31-يناير-2016

يُتداول أن الأوساخ المتراكمة حول المدارس تساهم في انتشار الأمراض عند التلاميذ(Getty)

"لم أكن أتصور أن لأمراض القمل و"البوصفير" والسل مكان في تونس اليوم"، عبارة متداولة بين التونسيين خلال الأيام الأخيرة، إذ تفاجأ معظمهم بأنباء عن انتشار هذه الأمراض في مدارس ومعاهد وجامعات البلد.

أحدثت الإصابات بأمراض السل والقمل حالة هلع داخل المدارس التونسية وأثرت أحيانًا على استمرار الدرس 

في المنستير، بالساحل التونسي المعروف بتطوره على مستوى البنية التحتية والإمكانيات المتوفرة مقارنة بمحافظات أخرى مهمشة، امتنع طلبة المعهد التحضيري للدراسات الهندسية عن الالتحاق بقاعات الدرس بعد إصابة أحد الطلبة بداء السل، وهو مرض معدٍ وينتقل من شخص إلى آخر عبر الهواء. وكانت الإدارة الجهوية للصحة بالمنستير قد أوضحت، لوسائل إعلام محلية، أنه تم تسجيل إصابة واحدة وأنها حريصة على صحة بقية الطلبة وتتابع وضعهم ووضع المصاب إلى أن تستقر حالته. لكن هذه التطمينات، لم تمنع توقف الدراسة ولم تقلص شكوك ومخاوف الطاقم التعليمي والإداري وخاصة الطلبة، الذين توجه جزء منهم إلى مؤسسات صحية أملًا في التأكد من سلامتهم.

إلى جانب السل، تعددت الإصابات بمرض الالتهاب الكبدي الفيروسي، المعروف في تونس بـ"البوصفير"، وبلغت أربع إصابات في مدرسة قرقور، بمحافظة صفاقس جنوب البلاد. وأعلن أولياء بعض التلاميذ عن إصابات أخرى في مدرسة تاجروين، في محافظة الكاف بالشمال الغربي التونسي. وأحدثت هذه الإصابات حالة هلع داخل المدارس وأثرت أحيانًا على استمرار الدرس بشكل متواصل بينما أكدت الجهات المهتمة بالصحة في هذه المحافظات أنها حالات معزولة وقللت من خطرها وإمكانية انتشار المرض.

مرض القمل بدوره، استحوذ باهتمام التونسيين مؤخرًا بعد تعدد المصابين بالمرض في أكثر من مؤسسة تعليمية، وإن تداولت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة حالات الإصابة بالقمل في معهد باردو بخزندار، إحدى أحواز تونس العاصمة. وإثر تواتر الأخبار عن عدد الإصابات واختلاطها بإشاعات مختلفة، أصدرت وزارة التربية بيانًا، كذبت فيه خبر غلق مؤسسة تربوية بسبب انتشار القمل. وأضافت: "تم التفطن منذ أكثر من أسبوعين إلى وجود بعض الحالات بإحدى المؤسسات التربوية وتم التدخل مع الفرق الصحية لحصر هذه الحالات وذلك بالتنسيق مع مصالح وزارة الصحة".

القمل، هذا المرض بالذات، فاجأ التونسيين بشكل خاص، فمن الشائع أن يحدثك تونسي عن "حرب بورقيبة مباشرة بعد الحصول على الاستقلال ضد هذا المرض" وبعض الأمراض الأخرى التي ارتبطت بالاستعمار والجهل والفقر. لكن الواقع أكد أنه لم يتم القضاء على هذا المرض ولا غيره من الأمراض، طالما الأسباب متوفرة في تونس إلى اليوم.

تدريجيًا، ومع تواتر أخبار الإصابات، خيّم التوجس والخوف على أولياء التلاميذ والطلبة، حالة عززتها قلة التوضيح أو غيابه من قبل المسؤولين أحيانًا. في حقيقة الأمر، يجهل معظم التونسيين مدى خطورة هذه الأمراض اليوم، والفكرة التي يحملونها تعود إلى زمن بعيد مختلف جدًا تكنولوجيًا وعلميًا، فيما لم تتوجه وزارة الصحة إلى توفير حملات تثقيفية على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية وخاصة داخل المؤسسات التعليمية، لكن ممثلي الوزارة كانوا حريصين في كل خروج إعلامي على تأكيد أن العلاج ممكن وبسيط.

ترتبط هذه الأمراض في ذهن أولياء التلاميذ والطلبة بقلة النظافة وانتشار الأوساخ قرب المدارس والمعاهد وحتى في ساحاتها لكن أطباء الاختصاص ينفون أي علاقة ويؤكدون مثلًا أن القمل علميًا، "طفيليات يفرزها جسم الإنسان ولا تنتقل إليه من الخارج".

في الأثناء، صرّح عثمان الجلولي، الكاتب العام للجامعة العامة للصحة، في قناة محلية أن "الحكومات التي تلت فترة الاستقلال، أولت اهتمامًا خاصًا للقضاء على هذه الأمراض وركزت على الناشئة في المدارس والمعاهد فيما أهملت الحكومات خلال السنوات الأخيرة الأمر". وهنا، تطرح تساؤلات عديدة حول المنظومة الصحية المدرسية والجامعية والدور الذي تلعبه داخل المؤسسات التربوية.

توجه عديد التهم لإدارة الطب المدرسي والجامعي ويعتبرها البعض مقصرة نظرًا لتتالي حالات الإصابات بالأمراض المعدية في المؤسسات التعليمية 

هيكليًا، هناك إدارة خاصة بالطب المدرسي والجامعي ضمن وزارة الصحة العمومية في تونس. وتوفر هذه الإدارة عديد البرامج التي "تعتني بالجوانب الصحية الأساسية والحساسة لدى التلاميذ والطلبة"، حسب موقع وزارة الصحة التونسية. تهتم هذه البرامج بالبصر والسمع وصحة الفم والأسنان والصحة النفسية، إضافة إلى برنامجين حول صحة التلاميذ والطلبة المراهقين والمعوقين. ويتعهد بهذه البرامج المركز الوطني والمراكز الجهوية للطب المدرسي والجامعي في مختلف المحافظات.

في المقابل، لا يلمس تلاميذ وطلبة تونس هذه البرامج، ويجزم معظمهم أنها "حبر على ورق"، لكن جلال الحبيّب، مستشار وزير التربية، نفى ذلك في إحدى الحصص التلفزية، مؤكدًا أن "الطب المدرسي والجامعي يقوم بمهمته على أكمل وجه داخل المؤسسات التعليمية ويجنب الناشئة انتشار أوبئة وأمراض مختلفة". كما دعت وزارة التربية وسائل الإعلام إلى تجنب ما اعتبرته "أسلوب التهويل والإثارة" في هذا الموضوع، خاصة وأن السنوات الماضية، قبل الثورة وبعدها، لم تخل من إصابات مشابهة داخل المؤسسات التربوية.

اقرأ/ي أيضًا: 

القمل يغزو مدارس المغرب

برك أم النصر مصائد موت للأطفال