11-يناير-2017

أمازيغيات محتفلات (اسماعيل مالكي/الترا صوت)

حين ولد السّيد المسيح قبل عشرين قرنًا وسبعة عشر عامًا، ليكون ذلك منطلقًا للتاريخ الميلادي، كان الأمازيغ في شمال أفريقيا يحتفلون برأس السّنة الأمازيغية 950، ذلك أن السّنة الجديدة التي ستدخل يوم 12 كانون الثاني/يناير ستكون الموافقة لـ 2967، بالتقويم الأمازيغي.

اختلفت الروايات في أصل التأريخ الأمازيغي، غير أن أكثرها تبنيًا لدى الأمازيغ انتصارهم على الفراعنة بقيادة الملك شاشناق

واختلفت روايات المؤرخين، أمازيغَ وعربًا ومستشرقين، في طبيعة الحدث، الذي كان منطلقًا للتأريخ الأمازيغي، غير أن أكثرها تبنيًا في الأوساط الأمازيغية هي انتصار الأمازيغ على الفراعنة المصريين بقيادة الملك شاشناق، واستحواذهم على الحكم في مصر. ولا تزال بقايا منهم هناك في واحة سيوة، التي تعدّ أقصى حدودهم الشرقية، فيما تمثل جزر الكناري التابعة لمملكة إسبانيا أقصى حدودهم الغربية.

اقرأ/ي أيضًا: الوشم في ثقافة الأمازيغ.. ذاكرة الجسد

يُسمّي الجزائريون رأس السّنة الأمازيغية "نّاير" أو "ينّار"، ويحتفلون به سنويًا يوم 12 كانون الثاني/يناير وفق طقوس تختلف من منطقة إلى أخرى، لكنها تلتقي جميعها في ثيمة الانتماء إلى الأرض والتشبّث بروحها. ولا يقتصر الاحتفال على الأمازيغ فقط، بل يشمل ذوي الأصول العربية أيضًا، ممّا يوحي بتجذر هذه المناسبة في المخيال الشعبي العام. يقول حسين فرشيشي إن التاريخ المدوّن لأسرته يؤكد كونها قادمة من اليمن قبل قرون، "غير أن احتفالها بنّاير من العادات التي لا تقبل النقاش، تمامًا كما تحتفل برأس السّنة الهجرية". ويضيف: "تشرف جدّتي ليلتها على إعداد الكسكسي بلحم الديك البلدي، وتقوم بتحنية أيدي أطفال العائلة".

في مدينة معسكر غربًا، يخبرنا الممثل نصر الدين شرقي أن جدّته تعدّ أكياسًا صغيرة تسمّى "الدقاق" توزّعها على الكبار والصّغار، "تضمّ التين المجفّف والبرتقال والفول السّوداني والحلوى، وتوصينا بأن نأكلها كلها لأنّ فيها البركة". في مناطق أخرى ذات أصول عربية أيضًا يتمّ غلي القمح في الماء المملّح، يسمّى "الشرشم"، ويُوزّع على الأهل والجيران، فيما يتمّ في مناطق أخرى شيُّه على النار ثم طحنه وخلطه بالسّمن أو زيت الزيتون والسّكر أو العسل، ليصبح أكلة تسمّى "الروينة"، ويُتّخذ من اليوم فاتحةً للشّروع في حراثة الأرض.

يشكل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية في بعض المدن الجزائرية عرسًا شعبيًا مفتوحًا، يمكن رصد تجلياته في البيوت والشوارع والمحال

أمّا في المدن والقرى ذات الساكنة الأمازيغية الصّرف في الجزائر، مثل بجاية وتيزي وزو وخنشلة وأم البواقي، فيشكل الاحتفال برأس السنة الأمازيغية عرسًا شعبيًا مفتوحًا، يمكن رصد تجلياته في البيوت والشوارع والمحالّ التجارية والسّاحات العامة، فهو، بحسب الكاتب جيلالي عمراني، "يوم لممارسة الهوية الأمازيغية، أكلًا ولباسا وغناءً وموسيقى، وتسقط فيه الحواجز بين الناس، فيغنون ويرقصون معًا، ويتبادلون الأطباق المعروفة في هذه المناسبة، مثل الكسكسي بلحم الدجاج البلدي، و"الغرير" و"البركوكس"، كما يتبادلون عبارة "أسقاس أمقاز" التي تعني سنة سعيدة". يختم: "كما تعدّ صباغة البيوت وتجديد أثاث الأكل من الطقوس التي يهدف الناس من خلالها إلى التغيير".

اقرأ/ي أيضًا: ما معنى أن تكون جزائريًا؟

في القرى الأمازيغية المشكلة لشمال محافظة سطيف شرقًا، يقول الجامعي وليد بورزاح إن "الوزيعة" تأتي في صدارة طقوس الاحتفال برأس السّنة الأمازيغية. "يطوف أعيان القرية على بيوتها، ليجمعوا منها المال، كل بحسب استطاعته، ثم يقصدون سوق المواشي، فيشترون منه ثيرانًا أو تيوسًا وكباشًا، يذبحونها ويسلخونها في السّاحة العامة، ويقسمون لحمها بحسب عدد أسر القرية، بحضور الجميع، فتأكل القرية كلها اللحم تلك الليلة، بكل ما يتبع التظاهرة من أهازيج وزغاريد وأدعية".

من جهته، يدخلنا المسرحي علي عبدون إلى مناخات تظاهرة "أيراد" في منطقة بني سنوس غربًا، حيث يرتدي شباب وكهول قناع الأسد، ويطوفون على البيوت ليجمعوا منها الطعام وفواكه الموسم، في كرنفال ينتهي عند منتصف الليل إلى ساحة القرية، مرددين أهازيجَ وهتافاتٍ يشارك فيها جميع السكان، ثم يقومون بزيارة ضريح الولي الصالح "سيدي أحمد".

تتميز احتفالات هذا العام، أنها تأتي بعد أن أقرّ التعديل الدستوري الجديد كونَ الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية في الجزائر، تتويجًا لتضحيات النخب الأمازيغية منذ نهاية أربعينيات القرن العشرين، وهو ما دفع بالعديد من النشطاء إلى المطالبة بجعل رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة مدفوعة الأجر، على غرار رأسي السنتين الهجرية والميلادية.

اقرأ/ي أيضًا:

شعر أمازيغ الجزائر.. ذاكرة الألم

بعد 36 سنة.. ماذا بقي من "الربيع الأمازيغي"؟