27-سبتمبر-2023
ريتشارد رايت

تُعنى غالبية أعمال ريتشارد رايت بالموضوعات العرقية (Getty)

ريتشارد ناثينال رايت شاعر وروائي أمريكي من أصول أفريقية، ولد في إحدى قرى المسيسيبي عام 1908 لأبٍ مزارع وأم مُدرِّسة. وقد عرف طفلًا كيف يعيش الزنوج الفقراء العاملين في مزارع وضياع السادة البيض الأغنياء المتسلطين في الجنوب الأمريكي المتعصب. كما عانى  شتى صنوف الظلم والحرمان والجوع والبطالة، جراء المظالم الاجتماعية والتفرقة العنصرية في المجتمع الأمريكي.

يُعتبر رايت من أبرز الكتّاب السود في النصف الأول من القرن العشرين،  بدأ حياتهُ مناضلًا سياسيًا، نصرة لقضايا الطبقة العاملة والسُّود الأمريكيين والشعوب النامية. تُعنى غالبية أعماله بالموضوعات العرقية، لا سيما تلك المتعلقة بمعاناة الأمريكيين الأفارقة مع التمييز العنصري والعنف.

في رصيده كُتب عديدة في الشّعر والرواية والنّثر والقصص القصيرة، من بينها: "أبناء العمّ توم"، و"إجازة ضارية"، و"قانون الأب"، و"الحلم الطويل"، و"ثمانية رجال"، و"اللامنتمي"، و"القوة السَّوداء" وغيرها. وكان آخر أعماله "الهايكو: هذا العالم الآخر" الذي كتبهُ في منفاه الفرنسي، حيث توفي عام 1960. 


أنا لا أحد

شَمسٌ خريفيّةٌ حَمراء غَاربة

سَلبتني اسمي.

*

 

من أجلكِ، أيتها النّوارس

أطلبُ أمواجًا مُكَسَّرة كما الأردواز،

وهَذي السَّماء الرصاصيّة!

*

 

اسلُك هذا الشارع مباشرة

ثمَّ انعطف يمينًا وستجدُ

شَجرة دُرّاقٍ مُزهِرة.

*

 

أَزِح الغيوم

وَلتسمَح للقُبّة السَّماوية الزَّرقاء

بأن تمنحَ هذا البحر اسمًا!

*

 

آذنُ لهذهِ الأمطار الربيعية الخفيفة

بِأن تَغمُرَ

مَسَاكِب البَنفّسَج.

*

 

أنّى ذهبتَ

أغصان الأشجار تُشكِّلُ أقواسًا

تحتَ الشَّمسِ الحارقة.

*

 

فلتحسم أمركَ أيُّها الحلزون!

فَنصفكَ داخل منزلك،

والآخر خارجه!

*

 

آه أيّتها القطّة المُتَطلِّبة،

سامحيني على مطرِ الربيع هذا

الذي يثير اشمئزازك إلى هذا الحدّ!

*

 

انغمسي في عذوبةٍ عميقة

أيّتها الماغنوليا البيضاء

اللّيلة ما تزالُ ناعسة!

*

 

"اصمتي، أيتها الجَّداجِد!

كيفَ لي أن أسمعَ

ما تقولهُ لي زوجتي؟"

*

 

آه، يا سيّد فزّاعة

كفاكَ تلويحًا بذراعيكَ

كما الأجنبيّ!

*

 

أرغبُ في جَرسٍ

يقرعُ في هذا الشّفَق الناعم

فوقَ أشجار الصّفصاف.

*

 

أَهبُ عصافير الدُّوري

أسلاك التّلغراف

التي جَلَبت لي هذه الأخبار السَّارة!

*

 

أيّها السَّندان، فَلتُطرَق،

تَحمَّل كلّ الضَّربات المريرة، 

إلى أن تَغرُبَ شمسُ الرَّبيع!

*

 

حسنًا أيَّتها العصافير

ها قد غربت الشَّمسُ الآن

وبوسعكِ الكَفّ عن الزقزقة!

*

 

في مطرٍ ضَبابيّ

فراشةٌ تمتطي

ذيلَ بقرة.

*

 

بِأنفٍ مُرتعشٍ

كلبٌ يقرأُ برقيّةً

على جذع شجرةٍ رطب.

*

 

في الأصباحِ الشّتوية

تَظهَرُ على الشّمعة علامات باهتة

لأسنان الفئران.

*

 

عطسة الكلب العنيفة

تُخفِقُ في استثارة ذبابة واحدة

على ظهره الأجرب.

*

 

في البِرك المُوحلة

وسط فِناء المزرعة المُدَاس بالحوافر

سُطوع ومضات ربيعيّة.

*

 

شبكات العنكبوت

مُلتصقة بوجهي المُتعَرِّق

في الغابة المتربة.

 

من سقفٍ قرميديٍّ أحمر

قطّة تلعقُ قطرات النَّدى

في فَجرٍ رطب.

*

 

رُكام ثلجيّ هائل

يسدُّ الممرّ الضيق

المُفضي إلى حانوت ألعاب صغير.

*

 

على الجانب الآخر من النهر

حِبال ضخمة وداكنة من أمطار الربيع الباردة

تَسَّاقطُ على البلدة.

*

 

نصل سكّينٍ ملطّخ بالدماء

تلعقهُ قطة

أوان ذبح الخنزير.

*

 

في الثَّلجِ المُنهمر

صبيٌّ ضاحك

يمدُّ راحتيه إلى أن تَبيضّا.

*

 

شيءٌ من الضوء

في هذه السّماء الخريفية المَهيبة

يكفي لتحويل البحيرة إلى اللون الأسود.

 

شيءٌ من الثلجِ يكفي

لإصبع الصبي ليكتُب به

اسمه على الشرفة.

*

 

صوتُ المطر

يحجبهُ بين الحين والآخر

سعالٌ لزج.

 

مُغامِرين في الخروج من منازلهم

يمشي الأطفال بِخَفَرٍ،

مُتهيّبين الثّلج.

*

 

على إفريز النافذة

نُدفة ثلجٍ وحيدة

تدورُ باهتياج.

*

 

ذلك البيت المهجور

بِساحته المفروشة بأوراق الشَّجر المُتساقطة

تحت شَمس الغروب.

*

 

رياحٌ ليّنةٌ عند الفجر

ترفعُ ورقة شجرٍ يابسة

وتضعها فوق أُخرى.

*

 

في ضوء الشّتاء الرّمادي

الذُّباب الميت يملأ

عتبة نافذة غرفة نتنة.

قُبيل الفجر،

عندما تكون الشوارع خاوية،

مطرٌ ربيعيٌّ خفيف.

*

 

من أعلى التلّة يُرى

خيالان تحت مطر الشتاء،

رجلٌ وبَغلهِ.

*

 

برقوقة ناضجة مفقوءة

تُشكِّلُ بركة فوقَ ورقة شجر

تشربُ منها العصافير.

*

 

زهرة ماغنوليا

حَطَّت على ماغنوليا أخرى

في العُشب المُخضلّ بالنّدى.

*

 

جبلٌ ربيعيّ

يحتضنُ أُسس منزلٍ

انهارَ منذُ زمنٍ بعيد.

*

 

أمطار أيلول

تنهمرُ قطرات كبيرة للغاية

وتتأرجحُ أثناء سقوطها.

*

 

عناقيدٌ من الكرز الأسود

تتلألأُ بقطرات المطر

في شمس المغيب.

*

 

الشمسُ تلتمعُ

على ذراعي عاملة غسيل سوداء

في مياه الغدير الباردة.

*

 

نُدف الثلج الذّائبة

تُبلّلُ ظهر الحصان البُنّي

تُصيّرهُ أغمق من خاصرتيه.

*

 

من البعيد، البعيد

من فوقِ البحر الرّماديّ

نداء سفينة.

*

 

النهار طويل جدًّا

حتى أنّ عصافير الدوري الصاخبة

تصمتُ على نحو غريب.

*

 

الطريق إلى الغابة

مسدودة بِشباك العناكب

المطرّزة بمطر الربيع.

*

 

زهرة تُفّاح

تهتزُّ على غُصن مُضَاء بِنور الشَّمس،

مِن ثِقل النَّحل.

*

 

جَناحا نحلة

يُلطِّخان البياض الأملس

لِزهرةِ ماغنوليا.

*

 

في المطبخ الحارّ

ريشةٌ تجرُّ ظلّها

فوق الأرز المُبخَّر.

*

 

بِابتساماتٍ صُفرٍ خَجول

تختبئُ اليقطينات الصَّغيرة

تحت أوراق صَفراء.

*

 

ولا حتَّى الشَّمس

يمكنها أن تجعل أوراق شجرة البلّوط خضراء

مثلما يفعل ضياءُ النُّجوم.

*

 

يومٌ خريفيٌّ طويل

رياحٌ تَهُبُّ من الغرب

لكن لا شيء من الشَّرق.

*

 

بين الزهور

ساعةٌ صينيةٌ تُتَكتِك

في غرفة الرجل الميت.

*

 

إنّها بلا طَعمٍ هنا

قطرات النّدى الربيعي هذه

أم أنني غريبٌ عن هذه الأرض؟

*

 

ساكنةٌ كما الموت،

تحت صَقرٍ حَوّام،

قريةٌ خريفية.

*

 

ذابت الثلوج،

والآن باتت كلّ الحقول ملكًا

لخُطوط السِّكك الحديديّة.

*

 

لقد نِمتُ طويلًا وبِعُمق

لكني لم أعرف السبب

حتّى رأيتُ الثَّلج في الخارج.

*

 

ضوء القمر الصّيفي

يلمعُ على كور الحَدّاد

ويُبرّدُ الجّمرات الحمراء.

*

 

خريفٌ رؤوف

يُلطِّفُ مِن السَّتائر البالية

في غُرفتي المُستَأجَرة.

*

 

ساعة ظهيرة من آب:

جميع كائنات العالم

تَهضِمُ الظِّلال.

*

 

المُحيطُ في حُزيران:

شهيقٌ وزفير

لكنّهُ لا يتكلم أبدًا.

*

 

أحدهما حزينٌ، والآخر خجول

مُنخفضان على الأفق الربيعي

الشَّمسُ والقَمر.

*

 

على شجرة سِنديان مُتقشِّرة

في وهجِ أشِّعة الغروب

جليدٌ على جناحيّ نَسر.

*

 

كانَ الهدوء مُطبقًا

لدرجة أن الصَّمت اعترضَ

بِصرخةِ طائرٍ وحيد.

*

 

في الصحراء الفسيحة

هسيس الرمال المتحرّكة

يُعمِّقُ الصّمت.

*

 

لدى قَطع أشجار الغابة

تتمدّد البحيرة عارية وتائهة

في التلال الجرداء.

*

 

شمسٌ مُتردِّدة

شيئًا فشيئًا تغدو حمراء قانية

ثم تسقطُ في القمح.

*

 

ريحٌ شتويَّةٌ شَعواء

تُمزّقُ نفسها إلى أشلاء

على سياجٍ مِن الأسلاكِ الشَّائكة.

*

 

لقد رَحَلَت:

جميع كُرَات الكُمثّرى الذَّهبيّة

مُدبَّبة من الألم.