22-سبتمبر-2016

تسلل الصباح إلى الليلة الطويلة دون أن تتخللها أيةُ كلمات أو أحاديث (Getty)

كانت الساعة تشير الى منتصف الليل عندما سَمِعتْ طقطقة أقدام مهرولة، وطرقَ شباك الغرفة المطل على الشارع المظلم من الحي كغيره من الشوارع، لكن أكثرها ضيقًا وفواحًا للرائحة، فمنذ حوالي شهرين لم تمر سيارات البلدية من هنا، بل منذ شهرين لا يوجد شيء اسمه بلدية في المدينة. فتحت الشباك لصديقها الهارب.

"خلف هذا الشارع شريط ذكريات" هذا ما صدح في ذهنه قبل أن يقتحم ظلمة الشارع الضيق، دخل قافزًا مقطوع النفس، جَثَا على ركبتيه، رفع رأسه باحثًا عن عينيها في الضوء القليل الداخل خلسة عبر القسم العلوي من النافذة وصمت.

(أصوات طلقات رصاص كثيفة وقوية)

تسلل الصباح إلى الليلة الطويلة دون أن تتخللها أيةُ كلمات أو أحاديث، رسمت الشمس أولى طقوس الصباح بدخولها من النافذة الأمامية من الصالة، "لم أصاحب طقسًا صباحيًا منذ وقت طويل"، قال لها دون أن يطلب منها مباشرة ودون أن ينتظر إجابة محددة، ودون أية إيماءات تحركت هي إلى مطبخها المركون في جدار الصالون نفسه، وضعت بهدوء فنجانين على الطاولة الصغيرة. 

- عملت القهوة بلا سكر، بعتقد لساتك بتحبها سادة 
- بس إنتي بتحبيها وسط 
- لا انا كمان صرت حبها سادة... بعد ما انقطع السكر 
- ليش لساتك هون؟؟ شو عم تستني؟
-... ممم، في باكيت وراك عالطاولة هاتو 
- عم تدخني؟ 
- "جيتان" اللي بتحبو، لساتك؟
(لحظات صمت)
- اديش صرلنا؟؟
- ما حكينا؟؟ قصدك؟ كتير..
(صمت)
- استشهد عبود 
- أي.. عبود وحسن ومريم، ويمكن نحنا بعد شوي 
(صمت)
- أنا لازم روح... بيعرفوا إني قريب بييجو وبياخدوني بلالك الـ...
- بلالي الــ شو؟ بهدلة ؟... هههههه
- آسف، ما كان قصدي 
- سقطّت الولد... وعم أستنى تطلع هويتي 
- أوراقك راحو؟... وهويتك كمان؟؟
- ما راحوا... إتاخدوا أخد، أخدوها متل ما أخدوا كلشي بس فشروا رح يرجع كلشي، شو بها إيدك؟؟
- الرصاصة ضلت جوا ما قدرو يطالعوها، بس منيحة 
- شو المنيح فيها ماعم تحركها!! 
- لا بحركها... فيني قوص فيها
(صمت)
(يلتزمان فترات الصمت كما لو أن مؤقتًا يُسّير الحديث، ينظر إلى عينها كأنه يحصي نجومًا في سماءٍ هجرها القمر، تنظر هي وكأنها ترتوي من مطر ربيعٍ طلّ)
- 83 يوم و14 ساعة صرلي طالعة، أطول فترة ما بياخدوني وما بيسألو ولا سؤال 
- 3 سنين، 3 سنين وشهرين و9 أيام 
- صرلك 3 سنين عم تقاتل كيف؟ كان لسه وقتها.. عــ.... 
(صوت قذيفة في الجوار) 
- انزززززل انزل..

جنبًا الى جنب ارتميا، منذ وقت طويل لم تشاركه أنفاسه المرتجفة، تنهيدته الطويلة حين تحتضن شفتاهُ المستعرتان كل جزء من جسدها المرتمي إلى حضنه، منذ ذاك اليوم الذي سقطتْ فيه نجمة متلألئة من سماء دمشق 
تلمّس خدها المحمر، لم تلتق جفونه ببعضها أبدًا، ظل يغازل عينيها بنظراته المطولة، أمسك بيدها كما لو يمسك بيد أنثى من قبل. رجف قلبه كما أنه لم يحب يومًا كما لو لم يولد إلا توًا. جس يده بيديها وبيده الأخرى مسدسه الفضي، وقبّلها كما قبّلها أول مرة منذ 3 سنوات وشهرين و9 أيام.

* العنوان بالأصل أغنية للسورية سهير شقير 

اقرأ/ي أيضًا:

من تحت الأنقاض

الحصان الذي لم يسر بصاحبه صوب الهاوية