08-نوفمبر-2015

يتمنى طلبة كلية طب الأسنان بجامعة فلسطين أن يحصلوا على الاعتراف بشهاداتهم (عبيد خطيب/Getty)

إذا كنت تطمح أن تصبح طبيب أسنان ماهر في غزة، ويلمع اسمك في عالم المتميزين طبيًا، ما عليك سوى أن تختار دراسة تخصص طب الأسنان في جامعة فلسطين بغزة، ولكن عليك أولًا أن تدرك أن هذه الكلية، بطلابها المائتين وستين قد وقعوا ضحية الانقسام السياسي، فهم أطباء مع وقف التنفيذ. والسبب عدم الاعتراف بهم من قبل وزارة التربية والتعليم العالي برام الله، ولكنها ليست وحدها من يتحمل التبعات، هكذا يقول الطلبة.

اعتراف مؤجل وقانون غائب

يعاني طلبة كلية طب الأسنان في جامعة فلسطين من غياب الاعتراف بشهادتهم وغلاء تكاليف الدراسة 

كان رئيس مجلس إدارة جامعة فلسطين سابقًا (قبل أربع سنوات) كاظم دغمش، يؤكد، خلال اجتماعات مجلس أولياء الأمور، أن الاعتراف بشهادات أبنائهم واقع لا محالة، وأن المسألة بحاجة لمزيد من الصبر، وأن الجامعة حصلت على اعتراف من وزارة التعليم بغزة وهذا حسب رأيه كاف.

أما الطلبة فقد تملكهم الخوف من ضياع مستقبلهم، فلم يعودوا قادرين على مواصلة الدراسة، فكل ما منحتهم إياه الجامعة هو وعد شفاهي يفضي إلى الاعتراف بهم كأطباء أسنان معتمدين ومن حقهم ممارسة هذه المهنة لاحقًا، ما يعني أنهم لا يملكون ما يؤهلهم لرفع دعاوى قضائية ضد الجامعة.

وحتى إن فكروا في رفع دعوة قضائية، وهو أمر مستبعد تمامًا، فسيكون الرد، بحسب أحمد ياسين (اسم مستعار)، أن "لا قانون يحكم عمل الجامعات بغزة، وكل يغني على ليلاه، حتى وزارة التربية والتعليم بغزة والتي منحت جامعة فلسطين الاعتراف، غير مكترثة بتفاصيل أداء الجامعة وتعاملها مع القضايا الجامعية على اختلافها، وليس لديها استعداد لمراقبة عملها وفق الأصول التعليمية".

ياسين وغيره من الطلبة يقرون أن الكادر التعليمي في الكلية يعد الأقوى على مستوى جامعات غزة، لكن ذلك غير كاف لصقلهم كأطباء مهره، والسبب هو أن الجامعة، وهي التي ترفض دخول أي من هؤلاء الطلبة إلى قاعاتها دون استكمال دفع الرسوم، لم توفر لهم معامل ومختبرات وعيادات للتدريب العملي داخل الجامعة إلا بعد مرور شهرين من بدء العام الدراسي. وتبرر إدارة الجامعة ذلك بانتظارها الموافقة الإسرائيلية على إدخال المعدات اللازمة لتجهيز العيادات.

مائة وأربعون دولارا للساعة الواحدة

يصل سعر رسوم دراسة تخصص طب الأسنان في جامعة فلسطين بغزة إلى مائة دينار أردني (مائة وأربعين دولار أمريكي) للساعة الدراسية، يتبعها تكاليف لمستلزمات دراسية تصل إلى حوالي أربعة آلاف دولار خلال سنوات الدراسة الخمس، وهي بذلك الجامعة الأعلى رسومًا وتكاليفًا على مستوى الجامعات بغزة.

وعن تجهيز العيادات، تقول داليا أبو حسان (اسم مستعار) لـ"ألترا صوت": "كان للجامعة متسع من الوقت (ثلاث سنوات) لتجهيزها بكامل مستلزماتها بما فيها (dummy head) وهو مجسم يمثل ما يشبه رأس الإنسان وترفض إسرائيل السماح بدخوله لكنها لم تفعل وهنا الإشكال".

لا توجه داليا أصابع الاتهام لعمادة كلية طب الأسنان، فهي وفق ما تشير "تقف في صف الطلبة وتكافح من أجل الحصول على الاعتراف وتوفير المعدات"، لكنها تحمل المسؤولية لنظام الجامعة الذي "يتعامل مع الطلبة وذويهم كمشاريع استثمارية"، حسب تعبيرها.

دفعت جملة العقبات التي تواجه المنتسبين لتخصص طب الأسنان إلى إعلان الإضراب ليوم واحد، وهو ما دفع الإدارة إلى طلب الجلوس معهم على طاولة تفاوض، لم تثمر حتى اللحظة سوى عن إيجاد قاعات دراسية كانت الجامعة تفتقر لها، وتثبيت عقود عدد من المحاضرين الذين سرحتهم الجامعة بحجة أزمتها المالية مطلع الفصل الدراسي، قبل نحو شهر.

تنظر سوزان، بكثير من الريبة لما هو آت، ولو كان الخيار بيدها، لسافرت لاستكمال دراستها الجامعية في أي بلد آخر، لكن الطوق المشدد على غزة، واستمرار إغلاق بوابة رفح، ووقوع باقي المعابر تحت السيطرة الإسرائيلية حال دون ذلك، علاوة على العادات والتقاليد التي لا تجيز لفتيات غزة السفر وحيدات لاستكمال دراستهن الجامعية.

للعميد قول آخر

نفى الدكتور جمال نعيم، عميد الكلية، ما تحدث عنه الطلاب وتحديدًا فيما يتعلق بمسألة الاعتراف، مشيرًا إلى أن "الجامعة معترف بها من وزارة التعليم العالي وأن طلابها بإمكانهم مزاولة المهنة بعد تخرجهم مباشرة ولكن داخل قطاع غزة فقط، وقد تواجههم بعض العقبات إذا ما فكروا باستثمار علمهم واستكمال دراستهم في أي من الدول الأخرى".

وأضاف نعيم لـ"ألترا صوت": "ترفض وزارة التربية والتعليم برام الله الاعتراف بكلية طب الأسنان لأسباب غير معروفة لكن وضعها القانوني سليم، فالجامعة قدمت أوراقها للجهات المسؤولة، ولكن الأخيرة لم تتخذ موقفًا حاسمًا منذ سبع سنوات (بدء الانقسام الفلسطيني)".

من المتوقع أن يقع الاعتراف بكلية طب الأسنان بجامعة فلسطين مع بداية 2016 حسب عميد الكلية 

لكن ما يثير الاستغراب هو أن الجامعة والتي من المفروض أن تقبل سنويًا أربعين طالبًا فقط، فتحت المجال هذا العام لقبول مائة طالب، من بينهم (أربعة وعشرون) فيما يعرف بالتعليم الموازي، الذي يدفع من خلاله الطالب الذي لا تؤهله درجاته في الثانوية العامة لدخول تخصص الطب عشرة آلاف دولار.

ووفق عميد الكلية فإن وعودًا من قبل وزارة التربية والتعليم العالي برام الله بإرسال لجان فنية بعد منتصف الشهر القادم من أجل التحقق من صلاحية حصول الجامعة على الاعتراف، متوقعًا أن يقع الاعتراف فعليًا مع بداية عام 2016

أما فيما يتعلق بارتفاع أسعار الرسوم الجامعية، فهو يرى أن "دراسة تخصص طب الأسنان في كل دول العالم مكلف جدًا، بل ربما يكون الأرخص ثمنًا في غزة إذا ما قورن بغيره من الجامعات العربية، بما فيها تلك التي تعاني أوضاعًا اقتصادية سيئة". وأضاف: "نحن نطور من كوادرنا الأكاديمية، ومعداتنا والعيادات التدريبية التي أتحدى أن جامعة أخرى داخل غزة تكون قد جهزت مثلها، وعددها حتى اللحظة أربع عشرة عيادة بتكلفة نصف مليون دولار، وبانتظار توريد ما يلزم لإتمام تجهيز خمس وأربعين عيادة أخرى".

وأمام الشد والجذب الذي يعيشه طلاب كلية طلب الأسنان بجامعة فلسطين، يبقى سيف الانقسام مسلطًا على رقاب الفلسطينيين ويتواصل تكريس مبدأ التفرد بالقرار وهو ما يضر بالطلبة بشكل خاص.

اقرأ/ي أيضًا:

الانقسام يهدد جامعة الأقصى

احتجاجات داخل الحرم الجامعي في غزة