18-يناير-2024
ويل سميث وبوسترات أفلامه

ويل سميث وبوسترات أفلامه (الترا صوت)

البهجة الخفية التي تُحدثها مشاهدة ويل سميث وهو يمثّل، بغض النظر عن طبيعة الشخصية التي يقدّمها، هي سمة لازمته منذ الطفولة، واستمرت معه في مختلف محطات حياته الحافلة بالنجاحات والإيجابية، فهو الشاب الذي بدأ حياته الفنية في غناء الراب الذي دفعه نجاحه فيه، وحصوله على جوائز مرموقة مختصة في الموسيقى، إلى عالم التمثيل.

لكن النجاح الموسيقي ليس وحده من فتح له باب النجومية في عالم "هوليوود" وقاده ليكون واحدًا من أبرع ممثلي السينما في العالم، وإنما تلك الروح الإيجابية والطاقة المبهجة التي يثيرها حضوره في المكان. فمواصفاته كشخص جذاب مترع بالحضور والكاريزما كانت أولى الأسباب في رغبة المنتجين في استثمار تلك الطاقة والحضور وتوظيفها لجني الأموال الطائلة، في سوق "هوليوود" المهووس بالإيرادات.

يُعد سميث من الفنانين الذين نجحوا في تحقيق المعادلة السينمائية الصعبة: النجاح على المستوى التجاري، والتميز على المستوى النوعي والفكري

وقد جعلت منه السمات التي يتمتع بها كشخص أولًا، ثم البراعة والصقل السريع لأدواته كممثل من الطراز العالمي ثانيًا، واحدًا من أكثر ممثلي "هوليوود" فرادة، فالميزة التي يتمتع بها سمحت بتسرب شخصيته الحقيقية المثيرة للاهتمام في كل الشخصيات التي لعبها، لتكتسب تلك الشخصيات طابعًا فريدًا جعلت من المستبعد أن يلعب أحد ما تلك الشخصيات بهذه الروح كما يفعل سميث.

ونجحت رهانات المنتجين في استثمار سمات ويل سميث، إذ عرفت كل أفلامه إيرادات وأرقام عالية وقياسية في شبابيك التذاكر، ما جعل من سميث ينجح في تحقيق المعادلة السينمائية الصعبة: النجاح على المستوى التجاري، والتميز على المستوى النوعي والفكري.

كما منحه ذلك القوة الكافية لتبني الأفكار التحررية ودعمها والترويج لها، إن كان على المستوى السياسي أو الديني أو الاجتماعي، إذ يعد سميث من أكثر نجوم "هوليوود" دفاعًا عن التنوع وعدالة الفرص ونبذ التمييز القائم على اللون والعرق والانتماء داخل المجتمع السينمائي وخارجه، وانتقل عبر ذلك النضج الفكري والمهني إلى إنتاج الأفلام لإبراز شخصيته وطريقة تفكيره من خلال نوعية القصص التي دأب على تحوليها إلى أفلام ذات قيمة فكرية وترفيهية معًا.

تكتسب الشخصية السينمائية التي يلعبها سميث نوعًا من التلقائية والبساطة، ويبدو خلفها وكأنه مازال ذلك الطفل الشغوف باللعب والمرح. ولا شك أن مسيرته السينمائية الحافلة قد حملت عددًا مميزًا من الشخصيات التي استقبلها الجمهور والنقاد بالكثير من الترحاب والثناء، فهو الممثل الذي نجح نجاحًا واسعًا في أفلام الحركة، بذات الدرجة التي نجح فيها في الكوميديات الرومانسية وفي أفلام الدراما، إن كان في السيرة الذاتية أو الروائيات الطويلة.

ونجح في أن يكون عاشقًا وبطلًا خارقًا، ورياضيًا عظيمًا، وأبًا منكسرًا. وكان من المنطقي أن تتوج سيرته التي مازالت تَعِدُ بالكثير، بأول جائزة أوسكار عن دوره المرهف والمشغول بدقة فائقة تمسكت بأصغر التفاصيل في فيلم "الملك ريتشارد"، تلك الجائزة التي سبقها صخب أثار ضجة في العالم كله حينما صفع ويل سميث زميله كريس روك، وجاب صدى تلك الصفعة العالم كله.

وفي مقالتنا هذه، نستعرض مجموعة من أفضل أفلام ويل سميث، الذي لُقّب بـ"الأمير" في صباه، ويُطلق عليه "مستر يوليو" في "هوليوود" بسبب افتتاح أفلامه دومًا في شهر تموز/يوليو، كما نحاول إبراز التنوع والاختلاف الكبير بين الأنواع التي لعب فيها سميث أدواره باستغراق وبراعة.


1- أنا أسطورة

صدر فيلم "أنا أسطورة" في عام 2007 ضمن موجة متصاعدة آنذاك من أفلام "نهاية العالم"، وهي وجهة نظر علمية وفلسفية تنظر بطريقة سينمائية إلى شكل الحياة في المستقبل بناء على موقف أخلاقي من عدم المسؤولية والإهمال وتوحش الرأسمالية التي ستقود حتمًا إلى حدوث تدمير ذاتي، أي تدمير البشرية لنفسها. وقد حظي هذا الاتجاه البحثي السينمائي، باهتمام شديد على مستوى العالم، وخلق شريحة جماهير واسعة معجبة بهذا النوع من الأفلام، مما زاد العرض مقابل الطلب المتزايد.

يمثّل فيلم "أنا أسطورة" مرحلة متقدمة من هذا التيار الحديث، إذ يحاول قراءة هذه الفرضية التي تحمل الكثير من الإشارات الواقعية المعاشة بأسلوب فلسفي ودرامي مؤثر، يظهر ضحالة الصراعات والتنافس والاحتراب، في حين أن هذا العالم شديد الهشاشة ويمكن أن ينهار بكامله في أي لحظة، فيصبح كل ما عاش الناس لأجله، مجرد هباء وخراب.

يروي الفيلم قصة الدكتور "نيفيل" الذي كان يجري تجاربًا لاختراع عقار مضاد للسرطان، لكن هذا العقار هو فيروس في الأصل ينتشر ويحيل البشر إلى مسوخ في أدنى درجات آدميتها. حينها، يصارع الدكتور نيفيل لتطوير عقار آخر يقضي على الفيروس إلى جانب صراع البقاء بوصفه آخر الأشخاص الأحياء الأصحاء في نيويورك، هو ملك هذه المدينة في النهار، وسجينها في الليل.

حظي الفيلم بمراجعات نقدية إيجابية واسعة، وثناءً خاصًا على أداء سميث الفريد، الذي كان حتى أكثر من منتصف الفيلم وكأنه ممثل مسرحي يؤدي مسرحية مونودرامية. الفيلم مقتبس عن راوية بالعنوان نفسه للكاتب الأمريكي ريتشارد ماثيسون، ومن إخراج فرانسيس لورانس.



2- علاء الدين

في هذا الفيلم الموسيقي الاستعراضي، تحضر الحكاية الشعبية والأسطورة والفانتازيا بطريقة مبتكرة، وبمعالجة فنية غاية في المتعة والتشويق، وبشكل خاص لناحية الأداء وتحليل شخصيات الحكاية الشعبية، وإخراجها من إطار المقولة والعبرة وإطلاقها في عالم شاسع القص الحديث، وتحويلها إلى شخصيات بأبعاد وعوالم داخلية، دون الانتقاص من قيمتها الأسطورية.

قدّم سميث في هذه النسخة المنتجة من قبل "والت ديزني"، قراءة استثنائية ومبهجة لشخصية "جنّي المصباح"، يقوم على الكوميديا واللعب المسرحي والغناء والرقص، لتعيد هذه الشخصية إلى مربعه الأول، مربع الغناء ولاستعراض. ورغم أن قصة الفيلم هي واحدة من قراءات ومعالجات ديزني المبتكرة للقص الشعبي، إلا أنه خرج عن نطاق القصة المعروفة، وقدّم تجربة سمعية وبصرية خاصة، ناهيك عن الأداءات التمثيلية لطاقم التمثيل، وفي مقدمتهم ويل سميث في شخصية "جني المصباح". 



3- البحث عن السعادة

ينتمي هذا الفيلم إلى سينما السيرة الذاتية، لكن صنّاعه كانوا منفتحين على إحداث معالجات سردية وسينمائية على القصة الأصلية للخروج بحكاية سينمائية مكتملة وناضجة، دون أن تكون متطرفة تجاه واقعيتها.

يحكي الفيلم قصة صعود رجل الأعمال الأميركي كريس غاردنر المليئة بالمطبات والصعاب، والمفعمة بالدراما بمعناها الروائي والسينمائي، إذ حاول الرجل استثمار مدخراته في مشروع ظن أنه ناجح وهو الماسحات الضوئية، لكنه تفاجأ بسلسلة متسارعة من الانهيارات بدأت بخسارة زوجته، ثم محاصرة الضرائب له، وخسارة أمواله كلها وصولًا إلى إفلاسه الكامل وطرده هو ابنه من شقتهما، ليصبحا مشردين. ليبدأ حينها محاولة النهوض مجددًا من الصفر، ويناضل للحصول على عمل يحمي به كرامته وكرامة ابنه.

تتمحور قصة الفيلم إذًا حول هذا النضال الشخصي ويحتفي به. وقد قدّم ويل سميث في هذا الفيلم واحدة من أكثر التجارب المحببة إليه، فسميث يظهر إلى جانب ابنه الحقيقي في الفيلم، مما أكسب أدائه مصداقية أكبر، وقرّب الشخصية أكثر من مجاله العاطفي. ونال عن دوره في هذا الفليم ترشيحًا لجائزة "الأوسكار" لكنه لم ينلها. الفيلم من إخراج غابرييل موكينو، ومن كتابة ستفين كونراد.



4- هيتش

أظهر ويل سميث في الكوميديات الرومانسية حضورًا خاصًا وطاقة ملفتة على اللعب منحته ما يتفرّد به عن غيره من الممثلين، الذين ينظرون إلى هذا النوع من التجارب بطريقة تشبه التقاعد المريح، خاصةً أن هذا النوع من الأفلام له أساطيره ونجومه وحرفييه.  

ولكن ظهور سميث أضاف لهذا النوع شيئًا خاصًا يتمثّل في تقديم معالجة مركبة للشخصية والتحرر من سطوة الحكاية التي تميز الكوميديات الرومانسية، والحوارات والمونولوجات الطويلة، والانطلاق نحو مساحات أرحب نحو أفعالها وردود أفعالها، وقد تجلّى ذلك في الطريقة التي عالج فيها شخصية مستر "هيتش"، وتلك التي أبدى من خلالها تحولاتها العميقة، بشكل تدريجي وتصاعدي، مع الحفاظ على توازن كامن بين الحكاية وبين الشخصية المنفتحة على الاحتمالات حتى آخر لحظة، على خلاف الحكاية،التي قد تكشف عن نهايتها في منتصفها.

يتحدث الفيلم عن "هيتش"، وهو رجل مختص بتقديم استشارات عاطفية للرجال ممن تعوزهم الطلاقة والحس والبداهة للفوز بقلوب الفتيات، وهو ينطلق ليس من فهمه لعالم الرجل، بل من فهمه لعالم الأنثى وللسياقات التي تحوطها، مما يسهل عليه تقديم استشارات ونصائح مضمونة لفوز الرجل بقلب أي أمرأة تعجبه.

ينطوي الفيلم على مستويات عالية من الذكاء يتجلى في الفصل ما بين الكوميديا والرومانسية، وجعلهما خطّان يسيران إلى جانب بعضهما البعض بالتوازي، وكأنه حكايتين في حكاية، أو كأن سميث شخصية في عالمين وسلوكين.

وفي أحد الأيام، يتعرف سميث إلى فتاة صحفية تربك كل مفاهيمه المسبقة والمحكمة عن المرأة، بل تدفعه أيضًا إلى الاعتراف بأن المرأة سر لايمكن تفكيك رموزه أبدًا، فيتخلى خبير العلاقات عن كبريائه ويعترف بأن كل علاقة عاطفية جديدة لها عالمها الخاص ومفرداتها، ولا يوجد وصفات جاهزة حينما يتعلق الأمر بالقلب.

وإلى جانب سميث، شارك في بطولة الفيلم الناجح فنيًا وتجاريًا، الكوميديان الكبير كيفن جيمس، إضافةً إلى الحسناء إيفا مينديز. والفيلم من إخراج أندي تننت، وهو من الأفلام التي شارك ويل سميث في انتاجها، وصدر عام 2005.