03-أغسطس-2017

شبح الغرق يخيم على شواطئ المغرب (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

مع حلول موسم الصيف، يتوافد آلاف المصطافين على الشواطئ الموزعة بالمدن الساحلية في المغرب، قصد قضاء إجازة استجمام ممتعة برفقة عائلاتهم، بعيدًا عن الأجواء الحارة وضغوطات مشاغلهم اليومية، لكن سرعان ما تتحول عطل العديد منهم إلى كابوس، بعد غرق أحد أفراد أسرهم أو أصدقائهم، حيث ارتفعت بشكل ملفت للنظر حالات الغرق بالشواطئ المغربية خلال هذا الصيف، مما يدق ناقوس الخطر حول سبب شيوع الظاهرة.

ارتفعت بشكل ملفت للنظر حالات الغرق بالشواطئ المغربية خلال هذا الصيف، مما يدق ناقوس الخطر حول سبب شيوع الظاهرة

اقرأ/ي أيضًا: الإجازة الصيفية عند المغاربة.. المال يحسم الاختيارات

ارتفاع مريب لحالات الغرق بالشواطئ المغربية

بينما تستمتع عواطف البالغة 22 سنة من صيفها على إحدى شواطئ طنجة، جرفتها أمواج البحر الهائجة وهي تستغيث غارقة، لتلحق بها شقيقتاها في محاولة منهما لإنقاذها، إلا أنهما لقيا نفس المصير، مما حدا ببعض الشبان الذين كانوا يسبحون في منطقة قريبة إلى التدخل وإنقاذ فتاة منهن، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة في قسم الطوارئ ليختطف البحر ثلاث شقيقات دفعة واحدة مع نهاية الشهر المنصرم.

لم تكن تلك الحادثة الأولى في شاطئ طنجة خلال هذا الصيف، فقد سبق أن شهد قبل ذلك بمدة قصيرة غرق طفلين شقيقين وشاب في يوم واحد، حوادث الغرق التي باتت تشهدها مختلف الشواطئ المغربية بشكل مثير للقلق، خاصة منها شواطئ طنجة والناضور وأكادير، كما يظهر من خلال الأنباء المتوالية بالصحف المغربية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتصدم بذلك القراء.

لا توجد أرقام رسمية بعد حول عدد حالات الغرق المسجلة حتى الآن بالشواطئ المغربية خلال هذا الموسم الصيفي، لكن تقديرات تشير إلى رقم يتجاوز 50 وفاة نتيجة الغرق في ظرف شهرين، وهو رقم أعلى من المعدل المسجل في سنة 2014 بكاملها، والذي لم يتعد 40 غريقًا حسب إحصائيات مصالح الوقاية المدنية.

في حين سجلت نفس الجهة، خلال الفترة الممتدة من بداية حزيران/ يونيو إلى 15 أيلول/ سبتمبر من سنة 2016، إنقاذ وإسعاف حوالي 11 ألف شخص، وانتشال 113 جثة، فيما بلغ عدد المفقودين 24 شخصًا، وهو ما يشير بوضوح إلى ارتفاع حالات الغرق بشواطئ المغرب في السنة الأخيرة.

لكن المثير في الأمر هو غياب الاهتمام بالظاهرة رغم خطورتها سواء من قبل السلطات الرسمية أو المجتمع المدني، لتستمر أمواج البحر الهادرة في اختطاف أرواح المصطافين، بينما تشهد بريطانيا صخبًا مجتمعيًا متوجسًا لقدوم شهر آب/أغسطس، الذي باتت الصحف البريطانية تسميه بـ"شهر الموت"، بعد أن كشفت مؤسسة سلامة الشواطئ وفاة 31 شخصًا غرقًا في هذا الشهر من العام الماضي، وذلك بزيادة قدرها %55 عن نفس الشهر في 2015.

اقرأ/ي أيضًا: إجازة الجزائريين الصيفية.. بين تونس والجزائر

غياب إجراءات السلامة وراء زيادة حالات غرق

تزدحم شواطئ المغرب في كل صيف بآلاف المصطافين، الذين عادة يأتون برفقة أسرهم، وفي غياب رعاية كافية من قبل الأهل والسلطات الرسمية للشواطئ، يصبح الكثير منهم على جنبات الشواطئ طعمًا للأمواج الغادرة، خاصة منهم الأطفال والنساء.

يساهم في ارتفاع حالات الغرق في الشواطئ المغربية تفشي الأمية المتعلقة بالسلامة الشاطئية بين الناس

ويساهم في هذا تفشي الأمية المتعلقة بالسلامة الشاطئية بين الناس، حيث يتهور العديد من المصطافين بدخول البحر أمتارًا بعيدة وهم لا يجيدون السباحة جيدًا، أو لا يعون بالمخاطر المتعلقة بالبحر كالأمواج المرتدة والتيارات المائية وقناديل البحر، الشيء الذي يؤدي بالبعض إلى السباحة في مناطق غير مؤمنة، كما أن أغلبية الناس تجهل إجراءات الإسعافات الأولية لمعالجة ناجين من الغرق أثناء الحاجة.

بينما تزيد عقلية التهور والعناد لدى قسم من رواد الشواطئ في تعريض حياتهم للغرق، إذ قلما يأخذون إرشادات مراقبي الشواطئ وتحذيراتهم على محمل الجد، حسبما يصرح أحد السباحين المنقذين، "مهمتنا ليست هي الإنقاذ فقط، بل التوجيه والإرشاد أيضًا، لكن الكثير من المصطافين لا يستمعون إلى ما نقول لهم من نصائح تهم حياتهم قبل كل شيء، ويعتقدون أننا نتحدث من فراغ".

لكن هذا لا يعفي مسؤولية السلطات بدرجة أولى، التي يبدو أنها لا تولى حياة الناس أهمية كبيرة، حيث لا توفر العدد الكافي من المنقذين، بل إن بعض الشواطئ تخلو من المراقبين ومن إلإشارات، وإذا ما توفر المنقذون فإنهم يفتقدون إلى معدات الإنقاذ اللازمة، من زوارق سريعة جوالة وألبسة طفو مائية وإسعافات أولية، ناهيك عن أن معظم الشواطئ تغيب فيها مراكز التطبيب المستعجلة.

كما أن الدولة تحمل على عاتقها مسؤولية توعية مواطنيها بأهمية السلامة الشاطئية، إلا أن دورها في هذا المجال يظهر هزيلاً، إذ لا تقدم أنشطة لتعلم السباحة بأمان في الشواطئ، ولا تنظم دورات تدريبية لإتقان إجراءات الإسعافات الأولية، وهو ما يزيد من حالات الوفاة في مياه البحر في كل عام، وبالتالي فإن اللامبالاة بإجراءات السلامة هي ثقافة سائدة على مستوى الدولة وتمتد إلى الكثير من المواطنين.

هذا ويمثل الغرق، بحسب منظمة الصحة العالمية، ثالث أهمّ أسباب الوفيات الناجمة عن الإصابات غير المتعمّدة في جميع أنحاء العالم، وتحوز البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المتوسطة الدخل وحدها نسبة %91 من الوفيات غير المتعمّدة المرتبطة بالغرق، حيث تذكر المنظمة الأممية أن معدلات وفيات الغرق في بلدان إفريقيا، تتجاوز ب 10 حتى 13 مرة نظيراتها المُسجّلة في المملكة المتحدة وألمانيا، وهو ما دفعها إلى تمويل بحوث تتقصى مسائل ذات أولوية تتعلق بالوقاية من الغرق في الدول المنخفضة الدخل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

3 أفكار لقضاء إجازة بتكاليف أقل

تستور.. قطب واعد للسياحة الجبلية في تونس