13-فبراير-2016

لبنان لا يعتبر بيئةً حاضنة لشبابه، بل بيئةً مصدّرةً للكفاءات (Getty)

يرنّ الهاتف، فيجيب شاب ممازحًا: "أريد أن أنام!". يصل شربل إلى عمله عند الخامسة صباحًا من كل يوم، لا عطل رسمية أو أعياد، يفضل شربل أن يقبض ثمنها علّه يخفّف من أعباء قسطه الجامعي، منتظرًا الشّهر الوحيد الذي لا يدفع فيه أقساط جامعته، أي أيلول، كي يدفع فيه ثمن أدويته، يكمل ضاحكًا: "كل السّنة شغل، في الجامعة أوالصّيدلية".

لبنان لا يعتبر بيئةً حاضنة لشبابه، بل بيئةً مصدّرةً للكفاءات

شربل كأي شابٍ لبناني من الطّبقة المتوسطة، يطمح للحصول على تقديرٍ جيد يزيد من أسهمه عند الهجرة الإجبارية بحثًا عن عمل. يفضّل شربل الجامعة الخاصة بدل الجامعة الوطنية/الحكومية، ويدافع عن خياره بأن الأساتذة في الجامعتين هم ذاتهم، مع فارقٍ وحيد، أن الأساتذة في اللبنانية لا يشرحون، بل يكتبون ويغادرون، بينما في الجامعة الخاصة، الأستاذ مجبر على الشّرح بدل المرّة مائة، وطبعًا، الجامعة الخاصة مجهّزة بمختبراتٍ وأجهزة، بينما تعتمد الجامعة الوطنية الدّروس النّظرية مع استثناء كلّيات الطّب والهندسة.

يتخرّج الشّاب اللبناني كمرحلةٍ أخيرةٍ من ارتباطه بالوطن، ليغادره لاحقًا إلى الخليج أو أفريقيا أو أمريكا اللاتينية كأسلافه، تبعًا لعدّة عوامل، كالعامل الاقتصادي، الأمني، والاجتماعي. نسب البطالة تتعدى 10% في لبنان، وتزايدت في السنوات الأربع الأخيرة بسبب العمالة الأجنبية التي تزاحم اللبناني، وبأجور منخفضة، فأصحاب العمل يفضّلون العمالة الأجنبية لسهولة استغلالها، العامل الأجنبي يعمل لأكثر من عشر ساعات، بأجرٍ زهيد ودون ضمانٍ أو تأمينٍ صحي، بينما اللبناني يرفض العمل دون ضمانٍ إلّا نادرًا.

أمنيًا، يعاني لبنان منذ 2005 من حروبٍ واغتيالاتٍ وتوتراتٍ أمنية، أثّرت على الاستثمارات التي نشطت في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، مما زاد من معاناة الشاب اللبناني، فمعظم شباب وشابات الجامعات اعتادوا العمل في المطاعم والمقاهي، لكن الأخيرة باتت عاجزةً عن احتوائهم بعد تراجع الحركة السياحية بفعل المخاطر الأمنية. أما اجتماعيًا، بعد الضّائقة الاقتصادية، تحوّل السّوق واتجه نحو مهنٍ لا يتقنها اللبناني، كالتّنظيف والإعمار، فهو، أي اللبناني، يرفضها اجتماعيًا ويفضّل الهجرة والعمل فيها بالخارج، على أن يعمل بها في لبنان.

يرفض الشاب اللبناني مهن التنظيف والإعمار في لبنان ويفضل الهجرة والعمل فيها بالخارج

تتجاوز أسعار الشّقق عشرة أضعاف معدّل الدّخل الفردي، مهما بلغ دخل المتخرّج اللبناني، باستثناء موظفي الدّولة، فلن يستطيع الحصول على ضماناتٍ تخوّل له أخذ قرض إسكانٍ يبدأ به حياته، أو بالأحرى، بناء مستقبله. بالمحصّلة، لبنان لا يعتبر بيئةً حاضنة لشبابه، بل بيئةً مصدّرةً للكفاءات، حتّى وصل الأمر بالنّائب ياسين جابر تسمية الشّباب، بـ"ذهب لبنان الأبيض"، الذي يعتمد الدّخل الوطني على تحويلاته المالية بشكلٍ كبير، كعمادٍ للاقتصاد الوطني المُغَيّب للقطاعات الإنتاجية كافة، خاصةً الصّناعة والزّراعة، كما ورد في مسرحية "بالنّسبة لبكرا شو" لزياد الرّحباني، بلد بلا موارد أولية، مرّت الجملة كتهكّمٍ على الاقتصاد اللبناني، بينما وللمفارقة، لبنان بلد غني بالنّفط والغاز، غير المستخرج بعد لغايةٍ في نفس مسؤوليه.

البقاء في لبنان تحدٍ كبير، أو مغامرة حسب ما يصفها شربل، فالحل الوحيد هو ثورة الشّباب على الواقع المُعاش، بدل أن يكونوا كما هم اليوم، وقود حروب الأحزاب وتجييشها، ليعيدوا إحياء النًقابات، أو كبداية، تشكيل مجموعات ضغطٍ لتحصيل حقوقهم، أولّها الحق بالانتخاب، فباب الاقتصاد السّليم هو برامج سياسة سليمة، تعنيها المكاسب العامة لا المصالح الضّيقة، ربمّا حينها، تنتظرنا كشبابٌ لبناني، أبواب المعامل والشّركات، لا الغربة والطّائرات.

اقرأ/ي أيضًا:

كلية الإعلام في لبنان..600 دولار وإلا..

في لبنان.. طلبة بناة وطن؟