20-أكتوبر-2020

أطفال يشاركون في عرض للأسلحة أيار/مايو 2019

يتعرض الأطفال في إسرائيل لما يمكن تسميته غسيل الأدمغة والوجدان، عبر أدلجة تحض على الكراهية والعنصرية ونبذ العرب، وكل ذلك يؤدي إلى غرس العنف والتعصب والعدوان عند الأطفال وإنتاج مناخ من الهدم والعداء في عالم الطفولة البريء، الذي يجب أن ينأى عن تنفيذ الأجندات الأيديولوجية والعسكرية والحربية، بينما المأمول إكساب الطفل قيم الحب والتسامح والإخاء والتعاطف الإنساني بعيدًا عن أي قضايا سياسية.

يتعرض الأطفال في إسرائيل لما يمكن تسميته غسيل الأدمغة والوجدان، عبر أدلجة تحض على الكراهية والعنصرية ونبذ العرب

يلعب الأدب والمناهج التعليمية والتربوية دورًا جوهريًا في التعبير عن أيديولوجية المجتمع وروحه وقيمه وأهدافه وأساطيره. فالكتابة الأدبية تقوم في مجمل أشكالها بتنظيم الأيديولوجيا ووضعها في شكل جديد هو النص الأدبي الذي يحمل أيديولوجيا أدبية تمشي على رجليها وتتجول في الأسواق وتقيم مختلف العلاقات الإجتماعية من حب وصراع وغيرهما.

اقرأ/ي أيضًا: أدب الأطفال.. الأسئلة والسياق

ومن ثم يقتضي ذلك الكشف عن علاقة الأدب والمناهج التربوية والتعليمية بالإيديولوجيا وإدانتها، خاصة حين تمس بالطفولة عبر تلك النصوص المشحونة بمنظومة منهجية من الأفكار والقيم التي تتصل عادة بالسياسة أو المجتمع أو بسلوك طبقة أو جماعة، ويمكن اعتبارها تبريرًا للقيام بأعمال معينة قد تكون عنفية وعنصرية في أغلب الأحيان. وكأنما تصبح الإيديولوجيا أهم من الأدب ذاته في خصائصه وطبيعته!

بحسب الناشطة السياسية والأكاديمية الإسرائيلية نوريت بيليد الحنان فإن العرب في الكتب والمناهج التعليمية يوصفون بـ: "العرب يركبون الجمل، يرتدون ثوب علي بابا". ويصفون العربي "بالحقير والمنحرف والمجرم، والناس الذين لا يدفعون الضرائب، والناس الذين يعيشون على حساب الدولة، الناس والذين لا يريدون التطور". وهم مجموعة من المزارعين البدائيين والإرهابيين، ولا يمكن رؤية طفل فلسطيني أو طبيب أو مدرس أو مهندس".

تشير البروفسورة في اللغة والتعليم بعد دراستها لمناهج التعليم في إسرائيل بأن "محتواها عنصري يحض الأطفال على التنشئة العسكرية الإجبارية". وتضيف بأنها قرأت عشرات الكتب الصادرة عن وزارة التعليم الإسرائيلية ولم تجد فكرة واحدة ترسم ملامح الشخص العربي كإنسان عادي طبيعي. وترى أن "كل ما يفعلونه، من روضة الأطفال إلى الصف الثاني عشر، هو تغذية الأطفال بالمفاهيم الوطنية الشوفينية بشتى الطرق، من خلال الأدب والأغاني والأعياد والترفيه".

وينص قانون حماية الطفل الصادر في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1959 في إحدى مواده الثقافية على "حق الطفل في التنشئة والتكوين تنأى عن العنصرية والكراهية والاستعلاء". إلا أن الدعاية الصهيونية تفننت في تشويه صورة العربي في مخيلة الطفل اليهودي عبر بث وغرس أفكار تصف العربي بأنه "جبان، كذاب، غبي، قاتل، خاطف للأولاد، إرهابي، راعي بقر ذي سحنة مخيفة، تنبعث منه رائحة كريهة، مخرب، مجرم، ذئب مفترس، أزعر". وهكذا يؤدي الأدب والمناهج التربوية والتعليمية دورًا في تشكيل الوعي وتثبيته عند هذه التصورات بالنسبة للأطفال.

تعمل الصهيونية على تحميل أدب الطفل الإسرائيلي مفاهيم العنصرية والعدوانية، وضخه بنزعة العنجهية والاستعلاء

في دراسته "مؤثرات إيديولوجية في أدب الطفل العبري: مقاربات تأويلية" المنشورة في مجلة عالم الفكر، المجلد الرابع، عام 2007، يشير الكاتب الدكتور أحمد زلط، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة القناة- الإسماعيلية، في مصر، يشير إلى ارتباط الإيديولوجيا بالأدب، وإلى تحميل أدب الطفل الإسرائيلي مفاهيم العنصرية والعدوانية، ويطرح العديد من الأمثلة المعتمدة في الخطاب الأدبي الموجه للأطفال وهي على الشكل التالي: في أدب الطفل العبري أغنية مشهورة تردد بكثرة على مسامع الأطفال وكتبها "هازي لابين" وتقول: سوف نهاجم الأعداء في الظلام/ خلال الظلام بكل قوة/ لأنه لا يوجد لدينا لذة/ غير لذة الجريمة. وهازي لابين يعتمد في سائر قصصه للأطفال على بطل يهودي ويكون دائمًا رئيس مجموعة من الأطفال الذين يقاومون "وحشية" العدو "العرب".

اقرأ/ي أيضًا: أي مستقبل للطفل العربي؟

يكتب الروائي عاموس عوز "كل إسرائيلي لا يرى أي موجب لاحترام العربي أو تقديس حقوقه"، ويدعي أن العربي يشكل تهديدًا مباشرًا لإسائيل انطلاقًا من أفكاره "البدائية" والصراع بين أمة متحضرة وأمة متخلفة. وتعد قصة "الأمير والقمر" للقاص الإسرائيلي "يوري إيفانز" نموذجًا أدبيًا لما يمكن تسميته كراهية الأغيار، أي كل ما هو غير يهودي إسرائيلي من العرب، وهذه بعض مقاطع من القصة:

قالت الصغيرة: من الذي سرق القمر؟

قلت: العرب.

ويكمل القاص "ومنذ ذلك الوقت، والصغيرة تحلم بالقمر، وتكره العرب، لأنهم سرقوا حلمها وحلم أبنائها".

وسأل الأمير: من الذي سرق القمر؟

أجابت الصغيرة: العرب.

بصق الأمير على الأرض وقال: الجبناء، كلهم لصوص وقتلة.

ونورد هنا قصيدة للشاعر "أفرايم سيدون" المعنونة: "الطفلة الصغيرة ذات الرداء الأحمر" وفيها: كل النساء في صيدا وصور/ كل الأمهات، كل الحوامل/ كل المسنين والأرامل/ ها نحن قادمون لنعاقبكم/ لنقتص منكم.

وعلى غرار هذه المقاطع التي تدعو لسفك الدماء تكتب نعمة شيمر في قصيدتها "ذوو العقول المغلقة" في صحيفة "دافار" ما يلي: لو أنهم تلاميذ مجتهدون يتقنون الدرس/ لكانوا نصبوا مدافعهم/ على مداخل المخيمات/ وأمطروها بالقنابل والقذائف/ بالحديد الملتهب/ ومسحوا المنازل مع سكانها.

في قصيدة الشاعر الإسرائيلي أبشلوم كور وعنوانها "لو كنت قائدًا بجيشنا الأسطورة" المنشورة في صحيفة "معاريف" يقول: "لو كنت قائدًا لمنطقة بيروت المحاصرة والمختنقة/ لصرخت في وجه كل أولئك/ الذي يطالبون بإعادة المياه/ ويصرخون ويتألمون/ ويطلبون إعادة الدواء والطعام/ إلى المدينة المحاصرة/ لو كنت قائدًا لجيشنا العظيم/ لزرعت الموت والدمار/ في المزارع والشوارع/ في كل المساجد والكنائس".

وأما الكاتب ج. كوهين فيحدد هوية العربي: "إن العربي مخلوق غريب، يرتدي جلبابًا ممزقًا، وغطاءًا قذرًا للرأس، وتلتف زوجته بثوب أبيض، ويسير أطفاله حفاة، وليس من مجال للخطأ من تحديد هويته، فكل شيء يتعلق به، ماديًا كان أو معنويًا، ينطق بصفاته، إنه لص وكذوب وكسول وعدواني".

يلح الكاتب الإسرائيلي كوهين على ازدراء العربي ويورد على لسان بطل قصته الشجاع عندما قابل أناس أعراب لأول مرة: "ماذا يفعل هؤلاء العرب هنا؟ لماذا هم فقراء وقذرون بينما الأرض حول قريتهم جيدة وخصبة؟ إنهم همجيون". وعلى هذه الشاكلة تنبني صورة العربي في الأدب الموجه وفي السياسة والفلسفة الإسرائيلية.

لنلقي هنا نظرة إلى كيفية توجيه أدب الطفل في الناحية الإيكولوجية/الطبيعية والتي تنبثق من الأيديولوجية الصهيونية وتهدف إلى عملية الإنتشار المكاني والإستيطان خارج المدن الكبيرة عبر غزو الصحراء وبناء المستوطنات والتوسع. وتحتوي هذه القصص على فكرة الغزو وتمجيد الزراعة والإعتناء بالعمل اليدوي.

وهذا ما نجده في قصة "حديقة بجوار البيت" التي تدعو مؤلفتها سارة جلوزمان، الأطفال إلى الزراعة عن طريق حكاية تعليمية تهدف لتزويدهم بالمهارات الزراعية والتأمل بالطبيعة. كل ذلك له أهداف لتثبيت فكرة أن فلسطين أرض قاحلة جرداء، وأن اليهود هم الذين أنبتوها وجعلوها خضراء، ومن هنا تأتي مقولة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". ويضيف الكاتب الدكتور أحمد زلط، إلى عشرات الأمثلة التي لا يمكن حصرها في مقال واحد، كيفية تكريس الصلف والكبرياء وتشكيل طباع الطفل العدواني القائمة على التلقين الممنهج لنزعات الشر.

أدب الطفل الإسرائيلي موجه ويتسم بإقحام حرية المبدع والمتلقي في تنفيذ فكر الفلسفة الصهيونية وسياستها

أما التأويل الدلالي لهذه القصص فيفسره الدكتور عبد المجيد زراقطة في مقالته النقدية "الرؤيا إلى الآخر في الأدب القصصي الصهيوني" ويفند هذه الدلالات حول سمات العربي المستخلصة من هذه القصص وهي على الشكل الآتي: "تفوق الجندي الصهيوني، ادعاء العربي الفارغ، العربي الخائف والجبان، عديم الإحساس بكرامته، يهوى الذل، تباين مقدرات التفكير بين العربي والإسرائيلي، تصوير شخصية العربي بأنها بدائية إنفعالية، منافق، العربي غدار، وسخ، قبيح، مستسلم للقدر، الاستسلام لقاتلي إخوته والمنتصرين على قومه، فرديته وأنانيته واهتمامه بمصالحه فحسب، قيمة المال لدى العربي تفوق كل القيم في مجتمعه".

اقرأ/ي أيضًا: جلوريا فورينتس.. 99 عامًا من الطفولة

إن أدب الطفل الإسرائيلي موجه ويتسم بإقحام حرية المبدع والمتلقي في تنفيذ فكر الفلسفة الصهيونية وسياستها وتعليمات المؤسسة العسكرية في إسرائيل. وذلك في محاولات لخلق أساطير التفوق وتشويه صورة الأخر، وتعميق العداء، وبث النزعة الدينية المتطرفة المتعصبة. وكل ذلك يجعل من أدب الطفل خالي من البعد الروحي والإنساني ويفتقد نسق القيم والحق والخير والمساواة والجمال وغيرها مما تقدمه روائع أدب الطفل في اللغات الإنسانية كافة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غياب ممتاز البحرة.. راوي الطفولة السورية

سنة طويلة في "سوريا الأسد"