت كتاب بلاسم، "منشورات المتوسط"، الذي صودفَ ورأيتُ تعليقهُ على المنشور ذاتِهِ، يطلبُ توضيحًا من دار الجديد يحملُ وجهةَ نظرِها في مشكلتها مع الغلاف والعنوان.

اقرأ/ أيضًا: البحث عن أفريقيا

تذهبَ بعض دور النشر العربية إلى سلوكيّاتٍ مافيوية صغيرة لا تليقُ بالمهنة

بتنا أمامَ تساؤلين، الأولُ عما إذا كان ما أثارَ حفيظةَ "دار الجديد" هو عنوانُ الكتابِ وصورةُ غلافهِ فعلًا، وهوَ ما لا يتوافقُ مع معرفتِنا كقرّاء ومتابعين لها ولمنشوراتها. والثاني، عما إذا كانت التنافسية، هي الدافعُ وراء ما نشرتهُ الجديد. وهذا التساؤلُ الأخير لا يقلُّ سوءًا عن الأول، إذ يحملُ في طيّاتِهِ لا أخلاقيّةً مهنية، وضربًا لتقاليدِ مهنة الناشرِ، الذي يُحتفظُ لهُ بحقّ "الغيرة" بوصفهِ بشريًّا أولًا وأخيرًا بكلّ تأكيد، ولكنّهُ يتعدّى الغيرة هنا، ليذهبَ إلى سلوكيّاتٍ مافيوية صغيرة لا تليقُ بالمهنة.

قبل أعوامٍ، خسرَ الحزبُ الاشتراكي الديمقراطي السويدي الانتخابات النيابية، لصالحِ خصومِهِ المحافظين، وفي خطابِ إعلان هزيمة الحزب، خرجت رئيستُهُ آنذاك منى ساهلين لتقول للأنصار: "لقد ساهمنا في تعليم وترسيخ الحريّات العامة لدى السويديين، ساهمنا بتعليمهم القوانين، وحقوق الإنسان، وكيفية بناء الإنسان والدولة، ويبدو أننا قمنا بعملنا على نحوٍ جيّدٍ، فحاسبونا بقسوة".

على نفسِ القاعدة، نهاجمُ أخطاءَ المؤسسات التي أُنشئت لتساهمَ في تشكيلِ وعيٍ مختلفٍ ومتقدّمٍ لدى الجماعة البشرية التي ننتمي إليها. سامحونا، سوف نحاسبكم بقسوة.

اقرأ/ أيضًا:

في صالون العقاد

تاريخ كتالونيا في 300 صفحة