17-أبريل-2023
Getty

الخلافات بين البرهان وحميدتي انطلقت من بعد انقلاب أكتوبر 2021 (Getty)

تعززت قوة التحالف بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) خلال انقلاب 25 تشرين أول/ أكتوبر 2021، على المكون المدني واستحواذهما على السلطة، وقبلها تلاقت مصالحهما بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في نيسان/ أبريل 2019 خلال تشكيل مجلس السيادة الذي يقود البلاد.

العلاقة بين البرهان ودقلو، شهدت تقاربًا قصيرًا، تكلل في الانقلاب، ومن بعده انطلقت الخلافات 

ومع الأيام تزايد نفوذ وقوة كل طرف، وصولًا إلى أيار/مايو 2021، حين اندلع الخلاف بين البرهان ودقلو، وكاد أن يتحول إلى اقتتال، لكنه بقي في الدوائر المغلقة، وذلك بعد وساطة رئيس الوزراء حينها عبد الله حمدوك، وأعضاء من المكون المدني من مجلس السيادة، أفضت إلى مصالحة بين قائد الجيش وقائد الدعم السريع في منزل حمدوك.

https://t.me/ultrasudan

بعد أشهر من هذه المصالحة، التي عملت على تأجيل ظهور الخلافات، التي تدور حول توسيع النفوذ والتحكم به والبقاء في سلطة، خرج حميدتي للعلن في "مراجعة موقف"، قائلًا: إنه "اكتشف منذ اليوم الأول أن قرارات قائد الجيش عام 2021، والتي أقصى فيها الحكومة المدنية تم اتخاذها لتكون بوابة لعودة نظام المؤتمر الوطني المعزول". مشيرًا إلى أن الانقلاب فشل، وأصبح عاجزًا عن تشكيل حكومة، تواجه تفاقم تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في البلاد، كما تحدث عن دور لجهات مرتبطة بالاستخبارات السودانية التابعة للبرهان في إثارة التوتر بجمهورية أفريقيا الوسطى، معلنًا اعتكافه في إقليم دارفور غربي السودان. 

وفي أيلول/سبتمبر، عاد حميدتي معلنًا دعمه لمشروع دستور انتقالي أعدته نقابة المحامين السودانيين، وكانت أهم بنوده تنص على إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، ودمج كل القوات شبه نظامية في مؤسسة الجيش، من خلال عملية إصلاح أمني وعسكري شامل، تنتهي بقيام جيش موحد. 

وأعرب دقلو، في حينه، عن أمله في أن يكون مشروع الدستور الجديد نافذة أمل لبناء الثقة بين الأطراف السودانية كافة، في سبيل الوصول إلى اتفاق شامل لحل الأزمة السودانية. وما سبق، كلها نقاط إشكالية كانت تساهم في توتر العلاقة بينه وبين البرهان، وذلك في مجلس عسكري، يتزعمه الرئيس والنائب.

Getty

وبعد وساطة إقليمية ودولية، وبعد مقترحات للتسوية السياسية بين المكون العسكري والمدني، تم التوقيع في 5 كانون الأول/ ديسمبر 2022، على اتفاق إطاري بين العسكر والمدنيين لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد. 

كما وقع البرهان وحميدتي على الاتفاق، ولكل بصورة منفصلة. ونص الاتفاق على أن التوقيع النهائي مرتبط بعقد 5 ورش تدرج توصياتها في الاتفاق النهائي. وخصصت تلك الورش للإصلاح الأمني والعسكري، واستكمال عملية السلام، وتجديد خريطة الطريق لتفكيك نظام البشير، ولبحث ملف شرقي السودان، والعدالة الانتقالية. وفي حين أظهر البرهان تحفظه على العملية، سارع حميدتي لدعمها. 

وبناءً على ما سبق، أعلن الجيش السوداني أن السير بالاتفاق الإطاري مرتبط بدمج قوات الدعم السريع في الجيش، وطالب بأن تكون هناك قيادة واحدة للجيش. كما طالب بجعل المشروعات المالية والشركات التابعة لقوات الدعم السريع تحت تصرف وزارة المالية وتخضع للإجراءات الحكومية المعروفة، كما اشترط أن يكون هو من يحدد تحركات وانتشار القوات وفق عملية الدمج.

بالمقابل، اتهم حميدتي قيادات في الجيش بالتخطيط للبقاء في الحكم وبأنها لا تريد مغادرة السلطة، وذلك بعرقلة الاتفاق الإطاري وفق المطالب التي طرحتها. لكنه، أعلن في نفس الوقت نفسه تأييده لعملية الدمج، بشرط أن تتم وفق جدول زمني متفق عليه.

واشترط كذلك مساواة ضباط قوات الدعم السريع في نظرائهم بالجيش، فيما يخص الامتيازات والترقيات، كما طالب بالتزام الجيش السوداني بالدستور الذي سيتم إقراره. معلنًا التزامه بالاتفاق الإطاري في حال توقيعه لتسليم السلطة للمدنيين، الذي سيعزز الاستقرار في البلاد، وفق قوله.

ومع انطلاق المرحلة النهائية للاتفاق الإطاري، في كانون ثاني/ يناير الماضي، كانت كل المؤشرات توحي بأن التوتر بين البرهان وحميدتي، يتجه نحو نقطة اللاعودة.

Getty

وعزز ذلك خطاب متلفز في 19 شباط/ فبراير 2023، لحميدتي يقر فيه بخطأ مشاركته في الانقلاب العسكري على رئيس الحكومة المؤقتة السابق عبد الله حمدوك عام 2021. واتُهم قادة الجيش بتقويض الانتقال إلى الحكم المدني بعد الإطاحة بالبشير في عام 2019، وساهم هذا الخطاب بالتأثير على عمل ورش الإصلاح الأمني والعسكري، ضمن مفاوضات الاتفاق السياسي النهائي مما أدى إلى تعطيلها. 

ورغم ما سبق، وفي 15 آذار/ مارس الماضي، وبعد وساطة اللجنة الرباعية، وقع البرهان وحميدتي على ورقة مبادئ الإصلاح الأمني والعسكري، التي حددت السقف الأقصى لدمج قوات الدعم السريع في الجيش بعشر سنوات. لكن، هذا الاتفاق لم يترجم على الأرض، فقد انسحب الفرق الممثلة للجيش من ورش الاتفاق النهائي، احتجاجًا على ما وصفوه بعدم حسم الموضوعات المهمة المتعلقة بعملية الدمج. ليتم تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي بسبب الخلافات داخل المكون العسكري، للمرة الأولى، قبل أن يتم تأجيله في المرة الثانية، إلى أجل غير مسمى.

ومع سياق مركب ومتشابك، يسعى فيه البرهان للحفاظ على مكانه، ويدفع فيه حميدتي باتجاه وصوله إلى المنصب الأول في المؤسسة العسكرية، اندلعت المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يوم السبت، في غالبية المدن السودانية، وسط اتهامات متبادلة من الطرفين بتعطيل العملية السياسية، وجر البلاد نحو المجهول، بالإضافة إلى واقع ميداني ضبابي حتى الآن، مع اشتباكات مستمرة في العاصمة الخرطوم وحتى شمال البلاد.

انطلقت الاشتباكات يوم السبت، في لحظة تظهر أن كل طرف لن يتراجع عن موقفه، وأن أيام القتال هذه ستذهب حتى النهاية من أجل حسم الموقف

وعلى نسق الاتهامات السابقة، تبادل كل طرف منذ صباح السبت الاتهامات، تجاه الطرف الآخر ببداية المعارك، حيث يشير الجيش إلى أن الدعم السريع هاجم مقراته في المنطقة الرياضية بالعاصمة الخرطوم، وحاول التقدم تجاه القصر الرئاسي وغيرها من مقرات الجيش، فيما تقول الدعم السريع، إن القتال اندلع بعد هجوم الجيش على مقراتها. وفي تكثيف للصراع بين البرهان ودقلو يدور القتال حاليًا حول مقر القيادة للجيش السوداني، كما الخلافات تتعدد الروايات، بينما "يدور الحديث عن عشرات العناصر المحاصرة"، كما يقول الجيش، أعلن الدعم السريع عن السيطرة على مقر الاستخبارات العسكرية في القيادة العامة.