18-سبتمبر-2015

المدينة الرومانية في تدمر (Getty)

ستة آلاف سنة من الحضارة المستمرة في سوريا باتت اليوم معرضة للزوال. بزوال الآثار، كل شيء سيكون كأنه لم يكن. الدمار لحق بمعظم المواقع الأثرية المصنفة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، اليونيسكو، فيما تعرض 300 موقع ذي قيمة إنسانية للدمار والضرر والنهب خلال أربع سنوات، بحسب المنظمة الأممية.

نظام الأسد كان السبب الرئيسي وراء الدمار والضرر الذي لحق بتلك المواقع الأثرية، فيما تكاتف كل من تنظيم الدولة وعمليات التنقيب غير المشروعة، والسرقات التي استغلت ضعف الرقابة على المتاحف لبيع الآثار خارج البلاد عبر شبكات مافيوية وجدت في مناخ الحرب فرصة لا تعوض للقضاء على التاريخ السوري.

دُمر الجامع العمري بدرعا وهو أحد روائع الآثار الإسلامية المحتفظة بتفاصيلها المعمارية وهيكلها الأصلي

جزء من تاريخ العالم القديم

في سوريا ستة مواقع أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي. دمشق القديمة، حلب القديمة، آثار مدينة تدمر، مدينة بصرى القديمة، قلعة الحصن، والقرى القديمة في شمال سوريا. لكن وبعد اندلاع الثورة، قررت لجنة التراث العالمي في منظمة اليونسكو، المجتمعة في دورتها السنوية في العاصمة الكمبودية بنوم بنه، وضع المواقع الست على قائمتها للمواقع المهددة، وذلك اعتبارًا من عام 2013.

ومن المواقع الأثرية ذات الأهمية الخاصة، والتي تعد مهددة أيضًا، بحسب نشطاء سوريين، مملكة ماري في محافظة دير الزور، وأفاميا في محافظة حماة، ووادي اليرموك في درعا، وحمام التركمان بالقرب من الرقة، وهي مواقع لا تلحظها المؤسسة الأممية.

منذ البداية وإلى الآن، تعرض أكثر من 300 موقع ذي قيمة إنسانية للدمار والضرر والنهب، وذلك استنادًا إلى صور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية. فلنبدأ العد:

  • الجامع الأموي الأثري في حلب تضرر منذ منتصف عام 2012 نتيجة المعارك التي دارت على مدى أشهر في محيطه. تهمدت مئذنته. وفي أيلول/سبتمبر من نفس العام التهمت النيران أجزاء من سوق حلب الأثري بدكاكينه القديمة ذات الأبواب الخشبية، التي يعود بعضها إلى مئات السنوات، كما لحقت أضرار بقلعة حلب.
  • في نفس العام، تعرّضت قلعة المضيق الواقعة قرب مدينة حماة (وسط سورية) إلى دمار كبير، وهي واحدة من القلاع الأقدم في المشرق، إذ يعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد. تتعرض للقصف باستمرار.
  • تعرضت آثار مدينة بصرى الرومانية والإسلامية لأضرار، وتم تدمير بوابة دير الراهب بحيرا، الذي يحظى بمكانة مميزة إسلاميًا ومسيحيًا.
  • في درعا مهد الثورة، تم تدمير الجامع العمري. والجامع هو مركز انطلاق الثورة السورية، وحوله الناشطون إلى مشفى ميداني قبل أن تستهدفه دبابات ومدفعية النظام. يعود الجامع إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ويُعتبر من روائع الآثار الإسلامية القديمة والمحتفظة بتفاصيلها المعمارية وهيكلها الأصلي.
  • أكّد آثاريون أن جدران المعبد الآشوري في تلّ شيخ حمد في دير الزور تم تدميره تدمير. يعود إلى العصر البرونزي.

مافيا الدولة

وفي السياق، تعرضت منطقة أفاميا الأثرية المسجلة على لائحة التراث العالمي لعمليات حفر سري عشوائي ونهب منظم، وتم نهب الفسيفساء الرومانية. واستخدم اللصوص آليات ثقيلة لإنجاز عملهم. متحف حمص بدوره لم ينجُ من النهب، وفقًا لتجار الآثار، الذين أشاروا إلى أنه تمّ إغراق الأسواق في الأردن وتركيا بالقطع الأثرية الآتية منه، كما تعرضت مدينة إيبلا الأثرية الواقعة في محافظة إدلب للنهب، وهي المدينة الآرامية التي عثر فيها على خمسة آلاف مخطوط حجري مكتوب بالخط المسماري.

وثمة قلق في أوساط النشطاء والمهتمين فيما يتعلق بالمتاحف السورية، والتي تحوي العديد من التحف والقطع الأثرية القيّمة، إذ ثمة مخاوف من أن يتم استهدافها بالمدفعية السورية، كما جرت العادة عقب سيطرة الثوار على بعض المدن التي تحتوي متاحف، أو سرقتها من قبل لصوص يمكن أن يستغلوا تردي الوضع الأمني، أو سرقتها من قبل مافيات مرتبطة بالنظام، تحت غطاء الاشتباكات والمعارك.

ومن المعروف أن عمليات الجرد والتوثيق للآثار السورية وللمتاحف غير دقيقة، ما يعني استحالة تتبع أثر هذه المقتنيات في حال تعرضت للسرقة. وشاعت أنباء عن قيام نظام الاسد بإفراغ متحف مدينة إدلب التي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية قبل شهرين، من العديد من محتوياته، وذلك مع احتدام المعارك وتوقع سقوط المدينة بيد المعارضة، وكذلك الأمر بالنسبة لمدينة الرقة.

أغرقت الأسواق في الأردن وتركيا بالقطع الأثرية الآتية من متحف حمص

مافيا (تنظيم) الدولة

منذ امتداده إلى الأراضي السورية وتوسعه فيها، أولى تنظيم الدولة اهتمامًا كبيرًا بعملية التنقيب عن الآثار وبيعها، قبل أن تتحول هذه العملية لاحقًا إلى مصدر التمويل الثاني للتنظيم، وفقا لصحيفة الغارديان البريطانية. وفي تقرير لها نشرته في 4 يونيو/ حزيران الجاري، قالت الصحيفة إنها رافقت خبير الآثار، مارك الطويل، وهو أمريكي من أصل عراقي، قام برحلة بحث عن تحف نهبت من سوريا والعراق، الذي وجد أنها تباع في أسواق لندن.

من جهة أخرى، ومنذ أن سيطر تنظيم الدولة على موقع تدمر الأثري، تصاعدت المخاوف من إقدام التنظيم على هدم الآثار، وكذلك قصفها من قبل قوات الأسد التي خرجت من هذا الموقع، وقد عمد التنظيم بالفعل في 5 يونيو/حزيران الفائت إلى هدم تمثالين أثريين في تدمر، بحجة أنهما من "الشرك".

فقد قام عناصر التنظيم بتحطيم تمثال أثري ضخم معروف "بأسد اللات"، المنحوت من الحجر الكلسي، والموجود في حديقة متحف تدمر الأثري، كما حطم مجسمًا يجسد جندي من حامية المدينة، متوعدين بتحطيم "كل أثر في المدينة يشير للشرك".

وفي أغسطس/ آب من العام الماضي،  قام تنظيم الدولة بتفجير ضريح الخليفة الأموي، سليمان بن عبد الملك، وضريح الصحابي عبد الله بن مسافع القرشي، في بلدة مرج دابق، شمال حلب.


مبادرات وتوثيق

وقام خبراء آثار سوريين وأجانب بتوثيق بعض الانتهاكات والتخريب لتكوين وثيقة تؤسس لتقصي الحقائق في مجال الآثار، بهدف تقديمها للهيئات العالمية، وذلك بإشراف منظمة المغتربين السوريين.

وأكّدوا، في بيان لهم، أنه جرى الحفر العميق في بعض التلال الأثرية لصُنع ملاجئ للدبابات التابعة لقوات النظام، كما أشاروا إلى تمركز الدبابات وناقلات الجند وسط المواقع الأثرية، وتحويل العديد من القلاع القديمة إلى مناطق عسكرية ومتاريس للقناصة وتم تشويه العديد من خصائصها المعمارية.