10-يوليو-2018

شربل داغر

اتِّجه الشاعر والناقد اللبنانيّ شربل داغر (1950) منذ سنواتٍ طويلة إلى فضاء النقد التشكيلي وفلسفته. اهتمامه بهذا الحقل يُضاف إلى اهتماماته المختلفة التي صنع لنفسه من خلالها مكانًا مميزًا في المشهد الثقافيّ العربيّ، إذ إنّه شاعر ومترجم وروائي وناقد يعمل على تفكيك بنية القول الشِّعري العربيّ. هكذا، بات في رصيد داغر ما يزيد عن 20 كتابًا موزّعًا على الحقول التي ذكرناها أعلاه، يُضاف إليها كتاب "الفن العربيّ الحديث: ظهور اللوحة" الصادر حديثًا عن "المركز الثقافي العربي".

خصَّص شربل داغر كتابه الجديد لدراسة ظهور اللوحة في العالم العثماني، وحظوظ الولايات العربية العثمانية من ظهورها فيها

عن الكتاب الذي جاء موزَّعًا على 366 صفحة، يقول شربل داغر لـ"ألترا صوت" إنّه حصيلة عمل دام لسنواتٍ وسنوات بين الكتب والمخطوطات في أكثر من مكتبة عمومية وخاصّة، وبين المناهج والمقاربات المختلفة في تاريخ الفن ودرسه. "لقد تنبّهت منذ سنواتٍ بعيدة إلى أنّ ما يُسمّى الفن الحديث له أيقونة ثابتة، عند الغير وعندنا، هي اللوحة. ومنه يأتي السؤال التالي: متى ظهرت اللوحة في مجتمعاتنا؟".

إذًا، يُحدِّد صاحب "شهوة الترجمان" من هذا السؤال عتبة أولى للتوغّل في تاريخ الفن واللوحة، دون أن يأخذ على عاتقه دراسة تاريخ فنّان دون غيره، أو مجتمع دون آخر. يقول في هذا الصدد: "الكثير من كتب الفن ودراساته تقوم وفقًا لتواريخ جامعة الدول العربية. إلّا أنّ ظهور اللوحة برز في سياق تاريخي آخر، وهو تاريخ دخولها، أي اللوحة، إلى العالم العثماني الذي شمل جميع البلاد العربية ما عدا مملكة المغرب، وسلطنة عُمان".

خصَّص شربل داغر كتابه لدراسة ظهور اللوحة في العالم العثماني، وحظوظ الولايات العربية العثمانية من ظهورها فيها. وأكّد أنّ دخول هذه القطعة كان أمرًا غير سهل نهائيًا. "إذ استقبلتْها، أو اعترضت استقبالها، مواقف وقيم واعتيادات وسلوكات، متأتية من أنّ الصورة، ولا سيما التمثيلية، تحوَّلت إلى "مسألة" إسلامية، على مرِّ العصور، في أحكام الفقهاء قبل سياسات الخلفاء أو الولاة. لهذا فإنّ ظهور اللوحة عربيًا لم يكن فقط بالظهور الفنّي، بل كان أيضًا ظهورًا سياسيًا واجتماعيًا؛ وما رافق هذا الظهور من أحوال قبول واعتراض يعود إلى أسباب دينية واجتماعية، قبل أن تكون تقنية أو مهنية أو جمالية".

الفن العربي الحديث شربل داغر

وبناءً على ما سبق، كان لزامًا على هذه الدراسة أن تتفقّد ظهور اللوحة في الأماكن الخاصّة قبل العامّة، أي في المنازل والقصور قبل المتاحف وغيرها. وأيضًا، في كتابات الرحّالة والمؤلّفين، عربًا وأوروبيين، قبل المؤرّخين الذين اشتغلوا على تأريخ الفن. وما يميّز هذا الكتاب أيضًا أنّه اشتغل بشكلٍ واضح، وباعتناء كبير، على دراسة وتبيين مدى قبول اللوحة آنذاك وكيفية انتشارها بين مختلف الطبقات الاجتماعية، ولا سيما بين أولئك الذين كانوا يقفون ضدّ انتشارها ووجودها أيضًا، والرافضين للمعاني والقيم التي تحملها.

ولهذا، يرى داغر أنّ هذه القماشة المشدودة أو المثبّتة فوق إطار خشبي، كانت آنذاك أشبه بمرآة عريضة ومبسوطة بين أطراف المجتمع، وتعرض بالتالي أحواله، لجهة ما يريده أو لا يريده، وما يطلبه أو لا يطلبه، من صورٍ لنفسه، وعن نفسه.

يحسب لكتاب "الفن العربيّ الحديث: ظهور اللوحة" اشتغاله على تعقّب الأعمال الفنية في بداياتها، ووضعنا إزاء من أنجزها، ولا سيما الفنّانين الأوائل والمؤسسين.

يرى شربل داغر أنّ القماشة المثبّتة فوق إطار خشبي، كانت أشبه بمرآة عريضة تعرض أحوال المجتمع

يصف شربل داغر هذا التعقّب بأنّه: "تتبعٌ وفحصٌ تاريخيان لهما أوجه اجتماعية كذلك، إذ يرصدان الأحوال والسلوكيات والتمثّلات، ولا يغيِّبان في الوقت نفسه الجدالات التي رافقت أو اعترضت هذا "الظهور" الطارئ. إذ إنّ ما بدأ في القصور، انتقل إلى المنازل؛ وما تعيّن في لوحة وجهية "بورتريه" انتقل بل تمدّد إلى أنواع وموضوعات فنية أخرى، وما كان مهنة وأفعالًا يقوم بها أجانب، أصبح مهنة محلية، ذات جاذبية، حتى لأبناء الأسر الميسورة، بمن فيهم ضباط سابقون أو قضاة".

يذكر أنّ شربل داغر من أبرز الأصوات الشعرية والنقدية في لبنان والعالم والعربيّ، يكتب الشِّعر والرواية، بالإضافة إلى الترجمة والتأريخ. من مجموعاته الشعرية: "وليمة قمر" و"فتات البيض" و"تخت شرقي" و"لا تبحث عن معنى لعلّه يلقاك". ومن ترجماته: "الرجال الذين يحادثونني" لأناندا ديفي، و"ما الجمالية؟" لمارك جيمينيز. وعدد من الدراسات النقدية في الشّعر والفن، منها: "مذاهب الحُسْن: قراءة معجمية – تاريخية للفنون في العربية" و"العين واللوحة" و"الشّعر العربي الحديث: كيان النص". ومن رواياته: "وصية هابيل" و"شهوة الترجمان" و"بدل عن ضائع".