16-فبراير-2016

جندي تركي يراقب المعارك القائمة في مدينة كوباني شمال سوريا 10/2014(Getty)

يبدو أن حيرة السعودية وتركيا في اختيار اللحظة المناسبة للتدخل في سوريا، لاتزال مستمرة في وقت هو الأكثر حرجًا في تاريخ الحرب السورية. تنطلق الدولتان من موقع في المجتمع الدولي، يفرض عليهما التزامات، لا تلزم الأطراف الأخرى، فعادة ما يعطي المجتمع الدولي للدولة المتمردة، بنظرية الولد المشاغب، مساحة للتحرك، أكبر من المساحة التي يعطيها للدول "الصديقة" لأمريكا.

مع تقدم الروس في سوريا، ستكون هذه المرة الأخيرة التي يظهر فيها شبح التدخل السعودي التركي، والذي إن لم يتجاوز شبحيته فيها فقد يختفي للأبد

فبسهولة، وبدون أي عوائق دبلوماسية، تدخل حزب الله ثم تدخلت إيران في الحرب السورية، في الوقت الذي كان المجتمع الدولي مازال يلوك كلامًا عن انتفاء شرعية بشار ويعترف بالائتلاف السوري كممثل للشعب، لكن إيران، التي كانت حينها في ذروة مفاوضات برنامجها النووي، علمت أن موقعها كدولة مشاغبة لكن غير مجنونة، يسمح لها بمناورات، لن يتم السماح بمثلها لأعدائها الإقليميين.

على العكس من ذلك، كلما تحمست تركيا أو السعودية، لدعم المعارضة بشكل أقوى، أو لفرض منطقة آمنة أو للتدخل البري، تتمكن الولايات المتحدة، من إعادتهما إلى الحظيرة مرة أخرى، أحيانا باختراع برنامج هزلي لتدريب المعارضة المسلحة بالتعاون مع تركيا، لإسكات الأخيرة، وكانت أمريكا تعلم يقينًا بانعدام فرص نجاح البرنامج، الذي تم إعلان فشله بعد سنة من البدء فيه، وأحيانًا بسحل كلا الدولتين، مع من يثق فيهما من المعارضة السورية، في متاهات المفاوضات الماراثونية، التي تجيد إيران تعقيدها وإطالتها إلى الوقت الذي تحرز فيه انتصارات حاسمة على الأرض، تسمح لها وقتها بالتملص من هذه المفاوضات نفسها، ثم أخيرًا، وعندما تنفد الحيل من الدبلوماسية الأمريكية، تعلن صراحة رفضها لأي تدخل للسعودية وتركيا، مع دعوات لتفادي أي تصعيد مع أي طرف.

كان واضحًا منذ بداية التدخل الروسي، أن الولايات المتحدة رغم أنها قد لا تكون متحمسة له تمامًا، إلا أنها تراه فرصة لفرض حل ما بالقوة على الأطراف السورية، ومادامت هي غير متحمسة لفرض الحل الذي يناسبها، فلتفرض روسيا حلها مع توفير الحد الأدنى من الشروط الأمريكية، والتي لا تعدو أن تكون مجرد ضمانات لإشراك مجموعات مدجنة من المعارضة السورية في أجهزة الدولة السورية ولو كضرورة شكلية.

وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا والسعودية، تتقدمان خطوة وتتراجعان خطوتين، كان التدخل الروسي، ومنذ بدايته، واضحًا فى إصراره على خوض المعركة حتى النهاية، قواعد عسكرية ومطارات يتم الاستحواذ عليها من جيش بشار لصالح الجيش الروسي وتحييد لدول مثل الأردن من الصراع، واستراتيجية عسكرية واضحة تقوم على ضرب أي معارضة معتدلة يمكن أن تمثل، في نظر المجتمع الدولي، بديلًا عن بشار، وعدم الرضوخ لأي ضغوط أمريكية، روتينية، لوقف ضرب المعارضة لصالح التركيز على داعش، يضاف إلى ذلك نجاح روسيا في المجتمع الدولي في إطار مفاوضات سياسية تمنحها الوقت الكافي لتصل للنصر الذي تريده.

ومع الانتصارات المتتالية للتحالف الروسي الإيراني، قد تكون هذه المرة الأخيرة التي يظهر فيها شبح التدخل السعودي التركي في سوريا، والتي إن لم يتجاوز شبحيته فيها، فقد يختفي للأبد.

هزيمة الثورة السورية، ووجود كيان روسي إيراني قوي في مساحة كبيرة من سوريا التاريخية، سيكون تهديدًا للأتراك وللسعوديين، بالنسبة لتركيا ففي الأغلب ستكون قادرة على التعامل مع هذا التهديد بإعادة تطبيع علاقتها القوية بالأساس مع إيران وروسيا، لكنها ستتحمل فاتورة مرتفعة بخصوص أعداد اللاجئين التي ستظل في تزايد، ولن تعود غالبيتها إلى الأرض التي يسيطير عليها العدو الذي هربت منه.

التهديد الأكبر سيكون من نصيب السعودية، التي تخوض بالفعل حربًا في اليمن ضد الحوثيين المدعومين من إيران، وستشكل هزيمة المعارضة في سوريا، إعلان انتصار إيران، ولو بشكل مؤقت، في الحرب الإقليمية بينهما، وهو ما سيقزم قوة السعودية الدبلوماسية ربما لأدنى حدودها عبر تاريخها، وستنفلت من تحت سطوتها بسرعة مجموعة من الدول تعتبرها الآن ضمن دوائرها الصلبة.

هزيمة المعارضة وسيطرة إيران وروسيا على سوريا، ستكون عواقبهما وخيمة إذن على الدولتين، ومن غير المعروف إذا كانتا ستجيدان لعب دور المهزوم أم لا، لكن التدخل البري، بدون غطاء دولي، له أيضا مخاطره، التي تجعلهما تحجمان عنه قدر استطاعتهما.

بدون موافقة التحالف الدولي، ستخاطر تركيا والسعودبة بتدخلها في سوريا بالتحول إلى دول شبه متمردة في عرف المجتمع الدولي، وهو وضع جديد تماما

أغلب تصريحات السعودية وتركيا حتى الآن، أنهما تريدان التدخل تحت غطاء التحالف الدولي، لمحاربة داعش. هما بالطبع لا تريدان محاربة داعش فقط، وتبدو تصريحات محاربة داعش من قبيل الروتين الدبلوماسي، ولا يصدقها أحد كما لم يصدق أحد روسيا التي تقول أنها في سوريا بالأساس لتحارب التنظيم، لكن التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا لمحاربة داعش، يبدو رافضًا للعملية التركية السعودية، أو على الأقل يريد أن تتحمل الدولتان بمفردهما ثمن المغامرة، ومن غير التحالف، ستخاطر تركيا والسعودية بالتحول إلى دول شبه متمردة قادرة على خوض مغامرات دون الحاجة لغطاء أمريكي أو دولي، وهو وضع لم تواجهه كلتا الدولتين من قبل، وسيشكل علامة فارقة في تاريخهما السياسي على المدى الطويل، كما سيكون له أثر واضح على استقرار في الداخل أيضًا، خصوصًا أن التدخل لا يعني النصر بالضرورة.

وفي ظل التهديات الروسية والإيرانية للسعودية وتركيا حال تدخلهما في سوريا، فقد يبدو احتمال أن يسفر التدخل السعودي التركي عن انتصار سريع، يجر مفاوضات سياسية جدية، احتمالًا ضئيلًا. والاحتمال الأكبر أن يسفر التدخل حال حدوثه، عن مد أمد الحرب لفترة أخرى يحاول فيها كل طرف استنزاف الأطراف الأخرى، دون رغبة في حل سريع، والأمر الوحيد الذي قد يعطل ذلك، ولعل ذلك هو الأمنية المضمرة لدى الأتراك والسعوديين، هو أن تؤيد الولايات المتحدة التدخل السعودي أو تتركه يحرز انتصارات مؤثرة، وبمجرد حدوث ذلك، وقبل أن تتمكن روسيا وإيران من الرد، تجبر أمريكا الأطراف كلها على التفاوض الجدي أخيرًا، لكن هذا ليس احتمالًا كبيرًا.

اقرأ/ي أيضًا:

سوريا تواصل تصدير أزمتها للعالم

وداعا للثورة..أهلا بتقاسم تركة سوريا الميتة