في ساعات مبكرة من يوم السبت، الـ8 من آب /أغسطس الجاري، توفي الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، عن عمر يناهز 80 عامًا بعد مرض ألم به مؤخرًا. وقد قدم الرجل لنفسه في حياته كضمير أخلاقي للعالم، بينما يأخذ عليه منتقدوه مجموعة من الكوارث الدموية التي تركت بقعًا لا تمحى في سجله كحارس سلام.

انضم كوفي عنان إلى المنظمة الأممية منذ عام 1962، وكان أول أفريقي أسود يرأس الأمم المتحدة عندما تولى قيادتها لمدة فترتين متتاليتين، ابتداء من عام 1997 إلى 2007

ويعد عنان أحد أشهر الدبلوماسيين الذين مروا في تاريخ الأمم المتحدة. انضم إلى المنظمة الأممية منذ عام 1962، وكان أول أفريقي أسود يرأس الأمم المتحدة عندما تولى قيادتها لمدة فترتين متتاليتين، ابتداء من عام 1997 إلى 2007، وقد حصل على جائزة نوبل للسلام في عام 2001.

في وقته، تعمقت الهوة بين مؤسسات الأمم المتحدة والقوى العظمى، ووصلت إلى الحضيض في غزو العراق، عندما قررت الحملة الأمريكية البريطانية مواصلة الغزو تحت ذريعة "نزع السلاح الكيماوي من النظام العراقي"، على الرغم من اعتراضات الهيئة الأممية، وكان كوفي عنان قد وصف آنذاك التدخل العسكري بأنه "غير قانوني".

مع ذلك، اتُهم عنان بالفشل في حماية مئات آلاف المدنيين خلال الحرب الأهلية في رواندا والبوسنة، بعدما تماطلت الجيوش الغربية في التدخل سريعًا لإنقاذ الأبرياء. لكنه "شعر بأن البلدان التي أدارت ظهرها للروانديين والبوسنيين هي التي جعلت منه كبش فداء"، كما كتبت سامانثا باور، سفيرة الأمم المتحدة خلال إدارة أوباما، "فكان يعرف أن اسمه سيظهر في كتب التاريخ إلى جانب اثنتين من جرائم الإبادة العرقية التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين".

اقرأ/ي أيضًا: الأمم المتحدة والتلاعب التاريخي بفلسطين.. نقاشات هزلية وتغييب لأصحاب القضية

وعانى كوفي عنان أيضًا من خسارة شخصية حادة، حينما توفي أحد المسؤولين المقربين منه، وهو البرازيلي سيرجيو فييرا دي ميلو، ممثله في بغداد، في هجوم انتحاري بشاحنة ملغومة ضربت مكتب الأمم المتحدة في آب/أغسطس 2003، مما أسفر عن مقتل ممثله الشخصي والعديد من المدنيين. بجانب ذلك وُجهت إلى ابنه كوجو عنان اتهامات بالاختلاس، ارتباطا بفضيحة الصفقة المعروفة بـ"النفط مقابل الغذاء".

على الرغم من النكسات المتسلسلة، أدار عنان المسرح العالمي برشاقة، في حلته الأنيقة وشخصيته الكاريزمية. "كان يبدو وكأنه يشع هالة من النزاهة والسلطة"، كما كتب عنه الكاتب السياسي الكندي مايكل إجناتييف. الذي يضيف: "الكاريزما الشخصية ليست سوى جزء من القصة، بالإضافة إلى سحره، هناك السلطة التي تأتي من التجربة. قلة من الناس أمضوا الكثير من الوقت حول مائدة المفاوضات مع البلطجية وأمراء الحرب والديكتاتوريين. لقد جعل نفسه مبعوثًا للعالم إلى الجانب المظلم"، فيما لقبه البعض بـ"البابا العلماني الذي كان يفتقد لسلطة تنفيذ معاييره الأخلاقية على الخريطة العالمية".

عندما غادر الأمم المتحدة عام 2008، أنشأ كوفي عنان مؤسسة غير ربحية لتعزيز معايير سامية للحكم العالمي. وفي عام 2012 عُيّن مبعوثًا مشتركًا لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة للسعي إلى تسوية تنهي الحرب الدائرة في سوريا، لكنه استقال بعد ذلك في نفس العام من الإحباط، بسبب عدم قدرته على جمع الأطراف المتصارعة.

وقد نعى الراحل عدد من القيادات الدولية، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قال عنه، إنه يتحمل "مسؤولية خاصة تجاه إفريقيا. تحية فرنسا له. لن ننسى أبدا هدوءه ونظرته الحازمة ومعاركه القوية". فيما أشاد أنطونيو جوتيريس، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، بدوره الحيوي في تنشيط المنظمة، قائلًا: "كان كوفي عنان هو الأمم المتحدة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الطريق لتغيير هيكلية مجلس الأمن؟

دماء سربرنيتسا لم تجف.. إدانة "جزئية" لهولندا في المذبحة