29-نوفمبر-2016

مشهد من سوق الجمعة بعد اندلاع الحريق في جزء منه (أ.ف.ب)

"من الإبرة للصاروخ"، تجدها كلها في سوق الجمعة في منطقة السيدة عائشة (القاهرة)، ولأجل هذا أيضًا، وتحت رحمة النار، تآكلت أطنان من البضائع والملابس، ومستلزمات البيوت، التي كانت ترقد داخل مئات الأكشاك، بسبب حريق ضخم. ولأكثر من خمسة عشر عامًا، قدَّم "سوق الجمعة" بضائعه للزبائن آخر أيام الأسبوع حتى التصق "الجمعة" به حتى مع استمرار "أشلائه" يوميًّا. أكثر من مرة ضبطت شرطة المنطقة تجار مخدرات بين الباعة، وبين الزبائن أيضًا. هذا صنف متوفِّر ورائج كأي سلعة أخرى، لكن أكثر ما يلفت النظر الطيور، التي تحتلّ مدخل السوق، وعصافير الزينة، والحيوانات والزواحف، التي تباع بأسعار "رخيصة".

يشتهر سوق الجمعة في وسط القاهرة ببيعه القردة والزواحف والكلاب والقطط وتزدهر فيه تجارة المخدرات أيضًا

يقول محمد جدّو، الشهير بـ"دوجي"، (33 سنة)، وهو بائع كلاب إن "أسعارها تتفاوت حسب النوع". الكلب "بلاك جاك" يصل سعره إلى خمسة آلاف جنيه، و"لولو" أبيض صغير بـ500 جنيه، و"بولماستي" بـ3000 جنيه. و"كله بالاتفاق والمفاوضات، والشيء لزوم الشيء، والسعر ربما ينزل النصف أو يرتفع للضعف حسب شطارة التاجر وقدرته على (تطويق) الزبون"، وفق ما يقول "دوجي".

غالبًا ما يكون زوّار سوق الجمعة من "الغلابة"، الذين يعتبرهم "جدّو"، هواة "الفصال من أجل الفصال"، يعتبرونه "غواية" لدرجة أن أحدَهم فاصل معه حتى اشترى كلبًا بمائتي جنيه مصري.

اقرأ/ي أيضًا: عمال مصر.. كلمة السر في الثورة!

يبيع سوق الجمعة قردة و"نسانيس" و"ببغاوات" وأنواع مختلفة من الأسماك والبط، وثعابين داخل أقفاص. أغلب زوَّار السوق يذهبون لأجلها، وليس لشراء أي شيء آخر، وأحيانًا ليس للشراء، وحسب تجربة "جدّو": "يصطحبون أطفالهم للفرجة فقط".

صدم السؤال الجميع بعد آخر حريق في سوق الجمعة، والحريق حدث متكرر هناك: هل النار بفعل فاعل؟، الإجابة لدى سعيد المصري، وهو بائع متجوّل، يبلغ من العمر 33 عامًا: "هذه المرة لا أعتقد.. لكن أكثر من مرة احترق السوق، أو احترقت فرشة أو محل بالسوق بفعل فاعل".

كيف؟. وفقًا لرواية "المصري"، فإنّ "بجانب السوق منطقة عشوائية يخرج منها "بلطجية" يفرضون "إتاوات" (خوّات) وضرائب (صورية) تقترب من خمسمائة جنيه (25 دولارًا تقريبًا)، ويهاجمون الباعة الجوالين بالسلاح الأبيض (مطوات أو سكاكين حادة)، وإذا فشلوا في طردهم من السوق، وفشلوا في أخذ ما تيسّر من مال منهم، أو سرقة بعض البضائع دون دفع الثمن، يحرقون البضاعة، ويحولون السوق بمن فيه إلى (ساحة حرب) بزجاجات مولوتوف".

يفرض بعض البلطجية إتاوات على الباعة في سوق الجمعة وأحيانًا يحرقونه لابتزاز أصحاب الأكشاك

كثيرًا ما قامت السيدة نسرين، 40 عامًا، وهي ربة منزل، بشراء أشياء منتهية الصلاحية، وفاسدة من سوق الجمعة. لكن ذلك لا يزعجها كثيرًا. تقول: "السلع رخيصة، وبعضها مستعمل يباع بأقل من ربع سعره، وأغلب الناس لا تغضب بشكل كبير، تأتي لاسترجاعها فإذا لم يوافق البائع، فلا تخسر في الشيء أكثر من عشرين جنيهًا (دولارًا واحدًا)، وفي المقابل، لا أتعامل مع هذا البائع مرة أخرى".

لكن هناك من لا يتّبع ذلك الأسلوب، كما يؤكد "المصري"، ويستعيد ثقته بالكلام، ويقول: "يخاف بعض الباعة من رفض طلب لأهل منطقة السوق، التي تسمّى (التونسي)، ولذلك يتعاملون بريبة معهم منعًا لخسارة الزبون، وأحيانًا، يمارس بعض الأهالي من العائلات القوية (البلطجة) على الباعة".

ويذكر "المصري" حادثًا هاجم فيه أهالي المنطقة أحد باعة الزواحف، فكانت معركة دارت في السوق لم تبقِ ولم تذَر حتى وصل البوليس. في ذلك الوقت، وقف باعة الحيوانات معًا، وأطلقوا الكلاب والثعابين على الأهالي، الذين دخلوا بالسكاكين، ليتراجعوا مجدَّدًا، وكانت المرة الوحيدة التي شهدت هزيمة "فتوات السوق" على أيدي "البيّاعين".

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصر.. نحو إلغاء شركات الصرافة قبل غرق الجنيه

"توك توك".. بعيدًا عن السينما النظيفة