31-يناير-2019

ركود كبير في سوق السيارات المصري (صحف مصرية)

لم يتوقع أحد من العاملين في قطاع السيارات بمصر حالة الركود التي يمر بها القطاع مؤخرًا، خاصةً بعد أن كانت كل التكهنات تشير إلى ازدهار مرتقب في حركة البيع حال تنفيذ قرار "زيرو جمارك" الذي أعفى السيارات ذات المنشأ الأوروبي من الضرائب المفروضة عليها مع بداية العام الجاري. 

يشهد سوق السيارات المصري حالة من الركود الكبير رغم التكهنات المسبقة بازدهاره بعد تنفيذ قرار الإعفاء الجمركي على السيارات الأوروبية

لكن تطبيق القرار جاء مصحوبًا بحالة من التخبط والارتباك، بسبب التوقف شبه الكامل للمبيعات، لعزوف قطاع كبير من المستهلكين عن الشراء، وتأجيل قطاع آخر قرار الشراء لحين استقرار الأوضاع في السوق.

اقرأ/ي أيضًا: الأردن الأولى عربيًا في السيارات الكهربائية.. ماذا عن المستقبل؟

وكانت لمواقع التواصل الاجتماعي دور في حالة الركود الحالية، فبعد أيامٍ من تطبيق "زيرو جمارك"، بدأ بعض وكلاء السيارات بتخفيض الأسعار، وخاصة وكلاء السيارات الأوروبية، ولكن هذا الهبوط في أسعار السيارات لم يكن مُرضيًا لكثير ممن ترقبوا تطبيق الإعفاء، ثم بدأ سخط المستهلكين عند انتشار صور للإفراج الجمركي لبعض السيارات، يشمل قيمة السيارة الفعلي بعد سداد كامل قيم الجمارك المستحقة.

ومن خلال البيانات والأسعار الموضحة في الإفراجات الجُمركية المنتشرة، يتضح أن إجمالي قيمة سيارة سيدان مثل "كيا سيراتو"، بعد سداد إجمالي الجمارك المستحقة: 267 ألف جنيه، في حين أن الوكيل يقوم بإعادة بيعها مقابل 425 ألف جنيه، ما يضمن للوكيل قرابة 158 ألف جنيه هامش ربح من كل سيارة.

حملة خليها تصدي

 وكذلك سيارة "هيونداي توسان"، والتي يتضح أن قيمتها الفعلية بعد سداد إجمالي الجمارك المستحقة: 358 ألف جنيه، مقابل سعر الوكيل والذي يترايح ما بين 550 و600 ألف جنيه، ما يضمن للوكيل قرابة 192 و242 ألف جنيه هامش ربح من كل سيارة.

حملة خليها تصدي

هذا التفاوت في الأسعار بين التكلفة الفعلية وسعر المستهل أثار المستهلكين ما دعاهم إلى إعادة التفاعل مع حملة #خليها_تصدي، والتي يطالب القائمون عليها والداعمون لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بمقاطعة شراء السيارات لحين تعديل وكلاء العلامات التجارية للأسعار وتخفيض هوامش أرباحهم، واصفين الأرباح بـ"الخيالية".

خليها تصدي

في أيلول/سبتمبر 2015، كان سعر صرف الدولار أقل من ثماني جنيهات مصرية، بزيادات رسمية من حين لآخر لا تتخطى 40 قرشًا. وفي مقابل هذه الزيادة الطفيفة، كانت أسعار السيارات تتأثر بزيادة كبيرة وصلت في بعض الأحيان إلى 50 ألف جنيه في بعض التوكيلات. ومن هذه الفترة بدأت حملة "خليها تصدي" التي أسسها محمد راضي بهدف "ثبات أسعار السيارات ووقف استغلال التجار للمستهلكين".

على مدار عام أو أكثر بعد انطلاقها ذاع صيت الحملة بشكل ملحوظ بين المستهلكين، خاصةً بعد توحش السوق السوداء للعملة في منتصف عام 2016، ليصل سعر الصرف غير الرسمي للدولار ما بين 12 و14 جنيه، ما أثر بالتبعية على أسعار السيارات بشكل كبير. 

واستمرت حملة "خليها تصدي" في الانتشار، ولاقت صدى واسعًا بين المستهلكين، حتى بدأ نجمها في الخفوت مع قرار الحكومة المصرية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بتحرير سعر الصرف أو ما يعرف بـ"تعويم الجنيه".

حملة خليها تصدي

ومع تحرير سعر صرف العملة قفز سعر الدولار الرسمي إلى قرابة 18 جنيهًا، بعد أن كان أقل من تسع جنيهات، ما ترتب عليه تضاعف أسعار السيارات. 

ولأن هدف الحملة كانت وسيلته مقاطعة شراء السيارات من السوق المصرية، على أمل أن تأتي هذه المقاطعة بثمارها، فإن تعويم الجنيه جاء على غير هوى من شارك في الحملة، إذ لم يكن الانتظار مجديًا لهم!

يقول مؤسس الحملة، محمد راضي، لـ"ألترا صوت"، إن "خطوة التعويم لم تكن متوقعة، وكانت خارج أي تحليلات اقتصادية في هذه الفترة"، مضيفًا: "لقد أسست الحملة بهدف الخير، فكون وقوع إجراءات مختلفة من الدولة لا يعلم عنها أحد، فهذا خارج إرادتي وأصابني كما أصاب الجميع، ولا يحق لأحد أن يحاسبني على إجراء من الحكومة".

ما الذي جدّ في الأمر؟

بعد أن طفا بريق الحملة لما يزيد عن عامين، عادت بقوة مع بداية العام الحالي، بشكل فاجأ جميع العاملين في قطاع السيارات، خاصةً مع الزخم المتزايد الذي عرفته الحملة، بالتزامن مع تطبيق الشريحة الأخيرة من اتفاقية الشراكة الأوروبية، وبعد كشف الوكلاء لقوائم أسعار جديدة، كنتاج لحذف آخر جمارك على السيارات ذات المنشأ الأوروبي ليتحقق للمستهلك حلم الـ"زيرو جمارك" الذي طال انتظاره.

غير أن أحلام المستهلكين تصادمت مع واقع الأسعار حتى بعد التخفيضات، وعليه كانت الفرصة مواتية لاستعادة حملة "خليها تصدي" الزخم، خاصة بعد تداول صور للإفراج الجمركي لبعض السيارات، يشمل قيمة السيارة الفعلي بعد سداد كامل قيم الجمارك المستحقة، والتي كشفت عن فارق كبير بين القيمة في الإفراج الجمركي والسعر المعلن من قبل التاجر، والذي يترايح ما بين 150 و200 ألف جنيه، ما اعتبره جمهور المستهلكين الرافضين هامش "خيالي" للتاجر.

بعد أن عاد المستهلكون مرة أخرى إلى حملة "خليها تصدي"، وبعد نقاش عام احتضنته مواقع التواصل الاجتماعي، خرجت الحملة بمجموعة أهداف شبه متفق عليها من قبل شريحة واسعة من المستهلكين الرافضين لما يصفونه بـ"استغلال التجار"، تتلخص في وضع حد لـ"جشع" التجار بتحديد هامش ربح عادل، وتقنين القيمة الإضافية التي يفرضها التجار على السيارات.

كأي شيء مطروح للجميع، انقسم التفاعل على الحملة إلى جبهة مؤيدة وأخرى معارضة، ولكن الجبهتين تتفقان في شيء واحد وهو تأثير الحملة على حركة بيع السيارات في مصر بوجه عام، والجديدة منها بوجه خاص، فمن الواضح أن الحملة آتت أُكلها من إحدى الأوجه على الأقل، وكان لها تأثير ما على سوق السيارات بانخفاض المبيعات بنسب تصل لـ50% عن نفس الفترة من العام الماضي.

كيف يرى المختصون الحملة؟

من جهة أخرى، كان لخالد أباظة، الصحفي المتخصص في السيارات على مدار 20 عامًا، رأي آخر حول الحملة وجهودها، قائلًا لـ"ألترا صوت" إن "القائمين على الحملة يفتقدون للحد الأدنى من المعرفة حول صناعة السيارات".

وبحسب أباظة فإن بعض القائمين على الحملة "ينتفعون من ورائها"، موضحًا: "يستغلون الحملة لتحقيق مكاسب شخصية، بالاتصال بالتجار والوكلاء، ومساومتهم على إيقاف الحملة وتهدئة المستهلكين مقابل المال".

يشدد أباظة على أن ارتفاع أسعار السيارات هو حصيلة "دورة إنتاج كاملة لقطاع ضخم"، مشيرًا إلى أن بعض الإجراءات في استيردات وبيع السيارات تغيب عن المستهلك، كما تغيب عن أوراق الاستخلاص الجمركي!

هامش ربح التجار

كما سبق وأشرنا، فإن صور الإفراج الجمركي كانت الحطب الذي أشعل مرة أخرى حملة "خليها تصدي"، بعد أن كشفت عن فارق كبير بين القيمة في الإفراج الجمركي والسعر المعلن من قبل التاجر.

يُقر خالد أباظة على أنه بالفعل بعض السيارات يصل فيها هامش الربح إلى ما يزيد عن 100 ألف جنيه، لكن هذا الهامش يكون في عدد من السيارات الفراهة جدًا، في حين أن السيارات الكورية واليابانية المتداولة، لا يتعدى فيها هامش الربح 10% من قيمة السيارة.

وعلق أباظة أيضًا على صور الإفراجات الجمركية، ليؤكد أنها صحيحة "لكن فهمها المتداول خاطئ"، موضحًا: "من الخطأ اعتبار أن الفارق كله هامش ربح للوكيل والتاجر فهناك بنود أخرى تتبع الإفراج عن السيارة من الميناء لكنها لا ترد في الأوراق الرسمية". 

واستطرد الصحفي المتخصص في السيارات: "بمجرد وصول السيارة إلى الميناء المصري يبدأ عمل مخلص جمركي يتقاضى نسبة عن كل سيارة، فضلًا عن تكلفة رصيف الميناء والتي تتضمن الحراسة وكشف المفرقعات والتخزين اليومي، وبعد ذلك تبدأ رحلة النقل من الميناء إلى المنطقة الحرة، ومنها إلى مخازن الشركة. كما أن التجار يقومون بالتأمين على السيارات خلال عملية النقل بواقع 2.5% من قيمة كل مركبة، لحين وصولها للمخازن".

لا تنتهي الرحلة هنا، فبعد وصول السيارات لمخازن الوكلاء، تبدأ رحلة أخرى من التكاليف تتمثل في مرحلة فحص ما قبل التسليم، وحملات الدعاية والإعلان، ورواتب العاملين ومصاريف تشغيل صالات العرض، وكل ذلك بحسب أباظة "يُحمّل على ثمن كل سيارة!

"خليها تصدي".. ماذا تنتظر؟

وردًا على سؤال ما إذا كان هناك خطوات تصعيدية مرتقبة للحملة خلال الفترة القادمة، قال محمد راضي ، مؤسس "خليها تصدي"، لـ"ألترا صوت"، إن الحملة "ماضية في نفس طريقها دون تغيير أو تصعيد، حتى يجد جديد في قطاع السيارات، مثل تغيّر سعر صرف الدولار، أو غيرها من المتغيرات التي تؤثر بشكل مباشر على أسعار السيارات"، متوقعًا أن يستمر الزخم حول الحملة لمدة تتراوح ما بين أربعة إلى ستة أشهر "حتى يذعن التجار"، بتعبيره.

قد يبدو هدف "القضاء على جشع التجار" للبعض مرنًا وواسعًا ولا يمكن تحقيقه بشكل متفق عليه دون تحديد معايير، لكن راضي يرى أن "الأهداف لا معايير محددة لها، فالحملة تتبع سياسة النفس الطويل"، لافتًا إلى أن الحملة في موقف قوة بالمقارنة بالتجار والوكلاء.

 لا تنوي حملة "خليها تصدي" التصعيد في الفترة الحالية حتى يجدّ جديد في قطاع السيارات المصري مثل أي متغيرات تؤثر عليه

يقول راضي: "المستهلك لن يموت إذا لم يشتري سيارة موديل 2019. لكن التاجر عنده مبالغ تتراكم عليه نتيجة توقف دورة رأس المال، ولذلك لابد أن يستجيب لمطالب المستهلك".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صناع السيارات الألمان يستثمرون في الصين.. باب مستقبل السيارات الكهربائية

خطط عملاقة.. فورد تستثمر 11 مليار دولار في السيارات الكهربائية

كيف سيؤثّر التحول للسيارات الكهربائية على سوق العمل في ألمانيا؟

لماذا يخشى سائقو أوبر على حياتهم في إسطنبول؟