26-مايو-2016

شهادة البكالوريا وموجة التدين في الجزائر(الترا صوت)

سبق أن ذكرنا في مقال "شهادة البكالوريا في الجزائر.. الألق الدائم" يوم 18 أيار/مايو الجاري كيف أن هذه الشهادة بقيت مستحوذة على اهتمام الجزائريين بها وفرحهم بالناجحين فيها، رغم وجود شهادات أهم منها مثل "الدكتوراه"، وأخرى تتعلق بشغف البدايات والطفولة مثل "شهادة التعليم الابتدائي".

يخلق امتحان البكالوريا ضغطًا نفسيًا لدى الطالب مخافة أن يرسب فيصبح عرضة للعتاب والاستهزاء والإحساس بخيبة أمل أسرته فيه

هذا الاهتمام العام بهذه الشهادة، أدى إلى ترشح 816.650 طالبًا للاختبار، وهو ما يخلق ضغطًا نفسيًا لدى المترشح لها، مخافة أن يرسب فيصبح عرضة للعتاب والاستهزاء والإحساس بخيبة أمل أسرته فيه، وهو ضغط قد يؤدي إلى الإحباط والكآبة والهروب من البيت وقد يصل في حالات معينة إلى إيذاء النفس. من هنا باشرت "المديرية العامة للأمن الوطني" في الجزائر يوم 19 آيار/مايو حملة وطنية تحت شعار "من أجل بكالوريا دون ضغوط نفسية"، أطرها بيداغوجيون من وزارة التربية ونفسانيون تابعون لسلك الشرطة.

اقرأ/ي أيضًا: البحوث العلمية.. حبيسة الجامعات الجزائرية

كما يفرض الإحساسُ المسبق بالضغط لدى المترشح، خاصة الذي يخوض التجربة للمرة الأولى، عادة ما يكون دون سن العشرين، جملة من التغييرات في سلوكاته المتعلقة بالنوم والطعام والتفسح والتعامل مع المحيط، فيميل إلى العزلة بحجة التفرغ للمراجعة والحفظ، حتى أنه ينام نهارًا ويسهر ليلًا كي لا يلتقي الناس المؤهلين للتشويش على مزاجه ونفسيته ووقته.

ظاهرة أخرى جديرة بالاهتمام هي ميل نخبة كبيرة من مترشحي البكالوريا في الجزائر إلى التدين، خلال الأسابيع التي تسبق "الامتحان الغول" وتلك التي تسبق إعلان النتائج، وعادة ما يُحَلُّ رباط التدين عند نسبة كبيرة منهم مباشرة بعد "البشارة السعيدة" التي يعلن عنها "الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات".

تسمي أستاذة علم النفس وداد. ل هذه الظاهرة بـ"تدين الأزمة"، وهو "نوع من الهروب إلى الخالق القادر على كل شيء، في زمن يكثر فيه الضغط والخوف والشعور بالعجز لدى الذات المتدينة". تقول: "تُورّط الأسرةُ الجزائرية طفلها في المفاهيم اللاهوتية منذ سنواته الخمس الأولى، أي حتى قبل أن يفرض عليه الدين الإسلامي نفسه التقيد بالطقوس والعبادات، وهي طريقة خاطئة في التنشئة لأنها تجعل الارتباط بالذات العليا محكومًا بالخوف لا بالحب وبالأزمة لا بالسعة".

محدثتنا نبهت إلى معطى خطير في هذه الظاهرة: "بعض الذين يعمدون إلى التدين قبل البكالوريا من باب الاستعانة بالطاقة الروحية التي تمنحها لهم ممارسة الطقوس، يستمرون في ممارسة التدين عند رسوبهم حتى يتجاوزوا وخز الخيبة الشخصية، ثم سرعان ما يصبح تدينهم انعزاليًا، وإن لم يجدوا عقلًا مستنيرًا يواكبهم، فقد يقعون في مخالب التكفير وهجرة المجتمع".

اقرأ/ي أيضًا: استنساخ الرسائل الجامعية في الجزائر.. أرقام مخيفة!

يُلاحظ ميل نخبة كبيرة من مترشحي البكالوريا في الجزائر إلى التدين، خلال الأسابيع التي تسبق الامتحان وتلك التي تسبق إعلان النتائج

يذكر الطالب زكي. ن من محافظة معسكر، 400 كيلومتر غربًا، أنه "لم يكن يقيم الصلاة قبل امتحان البكالوريا عام 2015، لكن إحساسه بالخوف من الرسوب، في ظل قسوة أبيه الذي هدده بإحالته على العمل في مزرعة الأبقار، جعله يلجأ إلى الله". ويضيف: "أحسست براحة كبيرة عند أول صلاة، وهي راحة منحتني طاقة خارقة في أوقات المراجعة وثقة عميقة في نفسي، لكنني تركت ذلك كله مباشرة بعد افتكاكي للشهادة، إذ دشنت سهرة حمراء مع أصدقائي في ليل مدينة وهران".

عند مدخل مسجد ما من مدينة جزائرية ما، نتجنب ذكر ما يحيل على الحالات لحساسية الموضوع، التقينا ثلاثة مترشحين للباكالوريا التي ستنطلق اختباراتها يوم 29 آيار/ مايو الجاري، نعرف مسبقًا أنهم لم يكونوا مداومين على الصلاة في المسجد، وسألناهم عن الأمر فتفاوتت إجاباتهم. الأول قال إن "الصلاة تمنحه القدرة على تنظيم وقته، والقضاء على روتين المراجعة"، والثاني قال إنه "لا يهتم بما كان منه في الماضي من ترك الصلاة بقدر اهتمامه بأنه بات ملتزمًا بها في الحاضر" والثالث رفض ما اعتبره "تدخلًا في شؤونه الخاصة".

طلبنا منهم أن يصارحونا إن كانوا ينوون المواصلة بعد إعلان نتائج البكالوريا، فقال الأول إنه "قد يخفت حماسه لصلاة الفجر مثلًا لكنه سيواصل"، وقال الثاني إنه "لا يملك إجابة واضحة"، فيما أجابنا الثالث هذه المرة أنه "سيعمل على العودة إلى الصلاة كلما تركها" موضحًا: "الصلاة فرض أصلًا ولا ينبغي التفريط فيه".

اقرأ/ي أيضًا: 

الطلبة الجزائريون.. بين ماض ثوري وحاضر خامل

المكتبات الجامعية في الجزائر.. منتهية الصلاحية