16-أبريل-2019

من منحوتات سامبوزيوم الفنّ المعاصر

انتهت منذ أيّام أشغال سامبوزيوم الفنّ المعاصر المنظّم من طرف جمعيّة "معًا للفنّ المعاصر"، واحتضنه نزل البرتقال بمدينة الحمّامات التونسيّة بين 03 و20 آذار/مارس 2019. ضمّت التظاهرة أكثر من خمسين رسّامًا ونحّاتًا يمثّلون ثلاثة وعشرين دولة من ثلاثة قارّات، ويعتبرون من الأسماء اللاّمعة عربيًّا وعالميًّا مثل محمّد العامري من الأردن، ويوسف أحمد من قطر، وعبّاس يوسف من البحرين، ومنجي معتوق من تونس، وروبرت فورتغنس من هولندا، وكيم من كوريا الجنوبيّة، وحسّان بورقيّة من المغرب، ورشيد دياب من السودان، وليي زهاو من الصين، وبسّام كيرولس من لبنان، وإياد صبّاح من فلسطين.. وغيرهم.

عندما يجتمع الحبّ مع الموهبة في مكان واحد، انتظروا تحفة فنيّة قيّمة

يعود الفضل في ضمّ هذا الجمع المميّز إلى الرسّامة التونسيّة المغتربة ريم العيّاري. الفنّانة من مواليد 1970 وانطلقت مسيرتها الفنيّة سنة 1989 وشاركت وعرضت أعمالها في عديد المعارض العربيّة والعالميّة، أهمّها الصالون الدولي بطوكيو، وصالون ساريا ساموس بإسبانيا، ومسرح الأغورا بفرنسا وغيرها.

اقرأ/ي أيضًا: التونسية منى الجمل.. الهامشيّ بعدسة فينوس

شارك في اختيار الفنّانين المشاركين أيضا الرسّام والشاعر العراقي-الهولندي علي رشيد، وتركّزت معايير الاختيار على شيئين أساسيين: القدرة الفنيّة والقيمة الإنسانية. تساهم هاتان الخاصيّتان في نجاح هكذا ملتقيات، إذ تسمح بتبادل الخبرات بين المشاركين وتأسيس علاقات تساهم بالتعريف بالتجارب والمدارس المختلفة وإتاحة الفرصة للفنّانين العرب المتميّزين حتّى يروّجوا لأعمالهم وتطويرها.

الفنانة ريم العياري خلال الملتقي (ألترا صوت)

ما يلاحظ في هذه النسخة الرابعة لسنة 2019 طغيان العنصر النسائيّ بين المشاركين في الرسم والنحت أيضًا، يعكس ذلك فلسفة آمنت بها ريم عيّاري كفنّانة تشكيليّة -وامرأة- والتي طالما ردّدت: "أقف في صفّ المرأة الفنّانة دائمًا، رسّامة كانت أو أديبة أو موسيقيّة. أنا أؤمن بقدرات النساء وأفتخر كوني امرأة وأنّني تونسيّة". مكّنت حيويّتها وصرامتها ورغبتها في اتقان ما تفعله عبر الوقوف على التفاصيل الدقيقة، من تحويل هذا الملتقى إلى خليّة نحل ومجموعة تحديّات بين المشاركين كي يعطي كلّ واحد أقصى ما يستطيع، رافعة في ذلك شعار "الانتصار للفنّ لأجل الفنّ".

كان هاجس ريم الأوّل تصدير صورة مميّزة للفنّ التونسيّ والعربيّ عمومًا. أثمر السامبوزيوم خلال نسخه المتتالية عدّة دعوات لفنّانين عرب وتونسيّين لحضور ملتقيات في أوروبا وآسيا، بعد أن تعرّف المشاركون الأجانب على تجارب محلّية رائدة. يساهم ذلك في تصدير الفنون التشكيليّة التونسيّة إلى العالم وهو جهد يعرّف أكثر بالفنّ العربي ودعم قدرة منطقتنا على إنتاج المعنى، في ظلّ فشلنا في إنتاج السيّارات والأسلحة. أصرّت على تنظيم زيارات إلى أهمّ المعالم السياحيّة الأثريّة في تونس. كما دعت فرقة "أجراس" التونسيّة للموسيقى البديلة لإحياء حفل، وعرّفت بثلاث شاعرات مغاربيّات أثّثن السامبوزيوم، ضمن رؤية عالميّة حداثيّة تعتقد أنّ الفنّ التشكيلي ينهل من جميع الفنون.  

حرصت ريم عيّاري خلال هذه النسخة من السامبوزيوم على تكريم فنّ الخطّ العربي ورائده الرسام التونسي نجا المهداوي الذي بلغ فنّه الآفاق عالميًّا. كان الفنّان الكبير حاضرًا خلال معرض الأعمال التي تمّ إبداعها خلال أشغال الملتقى وحرص على تقديم النصح للفنّانين المشاركين خاصّة الشبّان منهم. صورة للتواضع وخدمة الآخرين انطبعت حقيقة بين المشاركين في الملتقى، أولئك أصحاب التجربة والمبتدئين، وخلقت مناخا من التنافس الفنيّ الصرف أهم في إنتاج أعمال رائعة. يقول أحد  المفكّرين: "عندما يجتمع الحبّ مع الموهبة في مكان واحد، انتظروا تحفة فنيّة قيّمة".

من أعمال الملتقى (ألترا صوت)

تقول ريم: "لا أطمح إلاّ لإعلاء شأن الفنّ وتصدير صورة جيّدة عن بلدي. أعترف أنّني صارمة في اختياراتي وصعبة الإرضاء إذا تعلّق الأمر بأخلاقيات الفنّان والفنّ. ليكن ذلك، سيقولون مستقبلًا كانت ريم عيّاري إحدى أولائك النساء اللاتي تحدث عنهنّ الصغيّر أولاد أحمد "امرأة ونصف"، وربما سأكون أكثر فأنا سقف تطلعاتي عالي جدًا".

بيكاسو: حب الوطن شيء جميل، ولكن لماذا يجب أن يتوقف الحب عند الحدود؟

تبدو أعمال ريم متماهية تمامًا مع شخصها من حيث قوّة الألوان وصرامة اللّمسات، لا نظنّ أنّها تترك شيئًا للصدفة فيما يتعلّق بالتركيب على سطح القماشة، يذكّرنا ذلك بتصريح جاكسون بولوك الشهير: "إنني أستطيع أن أتحكّم في حركاتي أثناء الرّسم ، ليس هنالك مجال للصّدفة".

اقرأ/ي أيضًا: محمد بن مفتاح.. إحياء ملحمة البعث الآدميّة

المدهش أيضًا كرمها المفرط في التعامل مع فكرة "الفنّ لأجل الفنّ والفن كواجهة للبلاد".

لقد قدّمت الجمعيّة أعمالًا نحتيّة ومجوعة لوحات رائعة للمركز الثقافي الدولي بالحمامات المشهور بدار سيباستيان، ومجموعة مماثلة ستعرض باستمرار في أروقة فندق "البرتقال" باعتباره واجهة للسياحة الثقافيّة. بالإضافة إلى احتفاظ الجمعية بمجموعة كبيرة من الأعمال التي تعتبر متحفيّة، مخلدة بذلك قيمة العمل الفني الجماعيّ المنظّم الذي يصدّر صورة البلاد دوليًّا، أو كما يقول بيكاسو: "حب الوطن شيء جميل... ولكن لماذا يجب أن يتوقف الحب عند الحدود؟".

 

اقرأ/ي أيضًا:

الرسم والكتابة في تجربة أفونسو كروش

الهندسة جوهرًا لتجربة الفنّان سمير التريكي