03-مارس-2016

أوغوز غوريل/ تركيا

لا تزال صحافتنا قديمةً رغم كل التغيّرات التي طالتها، صحيحٌ أننا انتقلنا من عصر الجريدة المطبوعة إلى عصر الموقع الإلكتروني، وصحيح أن الصفحات تبدلت إلى شاشات، بل إنّ فكرة التصفّح نفسها تحولت هي الأخرى من تقليب الصفحات إلى لمسها، لكن رغم ذلك لا تزال الحرية الصحافية حلمًا بعيدًا، فالصحافي اليوم محاصرٌ بأمراض الأمس، وقوة "المكتوبجي"، رقيب العصر العثماني، لا تزال على حالها إن لم تكن قد ازدادت وتطورت كما سواها.

معلومات المؤسسات العربية لا يخرج منها إلى النّور إلا ما ترغب أجهزة المخابرات أن تخرجه

لا معلومات تحت التصرّف، لا قوانين تحمي حقّ الرأي وصاحبه. كلُّ تفصيل في عالمنا العربيّ ممهورٌ بخاتم "سري للغاية" أو "ممنوع.. أمن دولة" إلى ما هنالك من أساليب القمع والترهيب. المعلومات التي يجب أن توفرها أيّة مؤسسة عامة، حتّى لو كانت مؤسسة الأعلاف، تمتلك قداسة الأسرار الإلهية، وجيش المدراء العامين على امتداد الوطن العربي يعتبرون كل نقد يطال مؤسساتهم هو نقد ضد هيبة الدولة وسيادتها، وعليه يشنون حملات قمع قانونية وغير قانونية، بمال المؤسسة المنقودة، ضد الصحافة والصحافيين.

اقرأ/ي أيضًا: صحافة السودان.. آه يا أمن

معلومات المؤسسات لا يخرج منها إلى النّور إلا ما ترغب أجهزة المخابرات أن تخرجه. يحدث هذا في عصر توصف فيه المعلومات بأنها "أكسجين الديمقراطية"، ما يعني فعليًا أن الديمقراطية مخنوقة. 

من أجل هذا كله تغرق الصحافة العربية في مقالات الرأي أو الضرب في الرمل والتكهنات. قلما نجد مقالات استقصائية (الغريب أن المؤسسات غير الحكومية باتت تتصدى لهذه المهمة!)، أو نلمس اهتمامًا بأقسام التحقيقات، مع أن الصحافة هي تحقيقات أساسًا. الأمر طبيعي للغاية لكون الصحافي المقيّد مضطر للعمل على طريقة الباحث، يجمع القرائن إلى بعضها، ويكتب خلاصاته بناء على توجهات منبره، أو على طريقة المترجم في حالات أخرى. طبعًا ليس من أجل هذا تشيد كليات للصحافة والإعلام!

المعلومات، مربط الفرس في المهنة، لا تتوفّر إلا في حالتين، الأولى في التسريبات التي تتقصدها الأجهزة الأمنية العربية بغية أهداف سياسية محددة. والغريب حقًا أن عادة هذه الأجهزة هي اختيار صحافي أجنبي لنشر ما يريدون عبره في خبطة صحافية، وفي ذلك وحده دلالة كافية على أن صحافتنا لا تهمهم في شيء. الأمر الثاني يتم بشكل غير ممنهج، وعلى مراحل، عن طريق كتاب أعمدة الرأي والافتتاحيات المقربين من الأنظمة، حيث تمر من خلالهم معلوماتٌ تساهم في توجيه الرأي العام والتحكم به، طبعًا رغم الحظ الذي يناله هؤلاء الكتّاب الصحافيون إلا أنهم يقتلون نزاهتهم بأيديهم مع تحولهم إلى مجرد سعاة بريد لدى المخابرات.

يضطر الصحافي المقيّد إلى العمل على طريقة الباحث، يجمع القرائن إلى بعضها، ويكتب خلاصاته بناء على توجهات منبره

على الضفة الأخرى، يتاح للصحافين في الغرب أن يتحولوا إلى مساهمين في صناعة الرأي العام نتيجة حرية تبادل المعلومات، الأمر الذي يمكنهم من تقديم قراءات موضوعية بلغة التحليل والأرقام والقياس. طبعًا لا نتحدث هنا عن منهج التجهيل الغربي السائد والمعروف في إغراق الفضاء العام بوسائل إعلامية متضاربة، لكن صوتًا واحدًا هو الطاغي، بقوة السيطرة المالية والقدرة على التلاعب بالعقول، رغم الإيهام المدروس على أنه صوت ضمن جوقة أصوات متعددة، كما حدث في كثير من القضايا الحساسة، أبرزها الدعاية للحرب على العراق.

اقرأ/ي أيضًا: حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

ما يميّز الغرب أن هناك دومًا من يكسرون ذلك الطّوق، ليذهبوا إلى تشكيل نماذج تُحتذى، على العكس من الواقع العربي، حيث تتحول الشجاعة الصحافية إلى لعنة على صاحبها، ومثالًا جيدًا تقدمه السلطة القمعية لكل من يرغب في التمرد، كما حدث مؤخرًا مع صحافيي مصر.

لم تغيّر الصحافة الإلكترونية إلا ما هو شكليّ. لا شك أن هناك سهولة اليوم في النشر والانتشار والتصفح والجماليات، لكن المعلومات نفسها تواصل شحّها، والحرية النسبية التي تتيحها وسائل التواصل الاجتماعي تتحوّل إلى فوضى مع الوقت، دون أن تستطيع الصحافة الحالية أن تنظمه أو تحضه.

هكذا هو المشهد؛ ربيع عربي وثورة اتصالات، ولا تزال الساحة الصحافية العربية مرهونة لمن يملكون المال، لا يشذ هذا عن قاعدة سائدة في العالم ككل، لكن مشكلتها في العالم العربي أنها تأتي في مناخ غير ديمقراطي مشبع بالتدخل المخابراتي. أما المواقع الإلكترونية المتوالدة بشكل انشطاري، والتي لا تزيد المشهد إلا فقرًا، جعلت "السلطة الرابعة" تتحول إلى ذراع ضارب لصالح السلطة لا الناس.

اقرأ/ي أيضًا:
 
حسام بهجت.. التهمة: صحفي

جائزة عمر أورتيلان.. تحية للصحافة الثقافية