17-أكتوبر-2015

تعرض السائقون للجلد (/getty)

الركشة هي وسيلة النقل الهندية الشهيرة التي انتشرت بسرعة كبيرة في السودان. لم يكن الأمر خيارًا، إنها الأكثر سهولة للتنقل في بلادٍ مثل السودان. ولكن رغم وجود أكثر من عشرة آلاف ركشة على طرقات الخرطوم اليوم، ثمة من لا يطيقها.

على الرغم من الترخيص للركشة بالعمل كوسيلة نقل للناس، فإن قانون المرور السوداني يعاملها معاملة الدراجة النارية لا السيارة، وحسب دراسة محلية نشرتها الصحف المحلية مؤخرًا، تبين أن متوسط عدد مخالفات الركشات المرورية هو ثلاثون مخالفة يوميًا، وأظهرت الدراسة أنها تأتي في المرتبة الثالثة بعد الحافلات والهايس (سيارات الأجرة) في التسبب بالحوادث المميتة داخل الخرطوم. رغم ذلك، ثمة من يحبّها أيضًا!

تاريخ الركشة
الركشة مركبة هندية الصنع صغيرة الحجم تتسع بالكاد لثلاث أشخاص يصطفون خلف سائقها، وتتحرك بثلاث عجلات، ومقود ومحرك دراجة نارية، معدلان بسقف قماشي دون أي نوافذ أو أبواب.
عرفها السودانيون لأول مرة قبل أكثر من عقدين، حيث كان استخدامها يقتصر على نقل البضائع خفيفة الوزن، قبل أن يتم الترخيص لها في 1996، لنقل الركاب كحل لأزمة المواصلات التي كانت مستفحلة وقتها، خصوصًا في المناطق التي لا تصلها حافلات النقل العامة. وبعدها بدأت أعداد الركشة في تزايد كبير في كل أحياء الخرطوم خصوصًا الشعبية منها ذات الكثافة السكانية العالية، حيث يتم الاعتماد عليها للتنقل بين الأماكن التي لا تمر بها شبكة المواصلات العامة، نظرًا لانخفاض تسعيرتها مقارنة بسيارات الأجرة الخاصة لأكثر من النصف.

يصفها الشعب السوداني بأنها وسيلة نقل الفقراء

يصفها الشعب السوداني بأنها وسيلة نقل الفقراء، فهي وسيلة النقل الأقل كلفة والأكثر انتشارًا، حيث ينظر لها البعض كحل لأزمة النقل بينما يراها آخرون سببًا للازدحام والحوادث المرورية، إذ يعتمد فقراء السودان كثيرًا على الركشة في تنقلاتهم، كونها وسيلة مواصلات شعبية أشبه بالدراجة النارية، ويرى المتابعون لقضية الركشات في السودان أن أمنية سائقيها بتوسيع نشاط هذه الوسيلة لن تتحقق، بل على العكس ربما يستيقظون يومًا، ليجدونها اختفت بأمر مباشر من السلطات، إذ أن السلطات اتخذت أخيرًا، قرارًا بوقف استيراد الركشات نهائيًا من الهند، الأمر الذي عدّه مراقبون تمهيدًا لقرار وقف الركشات تمامًا، باعتبار أن القرارات من هذا النوع تكررت في الآونة الأخيرة.

ولكن رغم الشعبية الكبيرة للركشة، يجب الإشارة إلى افتقارها لمعايير السلامة العامة، وتسببها في زيادة معدل الازدحام والحوادث المرورية. من النادر أن تجد سودانيًا لم يتنقل في أي من مشاويره القصيرة بالركشة، فضلًا عن أنها أصبحت تستعمل لنقل طلّاب المدارس، خصوصًا لذوي الدخل الضعيف، وذلك بالرغم من خطورة قيادتها أحيانًا. ولكن الشعب لا يكترث، فقد ظهرت أخيرًا، في حفلات الأعراس كمحاولة لإضفاء نكهة جديدة على هذه المناسبات.

وفي أواخر العام الماضي، قررت الحكومة السودانية إيقاف التراخيص الجديدة للركشات كوسيلة لنقل الركاب، وشدّدت على منع الأجانب من قيادة وامتلاك الركشات، داعيًة للتعامل بحزم مع مرتكبي المخالفات من سائقي الركشات، وإصدار لائحة واحدة لتقنين عمل الركشات بالولاية. شكل هذا الحدث تبدلًا جذريًا في يوميات السودانيين.

نشرت الصحف السودانية، خبرًا عن جلد ثلاثين سائق ركشة لعدم تجديد الترخيص الخاص 

اتخذت السلطات حزمة من القرارات للحد من انتشار الركشة من بينها منع استيرادها والترخيص لها بالعمل داخل الخرطوم لكنها سرعان ما تراجعت لاحقًا وأصبحت تسمح بترخيصها شريطة أن يكون تاريخ تصنيعها مطابق لعام الترخيص. وشملت قرارات شرطة المرور أيضًا منع الركشة من عبور طرق المرور السريعة علاوًة على الجسور التي تربط بين مدن العاصمة الثلاث، وهي الخرطوم، وبحري، وأم درمان والتي يفصل بينها النيلان الأزرق والأبيض بجانب نهر النيل.

تعلل الحكومة السودانية سبب محاربتها للركشات بأن هناك مشاكل أخرى مرتبطة بالركشة، وهي تسببها في ارتفاع معدلات الجريمة من سرقة، واغتصاب، وترويج المخدرات، وغيرها.
وترى أن من أسباب انتشار الجرائم المرتبطة بالركشات أن كثيرًا من الذي يعملون فيها أجانب دخلوا البلاد بطرق غير شرعية، وهذه مشاكل تقر بها السلطات والتي أصدرت في أغسطس/آب 2013. وتحاول الحكومة أن تعلل هذا القرار "الزينوفوبي" بأرقام.وتعلّل الحكومة أيضًا  قرارها بوقف استيراد الركشات بمبررات عدة، أبرزها كونها التهديد الأكبر لأمن البلاد.
حيث بدأت الشكاوى من أصحاب الركشات بالتزايد، خصوصًا فيما يتصل بجرائم النشل والاختطاف، فضلًا عن شكاوى متصلة بمساهمتهم في ازدحام الطرقات والحوادث المرورية.

اقرأ/ي أيضًا: ستات الشاي .. المرأة مظلومة ومناضلة

آراء الشارع السوداني

تقول الطالبة الجامعيّة سعاد إن "الركشة أصبحت جزءًا من حياتنا اليومية، نستغلها في زياراتنا للعائلة، فبدلًا من استقلال التاكسي بثلاثين جنيهًا، يمكن الذهاب بالركشة بعشرة جنيهات فحسب". أما مؤمن عبد الله، وهو عامل بناء، فيرى أن الركشة صارت أكثر من وسيلة نقل، بل أصبحت موضوعًا لأغاني البنات الشعبية السودانية؛ إذ إنهن يرددن اليوم (يا سائق الركشة) لأن هذا السائق أصبح محطة أمل لكثير من الأسر السودانية ذات الدخل المحدود، إلى جانب أن وجود الركشة فتح باب فرص وظيفية لخريجي الجامعات العاطلين عن العمل، واستوعب قطاعها أيضًا غير المتعلمين والمتقاعدين".

أمّا أحد أصحاب الركشات محمد، فلديه قصلة مختلفة. تخرج من كلية التجارة قبل خمسة أعوام، وبعدما فشل في الحصول على وظيفة، ساعده أصدقاؤه في شراء الركشة. يشرح: "أنفق عليها، يوميًا، ثمانون جنيهًا لأملأها بالوقود، ولكنها تدر علي مائة وستين جنيهًا في المتوسط، ويتساءل: هل يعقل أن أترك الدخل الذي تدره لي الركشة، لأبحث عن عمل في مؤسسة حكومية راتبها الشهري لا يتعدى مدخل عمل ثلاث أيام، أيضًا تكن المخاطر التي ترتبها على حياتي؟".

وأقر الشاب سعيد حمدي، والذي يعمل سائقًا في ركشة بافتقارها لمعايير السلامة، لكنه تساءل كيف ستعوض السلطات الفارق الذي سيخلفه منع الركشة من العمل قبل أن يضيف ما يراه محاسن أخرى للركشة مثل توفيرها لفرص عمل في مجتمع ترتفع فيه نسبة البطالة.

الحادثة اللافتة كانت في 24 نيسان/أبريل 2015 الفائت. بدلًا من الحلول، قدمت حكومة البشير حلًا على الطريقة السعودية. فقد نشرت الصحف السودانية، خبرًا عن جلد ثلاثين سائق ركشة لعدم تجديد الترخيص الخاص بمركبتهم. أعلنت الصحف السودانية عن تضامنها مع سائقي الركشات، وجاء في الخبر أنه قد أمرت محكمة الإنقاذ بشرق النيل بجلد ثلاثين سائق (ركشة) ونفذت عمليات الجلد على السائقين بعد مرور يوم واحد على حجزهم، في قسم شرطة مرور حلة كوكو بالعاصمة السودانية الخرطوم. وألزمت المحكمة السائقين بدفع ألف جنيه إلى جانب عقوبة الجلد، وفي حالة عدم الدفع الحبس لستة أشهر.

اقرأ/ي أيضًا: العنصرية في السودان.. قبائل بهويات تائهة