04-سبتمبر-2016

إحدى التصاميم المنشورة للمنسق على صفحته الموثقة

"شارك، لأن الإعلام العربي لن يشارك" هو الشعار الذي يطغى على منشورات صفحة "المنسق"، وهو رئيس ما تعرف بـ "الإدارة المدنية في الضفة الغربية" يؤاف مردخاي، عبر موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة "فيسبوك"، وهي صفحة تحولت مع العديد من الصفحات الإسرائيلية الناطقة بالعربية إلى نقطة جدل بين الفلسطينيين.

الكثير من الحسابات التي تعود لأشخاص عرب تعلق على الصفحة التي زاد عدد المعجبين بها عن 53 ألف شخص، وتتراوح التعليقات بين مؤيد لما يروجه "المنسق" من "إنجازات إنسانية وأمنية" لدعم الفلسطينيين، ومعارض ومكذب لهذه الادعاءات، ومن يرى في الشتائم بكل أنواعها سلاحه في مقاومة "المنسق" بما يمثله من مكانة سياسية.

صفحة على فيسبوك يديرها مسؤول إسرائيلي يخاطب بها الفلسطينيين مباشرة ويجد تفاعلًا

الصفحة التي يغلب على منشوراتها التمويل الإلكتروني، انطلقت في 28 آذار/مارس 2015، وتعرف نفسها بأنها "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، هي الهيئة المكلفة بتطبيق سياسة الحكومة في أراضي يهودا، السامرة وغزة"، وتضع رقمًا للهاتف بالإضافة إلى بريد إلكتروني للتواصل معها، وخاصية الرسائل الخاصة على الصفحة متاحة، وهي موثقة حسب معايير موقع "فيسبوك".

اقرأ/ي أيضا: علماء آثار يتساءلون عن حقيقة علمانية إسرائيل

وليس "المنسق" الشخصية الإسرائيلية الوحيدة التي تملك صفحة ناطقة بالعربية موجهة للجمهور الفلسطيني، فالناطق بلسان الجيش للإعلام العربي أفخاي أدرعي يملك صفحة مشابهة، إضافة لأوفير جندلمان وهو المتحدث باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي، وغيرهم، ما يشير إلى سياسة عامة وعمل منظم لأهداف بعيدة، كما يرى مراقبون.

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، إن هذه الصفحات تحاول أولًا استمالة قلوب البعض من خلال الترويج لإنجازات إنسانية مزعومة، معتبرًا أن غياب الرد الإسرائيلي على التعليقات التي تأخذ منحى الشتم يظهر "إسرائيل" وكأنها دولة التسامح والود، ويبدو الفلسطيني فيها عدائيًا.

المنسق

"هذا أكبر نجاح ويكفيها حاليًا"، يقول الشوبكي عن ما تحققه هذه الصفحات من تفاعل يعود حسب اعتقاده لغياب الوعي بخطورة التفاعل عليها، مضيفًا، "ما يجري استغناء تدريجي عن دور السلطة الفلسطينية في بعض المناطق من خلال إيجاد جهات إسرائيلية تتواصل لمتابعة المشاكل اليومية للفلسطينيين من تصاريح وحواجز وغيره".

ويربط الشوبكي في حديثه لـ"ألترا صوت" بين هذه الصفحات وتصريحات رسمية سياسية إسرائيلية برزت مؤخرًا بأن يتحول نمط الحكم في الضفة من ذاتي إلى محلي، ويعقب: "لا أستبعد أن تكون هذه الصفحات جزءًا من الخطة الإسرائيلية". وكان وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان قد قال في تصريحات عديدة إن إسرائيل تتواصل مع الفلسطينيين في الضفة بشكل مباشر لا سيما رجال الأعمال والتجار، واتهم السلطة بالفساد، وكان سبقه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حين خرج في فيديو يقول إن حكومته تهتم بمعيشة الفلسطينيين وشروطها أكثر من قادتهم، وهي ما اعتبرت بوادر على نية إسرائيلية للتوسع في إدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة وغزة بشكل مباشر عبر الإدارة المدنية وبعيدًا عن السلطة، التي لا يزال التنسيق بينها والإدارة المدنية قائمًا، وكان آخره توقيع اتفاقية بشأن خدمات البريد من الأردن إلى مناطق السلطة قبل أيام.

"الاستغناء تدريجيًّا عن دور السلطة الفلسطينية"، دفعنا لسؤال المفوض السياسي العام لمحافظة الخليل إسماعيل غنام، ليأتي الرد برفض أن يسمع مصطلح "المنسق"، مع الاعتراف وجود تقصير في التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي لدى السلطة الفلسطينية.

وأبدى غنام في حديثه لـ"ألترا صوت" تأييده لوجود متابعة لمرتادي صفحة "المنسق" على "فيسبوك"، بالإضافة لزيادة الوعي والثقافة حول السياسة الإسرائيلية وخاصة المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، من خلال كافة الوسائل المتاحة الرسمية والأهلية.

اقرأ/ي أيضا: مصوّر فيديو إعدام الشهيد الشريف يعيش مسلسل رعب

وكشف أن المفوضية بدأت منذ فترة قصيرة حملة للتوعية حول سائل التواصل الاجتماعي بما لها وعليها في المجتمع الفلسطيني، موضحًا، أن "المؤسسة الأمنية" التابعة للسلطة الفلسطينية لديها الكثير من المعلومات والأحداث المتعلقة بإشكاليات اجتماعية وسياسية وأمنية قادت البعض للسقوط في فخ "العمالة" جراء "موقف" أو "نزوة" مع "إسرائيل"، وفق تعبيره.

وتحمل صفحة المنسق منشورات متنوعة في طرق العرض بين الفيديو والصور ورسوم البيانات والإحصاءات، وتجد عشرات المعجبين بها إضافة لتعليقات يتساءل أصحابها عن قضايا شخصية بطريقة كانت مفاجأة في بداية الأمر، لكنها لم تعد غريبة بعد مرور أكثر من عام على انطلاق الصفحة.

المنسق

وتحاول صفحة المنسق في غالبية منشوراتها إرفاق مقاطع فيديو أو صور أو إحصاءات لزيادة التأكيد على دورها الذي تصوره أنه "إنساني خدماتي لتسهيل حياة الفلسطينيين"، بالإضافة لحرص الصفحة على مشاركة الفلسطينيين مناسباتهم وتراثهم وحياتهم اليومية.

المنسق

ويرى الشوبكي أن التقصير الفلسطيني كبير جدًا في توعية الشارع عن طبيعة هذه الصفحات وأهدافها، مشيرًا إلى أن ما يجري تواصل مباشر بين "فلسطيني مواطن" وبين موظف أمني إسرائيلي قد يقود البعض إلى "الإسقاط الأمني".

وينتقد دور الفصائل الفلسطينية الغائب عن توعية قواعدها في الشارع من خطورة الصفحة كمثال، خاصة أن غالبية مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فلسطينيًا هم فئة الشباب، منوها إلى أن الرد يجب أن يكون جماعيا ومنظمًا لا فرديًّا.

مخاوف فلسطينية من أن توصل صفحات الشخصيات الإسرائيلية الناطقة بالعربية إلى الإسقاط الأمني

وحاول "ألترا صوت" التواصل مع عدد من القيادات الفصائلية ونواب في المجلس التشريعي للتعليق على هذه القضية، لكن دون جدوى، حتى أن قياديًّا في أحد أكبر الفصائل اليسارية أجاب: "مليش خص بالفيسبوك وفش عندي أصلا"، لكن بعد البحث تبين أنه يمتلك صفحة على "فيسبوك" باسمه وصورته باللغتين العربية والإنجليزية.

فيما برر نائب في التشريعي رفضه الحديث في القضية بأنه لا يعلم شيئا عن صفحة "المنسق" ولم يسبق له تصفحها، رغم أنه لم ينف علمه بها.

وربما تشير هذه الإجابات لوجود فجوة واضحة لدى الجهات الرسمية والفصائلية الفلسطينية في متابعة الخطاب الإسرائيلي الموجه للفلسطينيين، ومحاولة الرد عليه أو منافسته ومواجهته، ومن جهة أخرى يمكن القول إن قلقًا وتخوفًا متصاعدًا من إبداء رأي أو موقف من هذه الصفحات الإسرائيلية، نظرًا للرقابة الإسرائيلية الكبيرة في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي واعتقال مئات والتحقيق معهم على خلفية منشوراتهم على صفحات الفيسبوك مثلًا، وفي عدة حالات نشرت صفحة المنسق نفسها منشورات لفلسطينيين، رياضيين ومسؤولين، واتهمتهم بتزييف الحقائق في قضايا بعينها، ما يشير إلى متابعة حثيثة لما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي فلسطينيًا.

ويلاحظ متصفح صفحة "المنسق" وجود طاقم متخصص في التصميم والمونتاج والتصوير والنشر والمتابعة والردود، لكن استخدام "المنسق" لصور من مناطق داخل الضفة الغربية تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية الإدارية كإنجاز لـ "الإدارة المدينة الإسرائيلية" كان مثيرًا للاهتمام.

ولا يستبعد المدون والمتابع للصحافة الإسرائيلية محمد أبو علان أن تكون التعليقات الإيجابية على هذه المنشورات مبرمجة من الاحتلال، محذرًا من أن هذه الصفحات تمارس الخداع وتروج لانطباعات أكبر من حجمها الحقيقي. كما يتخوف من أن ما يجري على الرسائل الخاصة في صفحة "المنسق" أكبر من مجرد ما يعلن عنه من خدمات واستشارات.

اقرأ/ي أيضا:

 "الحجاب" في مدرسة بغزة يساوي "أمن الدولة"

احتفاء إسرائيلي بزيادة عدد المسلمين بشرطة الاحتلال