22-أكتوبر-2023
متظاهر في ماليزيا يرفع لوحة مؤيدة لفلسطين

(Getty) من مظاهرة في ماليزيا

سيمرّ الوقت، بضعة أشهر أو سنة لنكتشف بشكلٍ مفصّل كيف استطاعت المقاومة في غزّة تنويم أهم أجهزة الاستخبارات في العالم كالشاباك وأمان والموساد، التي بدورها خدّرت أقوى جيوش المنطقة وشلّته تمامًا في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي سيشكّل تحولًا كبيرًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وقاعدة صلبة سيُبنى عليها بعيدًا عن النكبات التي لاحقتنا منذ العام 1948.

صباح السابع من تشرين الأول/أكتوبر، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تطلق آلاف الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، وأن تتخطى كل التقنيات وأجهزة الاستشعار ومراكز القصف الآلية المركّزة على جدار الفصل العنصري، وأن تدمّر بعض أجزائه ثم نقلت المعركة إلى "غلاف غزة"، حيث استطاعت الدخول إلى مواقع عسكرية وأمنية ومنها أخذت الأسرى إلى جانب بعض الكنوز الاستخباراتية وعادت بهم إلى غزّة، كما بقيت بعض المجموعات في المستوطنات تقاتل على الأراضي المحتلة لأيام.

ستكون هذه العملية مادة لدراسات عسكرية ستقوم بها مراكز الأبحاث المختصة، بالإضافة إلى المعاهد العسكرية حول العالم، كما ستكون قيد الدرس من قبل اللجنة التي ستشكلها اسرائيل لاحقًا للتحقيق في الأخطاء التي وقعت، وكيف تمّ أخذ هذه الدولة المتكبرة على حين غرّة، سنترك التحليل العسكري لأصحابه، نقرأ عنه وفيه لاحقًا.

صعقت المقاومة العدو والصديق، القريب والبعيد بهذه العملية التي لم يكن ليتخيلها العدو في أسوأ كوابيسه، وأعادت لمن فقد الأمل بأن التحرير ممكن

لن نسأل لماذا قامت المقاومة بهذه العملية، فالجواب بسيط ومعروف رغم أن "البعض" نسيه أو تناساه في خضم الحمّى التي استشرت في الأعوام القليلة الماضية. لكننا سنسأل ما الذي حققته المقاومة إلى الآن؟

1- صعقت المقاومة العدو والصديق، القريب والبعيد بهذه العملية التي لم يكن ليتخيلها العدو في أسوأ كوابيسه، وأعادت لمن فقد الأمل بأن التحرير ممكن، وأخرست كل المتخاذلين الذين يروّجون منذ سنوات لانتهاء القضية.

2- استطاعت المقاومة أن تخطط وتنسّق عملية طوفان الأقصى بسريّة تامة، وهذا يؤكّد أنها استطاعت القضاء على أي جاسوس محتمل داخلها، وهذا تطوّر كبير جدًا في أمن المقاومة، وإهانة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية التي جنّدت آلاف الجواسيس في الماضي واستفادت منهم.

3- استطاعت المقاومة أن تنفّذ عمليتها دون أن تطلق الإنذارات المبكرة لأجهزة الجيش الاسرائيلي المختلفة، وهذا يتضح في الدخول إلى الأراضي المحتلة وأخذ المراكز العسكرية وأسر الجنود.

4- أربكت المقاومة الجيش الإسرائيلي فتأخر ردّ فعله، مما سمح لها بأخذ الأسرى والعودة بهم إلى غزة، كما أهانت عناصره برتبهم المختلفة حيث تمّ أسر العديد منهم في ثيابهم الداخلية.

5- استطاعت المقاومة أن تأسر عددًا كبيرًا من الإسرائيليين (ما يزيد عن 250 أسيرًا)، وهنا مربط الفرس.

6- ما زالت المقاومة تطلق الصواريخ باتجاه الاراضي المحتلة بمدى أبعد وبدقّة أعلى، مما يشير إلى فشل القوات الجويّة في تحييد المنظومة الصاروخية رغم القصف الجنوني.

لكن الأهم من كل ذلك، أعادت المقاومة بهذه العملية القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بعد كل عمليات التهميش المدروسة والممنهجة التي اتبعها العدو، ومن لفّ لفيفه من دول بعيدة وقريبة وأشباه سلطات تتباهى بالعمل عند المحتل.

أفترض أن المقاومة قد حسبت ردّ الفعل الاسرائيلي خلال التخطيط لعملية طوفان الأقصى ودرست كل السيناريوهات الممكنة -حتى سيناريو فشل العملية منذ بدايتها- ووضعت خططًا للردود المحتملة التي سيقوم بها هذا العدو، وإذ نراه اليوم متخبطًا لا يعرف ماذا سيفعل فلأنه يدرك أن من خطط للفعل جاهزٌ لردّة الفعل، ومن نجح في الهجوم سيُبدع في الدفاع.

ما الذي قامت به اسرائيل إلى الآن؟ كذب ومجازر

بدأ الإسرائيلي منذ الساعات الاولى في ترويج أكاذيب عن قتل الأطفال والنساء وصدّق العالم هذه الأكاذيب في البداية مما أدّى إلى تعاطف دولي معهم (بالإضافة إلى التواطئ العالمي المعهود)، لكن السحر بدأ ينقلب على الساحر مع ثبوت كذبهم ونشر المقاومة لفيديوهات تظهر تعاملها الإنساني مع الأطفال (وكأني بهم قد خمّنوا أكاذيب العدو قبل أن يطلقها فتجهزوا له).

لم يقم الجيش الإسرائيلي حتى اللحظة بأي عمل عسكري، كل أفعاله هي أفعال إرهابية تهدف إلى الضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة من أجل وضع ضغط أكبر على المقاومة، وهذا التكتيك هو ذات تكتيك المنظمات الإرهابية التي تحاول قتل أكبر عدد ممكن من المدنيين، والذي يعتمده العدو منذ مجزرة دير ياسين واللدّ وخان يونس وقانا، وصولًا إلى مجزرة مستشفى المعمداني في الحرب الحالية.

نسمع كل يوم تصريحات عن اجتياح برّي لتهجير اهل غزة باتجاه سيناء والقضاء على المقاومة في غزّة، وكثرة التصريحات دليل ضعف وتخبط وتهويل، كما أن هذا الهدف غير ممكن بكل بساطة لأن أهالي غزّة متشبثون بأرضهم رغم المجازر الاسرائيلية، كما أن الجيش الإسرائيلي متردد في الدخول إلى غزّة لأنه في عماء تام عمّا حضّرته له المقاومة هناك من أفخاخ وكمائن وأنفاق وأسلحة وتكتيكات جديدة. وهذا تؤكده أيضًا إطالة عمليات القصف الجوّي، من أجل منح المجلس الحربي الإسرائيلي المزيد من الوقت لاتخاذ قرار لا يورطهم في كارثة أكبر من التي لحقت بهم في اليوم الأول.

رغم المجازر الشنيعة التي يرتكبها العدو الصهيوني، إلا أن هذه الحرب غيّرت الكثير من المعادلات، وسيأتي تثبيت هذه المعادلات في مرحلة لاحقة ليكون حجر زاوية في التأسيس لمرحلة نضالية جديدة

الأسرى.. مربط الفرس!

الإسرائيلي بحاجة إلى مكسبٍ ما لترميم صورة جيشه وأمنه التي هشّمتها المقاومة، ولمواجهة الضغوطات الداخلية عليه والتي ستزداد أكثر كل يوم. السقف العالي من إنهاء المقاومة وتهجير سكان القطاع هي تصريحات استهلاكية لا قيمة لها ولا يستطيع تحقيقها مهما فعل، ومع الأسابيع القليلة المقبلة سيجلس على طاولة المفاوضات.. مرغمًا.

المقاومة من جهتها تمتلك الورقة الرابحة في أي مفاوضات مقبلة، وقد بدأت باستعمالها حيث إن القصف الإسرائيلي يقتل الأسرى أيضًا، وهذا يحوّل الضغط بالاتجاه المعاكس: الداخل الإسرائيلي والدول الغربية. كما أن إطلاق سراح رهينتين أمريكيتين لدواعي إنسانية سيكون له صدى إيجابي في التصدي للزخم الإعلامي في شيطنة المقاومة، أقلّه أمام الرأي العام.

العدد الكبير من الأسرى لن يكون في سبيل التبادل فقط وتحرير الأسرى الفلسطينيين، وهذا يدركه الإسرائيلي جيدًا. لذلك فهو سيحاول بكل الطرق محاولة تحرير بعضهم لتسجيل نصر إعلامي محدود، لاستعادة بعض ماء الوجه من جهّة وتخفيف الضغط الداخلي الذي سيواجهه.

أخيرًا، رغم المجازر الشنيعة التي يرتكبها العدو الصهيوني، فهذه الحرب غيّرت الكثير من المعادلات، وسيأتي تثبيت هذه المعادلات في مرحلة لاحقة ليكون حجر زاوية في التأسيس لمرحلة جديدة.

شكرًا للمقاومة في غزّة التي زلزلت الوعي الجمعي المخدّر بالتخاذلات المتراكمة، شكرًا للمقاومة التي صدحت بالصوت العالي رغم الموت سننتصر.