21-سبتمبر-2017

من احتفالات السنة الماضية برأس السنة الهجرية في مصر (فايد الجزيري/NurPhoto)

لا تبرح خيال المصريين ليلة رأس السنة الهجرية، التي ارتبطت في وجدانهم بأوبريت الليلة الكبيرة، الزينة المعلقة والأنوار في كل مكان، وروائح الأكل الشهية التي تتصاعد من البيوت، و أصوات تلاوات عذبة للشيوخ من الجامع الكبير إلى أصغر زاوية يُصلى فيها في الحي.

أخذ أهل مصر من الفاطميين عادة الاحتفال برأس السنة الهجرية، لكن التقاليد واسعة البهجة لم يتبق منها إلا القليل خلال السنوات الأخيرة

عرائس المولد المصنوعة من قماش التُلي الغالي الثمن، والحصان المزركش، وطواف الدراويش بالطرقات في الأحياء الشعبية وحول المقامات الكُبرى لآل بيت الرسول المنتشرة في مصر، وخاصة حول مقام الحسين في وسط القاهرة، ومقام السيدة زينب وغيرها. على مدار خمسين عامًا تواصلت هذه الاحتفالات، فهل بقيت على حالها؟ ماذا تغير وماذا بقي منها؟ وكيف كانت في الأصل؟ ومن أين أتت تلك المظاهر الشعبية للاحتفال؟

اقرأ/ي أيضًا: رحلة في عالم طنطا.. مدينة الأسياد والأولياء الصالحين

من احتفالات السنة الماضية برأس السنة الهجرية في مصر (فايد الجزيري/NurPhoto)

الفاطميون.. "أهل التفاريح والتباريح"

أخذ أهل مصر من الفاطميين عادة الاحتفال برأس السنة الهجرية، كانوا وقتها ينصبون الخيام ويأكلون اللحم، ويتلون القرآن، ولإيمانهم بالحسد وخوفهم منه، فإنك تجدهم يحملون بخورًا يطوفون به في الأسواق وبين البيوت، قدر البخور الذي يحملونه يسمى بـ"الميعة المباركة " والميعة هي البخور. العادة اختفت  مع مرور الوقت، و قد بقي منها ما يمكن أن تراه نادرًا في الأسواق الشعبية، أين يطوف رجال يلبسون أثوابًا بيضاء هاتفين "يا ميعة مباركة".

كما كان المصريون وقتها، في العهد الفاطمي وما بعده بقليل، يخرجون ما يسمونه بـ"زكاة العَشر" (بفتح العين)، وهي أموال الصدقات، تخص العشرة أيام الأولى من شهر محرم، وهو أمر، وعلى الرغم من أنها صدقات تقدر بمبالغ صغيرة إلا أن الأطفال والنسوة في الحارات الشعبية كن يطفن بالأسواق قائلين "زكاة العَشر يا سادة". وكان نصيب كل طفل من تلك الصدقات 5 قطع فضية يشتري بها حلوى المناسبة الدينية أو يحتفظ بها كمدخر له.

يكون اليوم العاشر من محرم يوم عاشوراء، ويبدو أن مصر لا تزال تعيش هوىً فاطميًا، جل المسلمين فيها يصومون هذا اليوم، حيث ترسخ اعتقاد لدى المصريين أنه يوم الأحداث الكبرى في تاريخ الإنسانية، مثل "يوم لقاء آدم وحواء على الأرض بعد خروجهما من الجنة، وهو اليوم الذي خرج فيه النبي نوح من الفُلك"، وبغض النظر عن مدى صحة هذه الأقاويل من عدمها في الوجدان الشعبي المصري المعاصر، فهي لا تزال متداولة حتى اليوم وخاصة بين كبار السن.

أحد أهم تجليات "الهوى الفاطمي" في احتفالات رأس السنة الهجرية في مصر قديمًا، التجمهر الذي يقوم به الدراويش حول المقامات، حيث يتجمعون في حلقات مرتدين "القاووق التركي"، مرددين " الله.. الله".

في هذه الاحتفالات، دأب المصريون على طبخ أطعمة دسمة، مثل لحوم  الطيور والحمام، والبط  والفتة (وهي أرز وخبز مشبع بماء المرق الدسم والثوم) والكسكس ويحلون بأحد أشهر الأطباق المصرية في يوم العاشر من محرم "عاشوراء"، وهو طبق يحمل ذات الإسم وهو عبارة عن قمح مقشر ومنقوع يُحلى بالعسل أو بالسكر ويوضع عليه لبن مغلي وقشطة، ويزين بالمكسرات والزبيب، ويقدم ساخناً.

اقرأ/ي أيضًا: احتفالات رأس السنة الأمازيغية.. طقوس تاريخ معتّق

من احتفالات السنة الماضية برأس السنة الهجرية في مصر (فايد الجزيري/NurPhoto)

ولكن ماذا تبقى اليوم من هذه الاحتفالات؟

حاربت الدعوات السلفية احتفالات راس السنة الهجرية في مصر معتبرة أنها بدع لا يجب على المسلم اتباعها وساهموا في تراجعها

بعد ارتفاع الأسعار الكبير اختفت من السوق عروس المولد والحصان المزركش، حيث وصل سعر العروسة الواحدة إلى 400 جنيه مصري (أي ما يعادل 20 دولارًا) وهو ثمن باهظ جدًا مقارنة بإمكانيات المصريين، بينما احتلت "حلوى المولد" أو حلويات رأس السنة الواجهة الأساسية، وقد وصل ثمنها الآن إلى 50 جنيهًا (أي دولارين أو أقل) في الأحياء الشعبية، لذا بات الناس يقبلون على شرائها، بينما يرتفع هذا السعر عند المحلات الكبرى والأسواق الراقية.

أما بالنسبة للمطبخ المصري، فقد اختفى جُل ما دأب المصريون على طبخه لغلو أسعار الأطعمة، واكتفى المصريون بطبق عاشوراء والاجتماعات العائلية.

أما بقية المظاهر، من التجمع حول ضريح الحسين، أو تجمعات الدراويش فقط حاربها انتشار كثير من الدعوات السلفية التي رأت فيها بدعًا لا يجب اتباعها على المسلم، كما حاربت السلطات المصرية معظم أشكال إحياء الذكرى. وهو الأمر الذي تأثر به بعض المصريين، و جعلهم يكتفون بشراء الحلوى للصغار رغبة في إبهاجهم لا أكثر.

 

المصادر:

كتاب الدولة الفاطمية دول التفاريح والتباريح لجمال بدوي

كتاب المسكوت عنه في مصر المحروسة لعواطف عبد الرحمن

كتاب دولة سلاطين المماليك من سلسة عصور مصرية

 

اقرأ/ي أيضًا:

رمضان المصري.. كيف كان موكب رؤية الهلال عبر العصور؟

حلوى المولد النبوي في مصر.. "خليها ذكرى"