06-مايو-2023
k

مبادرات عديدة أطلقها مصريون لاستقبال اللاجئين السودانيين. (GETTY)

بحثًا عن ملاذٍ آمن، يفرّ السودانيون بأنفسهم وأهاليهم من بيوتهم هربًا من الحرب والخوف، إلى مستقبلٍ غير واضح المعالم، مُعَلّقين الآمال على قُرب انتهاء الأزمة التي عصفت بالسودان منتصف نيسان/ أبريل الماضي. ورغم انتظار بعضهم عودة الأحداث لمجاريها، إلا أن قرابة 73 ألف شخص قرروا الفرار بأرواحهم من السودان إلى دولٍ مجاورة حتى الآن، في حين تتوقع الأمم المتحدة أن يتجاوز عدد المهجرين 800,000.  

ورغم محاولة استغلال قرارات الهدنة ووقف إطلاق النار "الهشة" ما بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للفرار من الصراع، لم يسلم النازحون من الانتهاكات والابتزاز والنهب. كما أفادت وكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة الجمعة "أن السودان يشهد حركة نزوح هائلة إذ يفر المدنيون الذين يعانون من العواقب الوخيمة للعنف الدائر بحثًا عن الأمان"، وبسبب ذلك اضطرت العديد من عمليات الإغاثة إلى التوقف.

رغم الصعوبات الاقتصادية والمعيشية، لم يتوانَ كثير من المصريين عن إنشاء مبادرات فردية أو جماعية لتخفيف وطأة الحرب عن اللاجئين ومساعدتهم وسط ما ألَمّ بهم من فقد وضياع.

كما أعرب محمد عثمان الباحث في شؤون السودان في منظمة هيومان رايتس ووتش عن قلقه قائلًا إنه "منذ بدء القتال، أظهر طرفا النزاع في السودان تجاهلًا قاتلًا للسكان المدنيين"، وشدد على أنه "من الأهمية بمكان أن تلتزم الأطراف المتحاربة بقوانين الحرب بالكامل وأن تحترم حقوق الإنسان".

نتيجةً لما سبق، توجه بعض السودانيين نحو دول الجوار كمصر وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى، بينما توجه البعض الآخر نحو جنوب السودان، إذ بلغ عدد السوادنيين الواصلين إلى مصر أكثر من ١٤ ألف مواطن، بحسب آخر بيان لوزارة الخارجية المصرية بتاريخ 27 نيسان/ أبريل الماضي.

وبعد الصعوبات الكثيرة التي واجهها السودانيون خلال رحلتهم، وجدوا الترحاب من قبل الكثير من المصريين. فرغم الصعوبات الاقتصادية والمعيشية، لم يتوانَ كثير من المصريين عن إنشاء مبادرات فردية أو جماعية لتخفيف وطأة الحرب عن اللاجئين ومساعدتهم وسط ما ألَمّ بهم من فقد وضياع.

 في هذا التقرير رصد ألترا صوت عددًا من المبادرات الشعبية المصرية لاستقبال السودانيين.

مبادرات فردية

مع أن بعض المؤسسات والتجمعات النقابية أعلنت عن مبادرات شملت خدمات عديدة، تظل السمة العامة للمساعدات المقدمة للاجئين السودانيين تتمثل في أن معظمها نتج عن مبادرات شعبية فردية.

الصحفية والكاتبة مروة كامل بدأت حملة لمساعدة الطلبة المصريين العالقين في الخرطوم للوصول إلى مصر. تقول مروة لألترا صوت إنه بعد مساعدتها لبعض الطلاب بدأ العديد من السودانيين من داخل السودان بالتواصل معها حول كيفية الوصول إلى الحافلات الناقلة للوصول إلى مصر، فاستطاعت من خلال معارفها في السودان ومصر أن تربط ما بين الراغبين بالقدوم إلى مصر والأشخاص والحافلات القادرة على نقلهم، وهكذا أخذت مروة دور الوسيط بين العالقين في السودان وبين مقدمي الخدمات القادرين على مساعدتهم.

ن
تظل السمة العامة للمساعدات المقدمة للاجئين السودانيين تتمثل في أن معظمها نتج عن مبادرات شعبية فردية. (GETTY)

تقول مروة إن "الإحساس بأنهم ناس كان ليهم بيوتهم ومستريحين ومبسوطين ماديًا، ثم يصبحوا بيوم وليلة لاجئين، شيء قاسٍ لأبعد الحدود... ابن صديقتي كان يستيقظ بفزع وخوف من نومه بسبب ما عايشه خلال الحرب من أصوات لإطلاق النيران في السودان".

وتضيف أن مشكلة ندرة وسائل النقل في السودان نتيجة لعدم توفر البنزين كانت مشكلة أساسية كان عليها تجاوزها، إضافة إلى أن الكثير من السودانيين وصلوا إلى أسوان مجهدين وكانوا بحاجة للراحة، فلم يكن من السهل إيجاد مأوى لهم بسبب موسم السياحة الذي أدى إلى إشغال معظم الفنادق، ولكنها استطاعت أن تؤمن مساكن لهم وبأسعار مختلفة، إذ تراوحت أسعار بعض الغرف بين 100 جنيه و400 أو 500 جنيه وصولًا إلى 1000 جنيه، فتنوعت الأماكن حسب الطلب.

مروة كامل: الإحساس بأنهم ناس كان ليهم بيوتهم ومستريحين ومبسوطين ماديًا، ثم يصبحوا بيوم وليلة لاجئين، شيء قاسٍ لأبعد الحدود.

كما ذكرت مروة أن العديد من الأهالي فتحوا بيوتهم للسودانيين للسكن فيها ولم يتوانوا عن ذلك.

وتؤكد مروة أنه لا يوجد نقص في المبادرات وأنها كثيرة، ولكن هناك حاجة لتوحيدها تحت مظلة جهة واحدة تجمع ما بينها وتنظمها حتى تستمر وتصل لعدد أكبر من المحتاجين.

الطبيب المصري، أحمد نبيل، أعلن أيضًا عن تقديم خدمات كشف منزلي للمسنين السودانيين بأسوان مجانًا، وذلك خلال وجوده ضمن قافلة طبية متوجهة إلى محافظة أسوان، إذ شارك الطبيب منشورًا عبر صفحته على فيس بوك يعبّر فيه عن استعداده لتقديم الكشف مجانًا.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات لسودانيين يعبرون عن شكرهم لملاك بيوت رفضوا تحصيل بدل إيجار شقق لهم، تعبيرًا عن دعمهم ومؤازرتهم. يقول الناشط الاجتماعي كون ميول إياي، الذي شارك عبر صفحته على الفيس بوك منشورًا يشكر فيه صاحب الشقة التي يسكن بها، والذي طلب منه إرسال الإيجار لعائلته في السودان بدلًا من دفعه، يقول لألترا صوت إن "حالة بعض السودانيين منهارة تمامًا، وحالتهم المادية ليست مستقرة". ويضيف قائلًا: "أمي وباقي إخوتي مازالوا في السودان، نسأل الله أن يحفظهم. أنا من جنوب السودان ولكن أغلب أفراد عائلتي مقيمون في الخرطوم وأم درمان والسامراب، وغالبية المناطق تكثر فيها الاشتباكات".

كما نشأت مبادرة أخرى قام بها العديد من الأفراد في وادي كركر بمدينة أسوان، إذ ارتكزت على الترحاب بالواصلين للمنطقة وتقديم المياه والعصائر والوجبات لهم. الحاج علاء بحر، أحد المساهمين في هذه المبادرة، قال لألترا صوت إن العديد من أهالي المنطقة فتحوا بيوتهم للسودانيين ليشعروهم بالأمان.

مبادرات من وحي وسائل التواصل الاجتماعي

مصريون كثيرون قرروا المشاركة كل على قدر استطاعته وبما يملك في مبادرات رصدناها على منصات التواصل الاجتماعي. إذ شاركت مؤَسِسة مؤسسة مرسال للأعمال الخيرية، هبة راشد، عبر صفحتها على تويتر مبادرة تعرض من خلالها تقديم حليب الأطفال وخدمات طبية عاجلة للسودانيين.

كما شارك آخرون ما شهدوه من مبادرات ليحثوا من خلالها الآخرين على المبادرة للوقوف بجانب السودانيين، كما فعل الصحفي أحمد الخطيب عبر صفحته على الفيس بوك عندما عبّر عن فرحته بما قدمه أهالي دراو- أسوان من كرم ضيافة ومؤازرة . وشارك صانع محتوى السفر أحمد البدوي فيديو ينصح فيه الجميع بمساعدة السودانيين.

وانطلقت قبل أيام حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بإلغاء تأشيرة دخول السودانيين لمصر، والتي عبر المشاركون فيها باستخدام وسم "إلغاء تأشيرة دخول السودانيين لمصر" عن استعدادهم لاستقبال السودانيين بسبب الأزمة التي عصفت بهم. كما أوضح البعض أن إلغاء تأشيرات الدخول قابل للتطبيق بناءً على اتفاقية "الحريات الأربع" التي وُقِعت بين مصر والسودان عام 2004.

في المقابل، ارتفعت أصوات لفئة بقيت متحفّظة على المبادرات لمساعدة السودانيين ورفضتها مببرة موقفها بصعوبة الأوضاع المعيشية التي يعيشُها المصريون اليوم.

يقول الطبيب أحمد نبيل إن "الأرزاق كلها بيد الله... مصر هي الأخت الكبرى لجميع العرب، ومساعدة المنكوبين تكاد تكون موجودة في الجينات المصرية، نحن في النهاية أمةً واحدة وشعب واحد مهما حاول أي شخص بث الفرقة بيننا."

لا توجد إلى الآن أي تقديرات حول قُرب انتهاء الأزمة السودانية التي تسببت بنزوح الكثيرين من أراضيهم، ورغم ذلك تزداد المباردات والأيدي الممتدة لتقديم يد العون يوماً بعد يوم، لتضع السياسة وحدودها جانبًا وترسم حدودًا أخرى أكثر إنسانية.