12-فبراير-2023
زلزال تركيا 2023

يتوقع مراقبون استمرار تزايد أعداد الضحايا في الكارثة المدمّرة

يواصل عمال الإنقاذ والإغاثة إخراج ناجين من بين ركام الزلزال في جنوب تركيا، رغم إعلان وقف عمليات الإنقاذ في عدة شمال غرب سوريا وعدة مدن تركية، وبدء عمال الإغاثة في مختلف أنحاء المناطق المنكوبة في تحويل جهودهم الأساسية نحو المسارعة في انتشال الجثث وتوفير المأوى للنازحين. 

شهد نهاية يوم أمس السبت عدة عمليات إنقاذ كانت أقرب إلى المعجزة، بعد انقضاء ستة أيام على الكارثة المدمّرة

فقد شهدت نهاية يوم أمس السبت عدة عمليات إنقاذ كانت أقرب إلى المعجزة، بعد انقضاء ستة أيام على الكارثة المدمّرة، إذ جرى انتشال أسرة من خمسة أفراد كانوا جميعهم على قيد الحياة، وهو ما منح بصيص أمل جديدًا في العثور على ناجين آخرين، قد يكونوا تمكنوا بطريقة أو بأخرى من العثور على خيط نجاة رفيع، كذلك الشاب الذي تمكّن من الخروج حيًا من بين الأنقاض يوم الجمعة، بعد أن قاوم الموت والعطش بشرب شيء من بوله.

أما في غازي عنتاب، مركز الزلزال الأول الذي بلغت شدّته 7.8 درجة على مقياس ريختر، فقد أنقذ عمال الإغاثة هناك أمًا وابنتها بعد 129 ساعة تحت الأتربة والحطام. وبين كل ساعة وأخرى، تنقل وكالات الأنباء المحلية خبرًا مماثلًا، عن معجزة جديدة وأمل جديد. 

زلزال تركيا 2023

فقبل ساعات من نشر هذا التقرير، أفادت وكالة أنباء الأناضول خبرًا عن إغاثة طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات، انتشلها المنقذون في غازي عنتاب بعد 132 ساعة على الأقل من تزلزل الأرض وانهدام الأبنية فوق رؤوس السكان. كانت تلك شنغول كاراباجاك، التي سيذكر الأتراك صورتها البريئة والمليئة بالحياة من بين ركام الموت حولها، لتكون علامة على الأمل بمستقبل أفضل لأجيال جديدة من الأتراك في جنوب البلاد التي تعاني عددًا من المشاكل البنيوية وضعف التنمية نسبيًا مقارنة بمدن تركية أخرى. بحسب بعض المنقذين المتخصصين في الولايات المتحدة وغيرها، فإنه لم يسبق تسجيل إنقاذ شخص حيًا من تحت الركام بعد أكثر من 130 ساعة، فهذا أمر غير مسبوق، لاسيما عند اعتبار عدم توفّر مصدر للماء لدى الشخص العالق في مثل هذه الظروف المهلكة. 

كما كانت "معجزات" الإنقاذ العديدة التي سجلت في تركيا وسوريا يوم أمس السبت، دليلًا على الجهود الخارقة التي تبذلها فرق الإنقاذ التركية والدولية في المحافظات الجنوبية التركية العشرة التي تضررت من الزلزالين الأساسيين والهزات الارتدادية العديدة التي تبعتهما، حيث عملوا على مدار الساعة منذ وقت مبكّر من يوم الإثنين الماضي، مع كلاب الإنقاذ والآليات الثقيلة والمتوسطة المتوفرة والكاميرات الحرارية وغيرها من المعدّات، لينقبوا عن أي خيط من الحياة وسط الغابات الخراسانية التي استحالت ركامًا واسعًا على مدّ النظر في بعض المدن، ولاسيما في غازي عنتاب وهاطاي وأنطاكيا ومرعش وغيرها.

زلزال تركيا 2023

إلا أن من تبقّى من أسر الضحايا وذويهم، لا يذكرون الآن سوى رقم صادم واحد، وهو عدد الأرواح التي أزهقها الزلزال، والذي تجاوز حتى نهاية يوم السبت، 29,000 قتيل في تركيا وسوريا

فقد أعلن وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة يوم السبت إن 24,617 شخصًا على الأقل قتلوا في تركيا، كما تم تسجيل زهاء 80,000 إصابة فيها. أما في سوريا، فقد تجاوز عدد القتلى 3600 شخص، من بينهم أكثر من 2200 في شمال غرب سوريا، غير الخاضعة لسيطرة النظام، والتي تأخر وصول المساعدات ودخول أعوان فرق البحث والإنقاذ فيها حتى وقت متأخر من يوم الجمعة. 

من جهته، قام تيدروس أدهانوم غبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بزيارة مدينة حلب المتضررة من الزلزال، وكتب عبر حسابه الرسمي على تويتر :"أشعر بالأسى لرؤية الظروف التي يواجهها الناجون، من الطقس المتجمد ومحدودية الوصول إلى المأوى والطعام والماء والتدفئة والرعاية الطبية". 

أمّا مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق مساعدات الأمم المتحدة في شؤون الكوارث، فقد وصف الكارثة بأنها "أسوأ ما وقع منذ 100 عام في المنطقة"، وذلك أثناء زيارته لمدينة مرعش التركية، القريبة من مركز الزلزال، حيث قال في تصريحات لوسائل إعلام في المنطقة إنه يتوقع أن يستمر أعداد الضحايا بالارتفاع. كما قال غريفيث في تصريحات لوكالة الأناضول الرسمية يوم أمس السبت، إن عمليات الإنقاذ تقترب من نهايتها، وأن الجهود ستتجه تدريجيًا نحو التركيز على عمليات إعادة البناء وتوفير المأوى الملائم المؤقت للنازحين من المناطق المنكوبة في تركيا وسوريا.  

دعوات للمحاسبة والتحقيق 

على صعيد آخر، دعا اتحاد نقابات المحامين الأتراك السلطات الرسمية إلى الاهتمام بجمع الأدلى من المباني التي لحقها الدمار للتحقيق في عيوب البناء التي يرى مراقبون أنها أسهمت في مضاعفة فداحة الكارثة الطبيعية التي وقعت يوم الإثنين. وأعلنت النقابة أن آلاف المحامين مستعدون لتقديم أي عون يلزم للمساعدة في التحقيقات وكشف الفساد في عمليات الإنشاء في المناطق المنكوبة. على إثر ذلك، أعلنت وزارة العدل التركية عن افتتاح "مكاتب تحقيق في جرائم الزلازل" في جميع أنحاء المحافظات المتضررة للتحقيق في الإهمال والمخالفات المحتملة التي ربما أدت إلى انهيار المزيد من المباني على نحو كان يمكن تفاديه. 

زلزال تركيا 2023

كما أفادت وسائل إعلام تركية تنفيذ السلطات حملات اعتقال طالت عشرات الأشخاص من متعهدي البناء وأصحاب الشركات العقارية، على خلفية وجود إهمال محتمل في التحقق من جودة بعض المباني في عدد من المناطق. وقد كان من بين هؤلاء محمد يسار تشوسكون، المقاول المسؤول عن مشروع سكني تعرض للدمار في هاتي، وقد سجلت السلطات لحظة اعتقاله في مطار إسطنبول يوم الجمعة أثناء محاولته الهرب خارج البلاد. 

 

كما اعتقلت السلطات التركية زهاء 100 شخص تورطوا في عمليات نهب المباني المتضررة والاحتيال على بعض ضحايا الزلزال والاستيلاء على معونات إغاثية. 

الشمال السوري.. لا أمل 

أما عبر الحدود التركية نحو شمال غرب سوريا، فالصورة بدت أكثر قتامة، بسبب التدهور الحاصل أصلًا في المنطقة على المستوى الاقتصادي والإنساني والأمني، وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة، وعدم وصول إلا ندر بسيط من المساعدات في الأيام الأولى بعد وقوع الكارثة التي وصفها ناشطون بأنها "دمّرت المدمّر". في تلك الظروف، أعلن الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، انتهاء عمليات الإنقاذ في أكثر من 40 بلدة وقرية دمرتها الزلازل، والتركيز في المرحلة الحالية على انتشال الجثث لمنع حصول كارثة صحيّة جديدة. 

زلزال تركيا 2023

ففي تصريحات صادمة خاصة بألتراصوت، قال نائب رئيس الدفاع المدني السوري منير مصطفى، في تصريحات خاصة لألترا صوت إن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية أخلاقية أساسية عن الكارثة التي حلّت بالسوريين في الشمال المنكوب بسبب تأخرت دخول المساعدات الأساسية في وقت مبكر بعد وقوع الزلزال. وقال مصطفى، في رسالة وجهها إلى الأمم المتحدة عبر "الترا صوت": "إن كانوا يريدون أن ننشلهم من سباتهم العميق فنحن جاهزون وقادرون على انتشالهم من السبات الذي هم فيه". 

من جهة أخرى, بدأت تدخل عبر تركيا قوافل إغاثية من عدة دول عربية، ولاسيما قطر والسعودية، تحمل مواد غذائية وإمدادات طبية ومساعدات إنسانية أخرى تشتد الحاجة إليها حاليًا في الشمال المنكوب، وقد بدأ توزيع المعونات العاجلة في جندريس، المدينة الأشد تضرراً في شمال غرب سوريا، ضمن خطة لتغطية بقية البلدات والقرى المنكوبة.