25-فبراير-2016

شوكولاتة (Getty)

أعرف أن أغلبكم يحب الشوكولاتة، ومن منا أساسا لا يستمتع بطعها المقدس المذهل الذي ينقلنا لجنات السماء.. نعم طعمها المقدس .. فشجرة الكاكاو كان من أشجار الآلهة في معتقدات السكان القدماء في أمريكا وافريقيا ... فهناك تاريخ طويل يسكن في شجرة "الكاكاو" الأم الشرعية للشوكولاتة، وهي الشجرة التي كانت جزءا لا يتجزأ من الحياة الدينية والاقتصادية لشعب المايا والأزتيك في أمريكا الوسطى منذ سنين طويلة.

صناعة الشكولاته التي يدمن عليها أطفالنا تقوم على "عبودية" الأطفال في دول غرب أفريقيا، التي تعد موطنا لثلثي حبوب الكاكاو في العالم

لكن الكاكاو لم يشتهر إلا في حالته السائلة كمشروب ساخن يقدم لعلية القوم، وقد استخدم مشروب الكاكاو في حضارة المايا كمشروب مقدس في الاحتفالات الدينية كما عثر في مقابر طبقات النبلاء لدى شعب المايا على قرابين من الكاكاو. وفي حضارة الآزتيك كان المعتقد الديني لهم أن "الكاكاو" هو "هدية الآلهة" للبشر في بعض اللغات القديمة في أمريكا الوسطى كان يعني "خبز الآلهة"، وبالتالي كان له قيمة مقدسة منحه قيمة رمزية ثمينة جدًا جعل السكان المحليين يستخدمونه كعملة يتداولونها في حياتهم الاقتصادية، وكل عدد معين من الثمار كان له قيمة معينة متعارف عليها فيما بينهم.

اقرأ/ي أيضًا: محمد روان..رحلة في حلم

نقل الغزاة الإسبان بعد اكتشاف أمريكا مشروب الكاكاو السحري إلى أسبانيا لكن طعمه لم يكن مستساغا بسبب مرارته، ولكن ما أضفى عليه قيمة اجتماعية في قصور النبلاء هو مزجه مع قصب السكر في إسبانيا، ويبدو أن شراب الكاكاو المر ارتبط بالرهبان والنبلاء والفرسان ومن المقولات التي سادت في اسبانية في عصر ما "قبل  تحلية الكاكاو" أن: "لا أحد يشرب الكاكاو، إلا إذا كان راهبا أو نبيلا، أوجنديا شجاعا".

اجتاج مشروب "الكاكاو" لعقود طويلة كي تنتشر بشكل واسع بين العامة، ويتضح من المخطوطات المتوفرة عن تلك الفترة أن انتشاره الشعبي كان أواخر القرن الثامن عشر وقبلها كان انتشاره الأكبر كمشروب ارستقراطي يقدم في حفلات نساء البلاط أو في قاعات النبلاء الكبيرة، كما كانت تقدم في الحفلات الملكية إما كمشروب أو يتم إضافته مع بعض الاطعمة.

كان القرن العشرين محطة أساسية للانتشار العالمي الذي حققه منتج "الشكولاتة" المصنع من "الكاكاو"، وفي قرننا الحادي والعشرين الذي نعيش عقده الثاني ازداد استهلاك البشر لها لدرجة يفوق الخيال، فالأمريكيون مثلا يدفعون في عيد الهالووين أكثر من مليار دولار ثمنًا للاستمتاع بطعم الشوكلاتة. 

لكن قليلين يعرفون أن خلف هذا الطعم الممتع والمذهل حقائق صادمة تتكشف اليوم فالشوكولاتة التي يستمتع بها أطفالنا؛ ونسعد بهم ونحن نراهم يأكلونها بنهم ونتسابق لالتقاط الفيديوهات لهم وهم "يمعطوا أفواههم وملابسهم" بها، ونكرم أصدقاءنا وأطفالهم بأن نحضر لهم شوكولاته نستله أو كيندر أو مارس أو إلخ ... تقوم في الأساس على تعاسة أطفال آخرين، نعم فصناعة الشوكولاتة ومنتجاتها التي يدمن عليها أطفالنا تقوم على "عبودية" الأطفال في دول غرب أفريقيا، التي تعد موطنا لثلثي حبوب الكاكاو في العالم، في تلك البلاد يستعبد الاطفال بين عمر 11-16 (وفي بعض الأحيان أصغر من 11 سنة) في مزارع معزولة، يعملون فيها من 80 إلى 100 ساعة في الأسبوع؛ وتشير تقارير دولية إلى أنهم يتعرضون للضرب باللكمات والأحزمة والسياط لإجبارهم على إعطاء طاقة أكبر في العمل؛ كما تظهر التقارير أيضا أن عبودية الأطفال في حقول الكاكاو ازدادات بين عامي  2009 و 2014   بأكثر من 50 %، رغم الانتشار الفطري لجمعيات حقوق الطفل في العالم.

تظهر التقارير أن عبودية الأطفال في حقول الكاكاو ازدادات بين عامي  2009 و 2014   بأكثر من 50 %

اقرأ/ي أيضًا: المخدرات..سم قاتل يهدد المدارس الجزائرية

كبرى شركات صناعة الشوكلاته في العالم Hershey، Mars، Nestle، ADM Cocoa، Godiva، Fowler’s Chocolate، Kraft، تواجه اليوم دعوى قضائية رفعت ضدها في أيلول/سبتمر الماضي تقول الدعوى بأن هذه الشركات تمول عن "غير قصد" عبودية الأطفال في غرب إفريقيا.

من قصصه المؤلمة في مجموعته القصصية "أفواه الزمن" يكتب الكاتب الاورغواني إدوادو غاليانو، قصة قصيرة بعنوان :"سوق العولمة" تختصر خاتمتها كل الألم والقهر الذي يختبئ خلف "أفواه" محبي الشوكولاتة في عالمنا، أنقلها كاملة:

سوق العولمة    

أشجار بلون القرفة، ثمار ذهبية

أيد من خشب المهاغوني تلف البذور البيضاء بلفافات من أراق خضراء كبيرة.

البذور تختمر تحت الشمس، وبعد ذلك، بعد إخراجها من لفافاتها، تجففها الشمس، في العراء، وتلونها ببطء بلون نحاسي.

عندئذ تبدأ بذور الكاكاو رحلتها عبر البحر الأزرق.من الأيدي التي ترزعه حتى فم من يأكلونه، يعالج الكاكا في مصانع كادبوري، أو مارس، أو نسلته، أ هيرشي، ويباع في متاجر العالم. ومن كل دولار يدخل إلى الصندوق، تذهب ثلاثة سنتات ونصف السنت إلى القرى التي يأتي الكاكاو منها.

صحفي من تورينتو، اسمه ريتشارد سويفت، كان في واحدة من هذه القرى، في جبال غانا.

جاب مزارع الكاكاو.

وعندما جلس ليستريح، أخرج من جعبته بعض ألواح الشكولاته. وقبل القضمة الأولى، وجد نفسه محاطا بأطفال فضوليين. فهم لم يتذوقوا هذا الشيء قط، وقد فتنهم!

اقرأ/ي أيضًا: 

الصحف الجزائرية..صراع البقاء

الفائض المالي يدفع كرة القدم الصينية للأمام