20-يناير-2021

رامي مخلوف (ألترا صوت)

يذهب رامي مخلوف في جميع ظهوراته الفيسبوكية مذهبًا مخالفًا لما يذهب إليه الناس، ففي الوقت الذي يعمل فيه هؤلاء على مقاربة قبح الواقع وقسوته عبر المجاز كما في قولهم "الحياة ابنة كلب"، يأتي رامي ليتربع على بساطهم ليشده إليه، يسحب المجاز من فضائه العام، يسقط على نفسه، يجعله على مقاس حالته الوجودية التي صار إليها بعد طرده من جنة الأسد التي عاش فيها دهرًا.

أثبتت الوقائع في قضية رامي، أن التسامح الذي تبديه السلطة الأسدية حيال احتجاج بعض رجالاتها على مصيرهم، سرعان ما يتحول إلى صالحها

تستولي تلك العبارة على روح الرجل، تستوطن كل جارحة من جوارحه، فيقع في هواها، فكيف لا تكون الحياة ابنة كلب، قبيحة مخادعة ليس لها صاحب، وقد انحدرت به من مكانة رجل السلطة القوي الذي يحل ويربط ويخلق عبر الكلمات، إلى مستوى ابن الشارع العادي الذي لا حول له ولا قوة، لا شأن ولا قيمة، الذي ما إن تنتهك حقوقه وكرامته الشخصية حتى يجد عزاءه في الخسارة بالقبول بأقل الخسارتين أو الشرّين، خسارة كرامته الشخصية مقارنة بخسارة حياته على نحو مبرم لا فكاك منه.

اقرأ/ي أيضًا: رامي مخلوف.. سقوط المحرّم الرابع

تبدو ظاهرة رامي مخلوف أمرًا غير مألوف في الفضاء السياسي للسلطة الأسدية، التي ما أن تحكم على رجل من رجالتها السلطويين بالسقوط أو النبذ أو النفي حتى نراه راضيًا قانعًا إلى ما صار إليه، كيف لا وقد تكرمت عليه اليد الأسدية المعاقبة بالاحتفاظ بجميع ما سطا عليه من أملاك وأموال في ظل خدمته المتفانية لها، إلا رامي الذي أبدى رفضًا غير مسبوق لعملية إقصائه غير المتوقعة، ذلك أنه لم ير فيها سوى عملية إزاحة غير مبررة، نفذت على خلفية اتهام الرجل بأمانته وأخلاقه، بينما كمنت حقيقتها في نقل مركز الثروة الأسدية، التي ظل يديرها من يديه إلى يدي أسماء الأسد، في مقدمة لتأمين عملية الانتقال السلس والسهل للسلطة من بشار إلى ابنه حافظ فيما بعد.

أثبتت الوقائع في قضية رامي، أن التسامح الذي تبديه السلطة الأسدية حيال احتجاج بعض رجالاتها على مصيرهم، سرعان ما يتحول إلى صالحها، سواء عبر إظهار ذلك المحتج بمظهر الشخص الدونكيشوتي، أو إظهارها بالمقابل بمظهر القوة التي لا يمكن قهرها أو تحديها مطلقًا. ففي ظهور رامي بمظهر المدافع عن حقه وماله المتمثل بشركة سيرياتيل، الكثير مما يدعو للضحك، فكيف له أن يدعي حقًا أو مالًا وهو العارف أنه لم يكن أكثر من خازن لمال بشار في بعض المواقع، كما أنه لم يكن أكثر من بلطجي أو شبيح في تحصيل بعضها الآخر. ثمة كيف له أن يدعي انحيازه للفقراء من أنصار نظامه، الذين يكافحون الأمرين في سبيل الحصول على ربطة خبز يومية، بينما لايزال هو متحصنًا بإحدى قصوره الملكية الفاخرة، لا يجري عليه ما يجري على الناس من ضيق ذات اليد من مال أو خدمة أو سحق لكرامة؟

ثمة شيء محير وملغز في مقاومة رامي مخلوف أو احتجاجه على الظلم الذي لحق به جراء قرار ولي نعمته بشار، ذلك أنه بدل أن يستخدم لغة السياسة والعلم والمنطق، نراه ينحدر إلى لغة الخطاب الديني، الذي أمضى حياته يأنف منها ويترفع عنها، وكيف له أن يفعل ذلك وهو الاقتصادي الجهبذ، الذي تفرض عليه وقائع حياته اليومية العمل مع الأرقام ودلالاتها.

في مقاومة رامي مخلوف لقرار ولي نعمته بشار، بدلًا من أن يستخدم لغة السياسة والعلم والمنطق، نراه ينحدر إلى لغة الخطاب الديني

لا يمكن للمرء تفسير انحياز رامي للخطاب الديني، بناء على التحولات الروحية التي طرأت على فكر الرجل في معمعان الحرب التي خاضها الأسد ضد السوريين، والتي جعلت منه على صلة يومية مع أحزان ومواجع أقارب القتلى، التي دأبت جمعيته الخيرية على تأمين مستلزماتهم القتالية في تصديهم البطولي للحرب الكونية التي فرضت على قائدهم. وإنما في طبيعة الخطاب الأسدي ذاته، الذي يمنع على مناصريه اللجوء إلى لغة المحاججة العقلية التي تقوم على مقارعة الحجة بالحجة.

اقرأ/ي أيضًا: نهوض رامي مخلوف وسقوطه

في ظل غياب أية مرجعية سياسية تمكن مخلوف من استرداد حقه المسلوب كما يدعي، كما في ظل غياب أي إطار قانوني يحفظ له الحق بمقاضاة رئيسه المعتدي، هذا ناهيك عن غياب حقه بالتعبير والدفاع عن النفس وتوضيح الحقائق للجمهور، لم يجد مخلوف من مرجعية لذلك كله، سوى مرجعية الخطاب الديني، التي لا تسمح له الاحتماء بها في سبيل التنفيس عن غضبه المكبوت وحسب، بل تسمح له الارتقاء إلى مصاف المظلومين الذي يحق لهم الدفاع عن أنفسهم واستعذاب الموت في سبيله.

على غير الصورة المضحكة أو الكاريكاتيرية التي حاول رامي وضع نفسه بها، عبر الظهور بمظهر الرجل الذي يحارب طواحين الرئيس العملاقة، قرار طرده القاطع، فيسقط على أثرها مدحورًا مذمومًا مغشيًا عليه، أو الشخص الذي يطلب المساعدة من أناس كان إلى فترة غير بعيدة لا يستنظف النظر إليهم إلا كخدم. فها هو رامي الذي لا نعرفه يقوم إلى المظلومية يستثمر في شحنتها النفسية، يتكئ على فضاء مجازاتها، ثم ينعطف ليستخدمها كوسيلة هجوم رئيسية ضد ظالميه من آل الأسد، الذين لن تأخذه بهم لومة لائم وهو يهم بإرسالهم إلى الجحيم عبر تقنية الدعاء أو اللعنة، التي لا يكاد خطاب مصور من خطاباته يخلو منه "اللهم اقهر كل من ظلمنا".

على رغم من أن ظهورات رامي المتكررة لم تكسبه سوى المزيد من العداوات والسخرية، إلا أنه حافظ عليها دون إبطاء، ذلك أنه منذ ظهوره المصوّر "معجزة السوريين"، لم يعد يرى فيها مجرد وسيلة نفسية للتنفيس عن غضبه جراء الظلم الذي لحق به، بل انتقل ليجعل منه أداة للهجوم على آل الأسد، ومن ثم تقديم نفسه كقائد بديل لسلطتهم، والدليل على ذلك أنه لم يعد يوجه خطابه إلى أنصاره بل إلى عموم السوريين دون تفريق.

مما لا شك فيه أن رامي يتقدم خطوة إذا يتجرأ على الدخول إلى عالم السياسة، العالم الحصري لآل الأسد، عالم إدارة شؤون الناس وحياتهم العامة، وما حديثه بلغة ساحر القبيلة أو شامانها الأكبر عن الظهورات الصغرى ومن ثم الكبرى لنهاية العالم، سوى حديث مخاتل عن نهاية أو قيام دولة بشار ذاتها، ولأنه جدي جدًا، ولأنه لا يقول كلامًا في الهواء، فها هو يستدل على تلك النهاية المشؤومة بلغة النقص، نقص في الخبز، نقص في الغاز كما الكهرباء، نقص في الصحة العامة حيث كورونا تسرح وتمرح، في مقدمة لحضور الموت الأكبر الذي سيسبق نهاية بشار ودولته الظالمة.

ليس حديث رامي مخلوف بلغة ساحر القبيلة أو شامانها عن الظهورات الصغرى والكبرى لنهاية العالم، سوى حديث مخاتل عن نهاية أو قيام دولة بشار ذاتها

بعد خطابه عن نهاية العالم، نهاية دولة بشار، لم يعد ولع رامي مخلوف بالسلطة منحصرًا على الظهور الإعلامي كنوع من التعويض عن فقدان السلطة الفعلية لديه، بقدر ما انتقل إلى حيز الفعل أو التحضير له. ففي خطابه السابق لا يبدو الرجل كمن يلعب باللاهوت، بقدرة الدعاء على خلق الفعل، كما إنه لا يتنبأ بالنهاية الوخيمة لدولة بشار وحسب، بل يدعو الناس للمشاركة في ذلك، وإلا كيف نقرأ دعوته الصادقة لمشاركة أكبر عدد ممكن من السوريين في التحضير لذلك، أقصد الدعاء على بشار عبر أربعين يومًا وليلة. ثمة إيمان عميق لدى رامي بالمعجزة، بقدرة الكلمات على تغيير مجريات الحياة اليومية، بقدرتها على تقرير مصير الظالمين؛ بشار وزوجته أسماء.

اقرأ/ي أيضًا: أملاك رامي مخلوف في ذمة الأسد.. ما علاقة روسيا؟

في غمره حماسه للمعجزة، للخلق عبر الكلمات، يغيب عن باله أن دولة السوريين لم تعد موجودة، فلقد نجح بشار الأسد بتبديدها، كما أن عملية استعادتها لا يمكن أن تتم عبر المعجزات، بل عبر استعادة السياسة، في جعلها بوصلة لحياة السوريين، فإما أن تكون دولة السوريين خاضعة للمنطق والعقل وتقوم على مبدئَي الحق والقانون أو لا تقوم، فليس بالطغاة ولا الناقمين الحاقدين تقوم وتنهض الدول، بل بالمواطنين الأحرار.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فصل جديد من صراع مخلوف والأسد.. الكشف عن تأسيس شركات للالتفاف على العقوبات

تحت الإقامة الجبرية.. النظام السوري يمنع ابن خال الأسد من السفر