12-ديسمبر-2018

جدارية كهفية من العصر الحجري القديم (مدونة سام وولف)

كُتب حول موضوع الفن وتاريخه الكثير من الكتب والأبحاث والدراسات. محاولات عدّة، وبصورة مستمرّة، للإحاطة به، وتناول تاريخه دون ثغرات، بحيث يكون التاريخ المعروض كاملًا من جهة، ووافيًا مسّهلًا على القارئ مهمّة التعرّف إلى الفن في بلدانٍ وأمكنةٍ مختلفة، وعبر أزمنة عدّة من جهةٍ أخرى.

هنا وقفة مع 4 كتب أساسية في الفن وتاريخه.


1- الفن والمجتمع عبر التاريخ

يوصف كتاب "الفن والمجتمع عبر التاريخ"، للمؤرّخ الهنغاري أرنولد هاوزر (ترجمة فؤاد ذكريا) بأنّه الكتاب الأكثر شهرةً وشعبية في مجال اختصاصه. الكتاب الذي صدر للمرّة الأولى سنة 1951، يُقدّمه زكريا للقارئ قائلًا: "لن أكون مبالغًا إذا قلت إنّ هذا الكتاب عرض شامل لتطوّر الحضارة الانسانية، وليس تاريخًا اجتماعيًا للفن فحسب، كما يدلّ عنوانه".

جاء الكتاب بجزأين يتناولان تاريخ الفن بدءًا من عصور ما قبل التاريخ، أي العصور الحجرية بصورتيها القديمة والجديدة، حيث يعرض ويناقش مواضيع كنزعة الطبيعة وحيويتها آنذاك، ومن بعدها النزعة الهندسية وسحرها، انتهاءً بالحديث عن مكانة الفنان في ذلك العصر، حيث يصفهُ هاوزر أرنولد بالكاهن والسّاحر أيضًا. ومن العصور القديمة، ينطلق المؤلّف نحو الثقافات الحضرية في الشرق القديم، متناولًا هنا العناصر الكونية والحركية في الفن الشرقيّ، ومركز الفنّان، ونمطية الفن وغيرها من المواضيع التي تندرج جميعها ضمن هذا الباب. ومن الشرق، يذهب صاحب "فلسفة تاريخ الفن" نحو اليونان وروما مستعرضًا حالة الفن هناك في ذلك الوقت، وعلاقته ببلاط الطغاة والديمقراطية، وآثار تعسّر التنوير في اليونان عليه. ومن بعدها يمرّ في العصور الوسطى، منتهيًا عند عصر النهضة. ويخصّص الجزء الثاني من الكتاب للتحليل والمناقشة وطرح أفكار ونظريات جديدة. أهمّها النظرية التي تقف على النقيض تمامًا من النظرية القائلة بأنّ الفنّ يتطوّر بمنطقه الداخلي. ذلك أنّ الفن، وكما يراه هاوزر أرنولد، يتطوّر بفعل عوامل اجتماعية عديدة تحدث من حوله.

2- قصّة الفن

المؤرّخ البريطانيّ النمساويّ إرنست غومبريتش، دون شك، واحد من أشهر كتّاب تاريخ الفن ومؤرّخيه. هذا ما سوف يستنتجهُ القارئ بعد انتهائه من قراءة كتاب "قصّة الفن" (ترجمة عارف حذيفة).

الكتاب الذي صدر للمرّة الأولى سنة 1950، اشتغل غوميريتش فيه على تكوين صورة شاملة لتاريخ الفن دون ثغرات أو إسقاط أيّ زمنٍ أو حقبة من أجندته إطلاقًا. مرّ، بتمهّل وعناية شديدة، على كلّ أصناف وأنواع الفن، إن كان ذلك نحتًا، أو رسمًا، أو مدارس ذائعة الصيت في المجالين السابقين، أو تجارب متعدّدة ومتنوّعة كان لتراكمها أثرًا هامًّا في تطوّر الفن، بدءًا من العصور القديمة، وصولًا إلى الحديثة. وبين هذين الزمنين، هناك رصد وتحليل ونقاش واستعراض لأبرز المراحل والتجارب والعوامل التي أدّت وساهمت في تطوير الفن، ووصوله إلى الحالة التي هو عليها الآن. كل ذلك يجري عبر 27 فصلًا يضمّهُ الكتاب. في كلّ فصل، هناك فترة أو حقبة معيّنة من تاريخ الفن يتناولها المؤلّف بشكلٍ مفصّل، لكن دون أن يركن إلى جغرافيا ثابتة، إذ يتنقّل عبر جغرافيات مختلفة، مُحاولًا أن يجعل القارئ ملمًّا ومُحيطًا بكلّ قصص الفن في بلدان عدّة، كمصر واليونان وأوروبا. ما معناهُ أن الزمن ثابت عند غوميريتش، لكنّ الجغرافيا هنا متحوّلة كشرط ضروري لفهم تاريخ الفن بصورةٍ كاملة.

3- ضرورة الفن

يُحيلنا عنوان كتاب الكاتب والصحفي النمساويّ إرنست فيشر "ضرورة الفن" (ترجمة ميشال سليمان)، إلى عدّة أسئلة، من جملتها سؤال: هل الفن ضرورة فعلًا؟ ولماذا؟ سؤال مبتذل ومكرَّر جدًا دون شك، ولهُ كمّ هائل من الإجابات أيضًا. لكنّ كتاب فيشر بالتأكيد ليس واحدًا من هذه الإجابات، ولا يسعى للإجابة على سؤالٍ كهذا لا ينفكّ يُطرح بصورة مستمرّة بفعل التغيّرات الاجتماعية التي تضع الفنّ في أمكنةٍ مختلفة كلّ مرّة. وإنّما يُثبّت، من خلال مقولاتٍ ونظرياتٍ وتجارب، ركائز بعض الإجابات عن هذا السؤال، وتدعيمها بحيث لا تكون مقنعة فقط، وإنّما قادرةً على تفسير نفسها بنفسها. هكذا، يصير الفنّ عند إرنست فيشر ملازمًا للإنسان إلى درجةٍ تجعل من عمرهِ مقترنًا بعمر الإنسان، وولادته حدثت بولادة الإنسان، ذلك أنّ الفن "صورة من صور العمل، والعمل هو النشاط المميز للجنس البشري" (ص27).

الكتاب الذي صدر للمرّة الأولى سنة 1959، يطرح مؤلّفه في الصفحات الأولى منه أسئلة مرتبطة بسؤال ضرورة الفن. أسئلة مثل: هل الفن مجرّد بديل للحياة؟ ألّا يعبّر أيضًا عن علاقة أشدّ عمقًا بين الإنسان والعالم؟ ألا يشبع الفن مجموعة واسعة ومتنوّعة من حاجات الفن؟ هل تتغيّر وظيفة الفن مع تغيير المجتمع؟ هكذا، يصير الكتاب، بحسب مؤلّفه، محاولة للإجابة على هذه الأسئلة وأمثالها.

4- تاريخ الفنون وأشهر الصور

سنة 1927، أصدر المفكّر المصريّ سلامة موسى (1887-1958) كتابه "تاريخ الفنون وأشهر الصور". ومنذ ذلك الوقت، توالت عدّة طبعاتٍ من الكتاب، وذلك باعتباره من الكتب التي تُساعد، بصورةٍ بسيطة، وأسلوبٍ يخلو من التعقيد، على فهم الفن ضمن عوامل وقوالب محدّدة. ما يعني أنّ الكتاب لا يكوّن صورةً شاملةً عن الفن، أو يُحيط به من جوانب وجهات مختلفة.

جاء الكتاب مؤلّفًا من 24 فصلًا، ويُمكن وضع الفصول الأربعة الأولى في باب، والفصول العشرين في بابٍ آخر. فما نحن إزاءه في الفصول الأربعة، هو أفكار وآراء شخصية للمؤلّف حول الفن، وتعريف هذا المصطلح الذي يشمل الموسيقى والشّعر والنثر والبناء والرسم والنحت والرقص والغناء والتمثيل. ومع تعريف المصطلح، والقول بإنّ الفن مُرتبط، بشكلٍ أو بآخر، بالجمال. يذهب سلامة موسى إلى تحديد المعايير التي تجعل من أي عملٍ كان فنًّا، أي معايير الجمال الذي يتطرّق في هذا السياق للحديث عن دور العقل في تذوق الجمال داخل العمل الفنّي. بعد ذلك، يتناول المؤلّف العلاقة بين الفن والأديان باعتبار أنّ الأخيرة لطالما حاربت الفن، وحرّمته، وكفّرته. أمّا الفصول العشرين، يقول سلامة موسى في تقديمه لهذا الكتاب إنّها ملخص عن كتاب "خلاصة الفن" للسير وليم أوربن.

اقرأ/ي أيضًا:​

الفن الإسلامي.. تجريد وتحريف وتأمُّل

شربل داغر.. تأصيل شامل للوحة العربية وسياقاتها