18-مارس-2020

"كتب غيّرت وجه العالم" (ألترا صوت)

في خمسينيات القرن الماضي، أصدر الكاتب الأمريكيّ روبرت ب. داونز كتابه المعنون بـ"كتب غيّرت وجه العالم"، واضعًا فيه 16 عنوانًا إشكاليًا تحت مجهره الخاص، ليقدّم قراءته لها انطلاقًا من فكرة أنّ الكتب ليست جمادات هادئة أو خاملة دون تأثير، وإنّما أشياء شديدة الحركة، قادرة على تغيير مجرى أحداث بعينها تغييرًا كاملًا، ضاربًا هنا إتلاف الكتب ومضايقة الكتّاب أو قتلهم في الديكتاتوريات الكبيرة مثالًا على ما يسمّيه: القوّة الناسفة الكامنة في الكتب.

عن "دار قناديل" صدرت حديثًا الترجمة العربية لكتاب روبرت ب. داونز "كتب غيّرت وجه العالم" بطبعة جديدة بعد أكثر من 30 عامًا على صدورها للمرّة الأولى عن "الهيئة المصرية العامّة للكتاب" منتصف سبعينيات القرن الماضي. هكذا، يعود الكتاب إلى الواجهة من جديد، وفي وقتٍ لا تبدو فيه استعادته ضربًا من العبث لأنّ الكتاب لا يسعى إلى وضع قائمة بأعظم الكتب على مرّ التاريخ، وإنّما مشاركة القارئ عملية اكتشاف الكتب التي أثّرت عميقًا في مجراه وأحداثه، سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا منذ عصر النهضة وحتّى منتصف القرن العشرين.

الكتب ليست جمادات هادئة أو خاملة دون تأثير، وإنّما أشياء شديدة الحركة، قادرة على تغيير مجرى أحداث بعينها تغييرًا كاملًا

بالنسبة إلى داونز، لم تكن عملية اختيار الكتب سهلة، إنّما شديدة التعقيد ولأسباب عدّة، منها أن تكون الكتب المُختارة صاحبة وقعٍ وتأثير مستمرّين على العقل والفكر البشريين، ليس لأمّة واحدة أو ضمن بقعة جغرافية معيّنة دون غيرها، إنّما ضمن أكبر مساحة جغرافية ممكنة. هكذا، سيأخذ الكاتب الأمريكيّ بعين الاعتبار جُملة من الأسئلة، منها: هل كان كتاب معيّن ذو نفوذ بسبب أنّ الزمن كان مُستعدًّا له؟  هل يُمكن أن تكون لهذا الكتاب الأهمّية ذاتها في عصرٍ آخر؟ هل من الممكن أن يُكتب في عصر آخر؟

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة رائد سلامة

يبدأ داونز من كتاب "الأمير" لنيكولو مكيافيلي، ويرى أنّ الهدف الأساس من مؤلَّف الفيلسوف الإيطالي هو فكرة أنّ صالح الدولة يُحقّق كل شيء، والإشارة إلى أنّ هناك عدّة مستويات مختلفة من الأخلاق في الحياة العامّة والخاصّة، ممّا يعني أنّه من اللائق بالسياسي تبعًا لهذا المذهب أن يقوم من أجل صالح الشعب بأعمال العنف والخداع، تلك التي يستحق أن يُلام عليها بوصفها، ضمن المعاملات الخاصّة، جرائم. ولذلك، وكما يرد في الكتب، فصل مكيافيلي الأخلاق عن السياسة.

ينتقل الكاتب الأمريكيّ من مكيافيلي إلى هنري دافيد ثورو، مُحاولًا الإجابة على سؤال: هل كان أثناء كتابته مقالته الشهيرة "العصيان المدني" فوضويًا في فلسفته ومعتقداته؟ يعود داونز من أجل الإجابة على هذا السؤال إلى الأجواء التي برزت فيها عند ثورو أفكاره حيال العصيان والاحتجاج، والتي دفعته فيما بعد إلى تأليف كتابه هذا، أي الحرب المكسيكية بين عامي 1846-1847، وتجارة الرقيق، وقانون العبيد الهاربين، وغيرها من الأحداث التي شكّلت أساسات بناء مذهب العصيان المدني الذي تمخّض عن سؤال ثورو: لماذا ندعم بالمال حكومة مذنبة بمثل هذه المظالم والغباء؟

يتّفق نقّاد رواية "كوخ العم توم" للكاتبة الأمريكية هيريت ستو أنّ الرواية الصادرة عام 1852، كان لها أثر هائل على المجتمع الأمريكيّ في التوقيت الذي نُشرت فيه، إذ كانت، ووفقًا لروبرت داونز، عاملًا من بين عوامل عديدة ساهمت في إشعال شرارة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب الأمريكيين.

كانت رواية "كوخ العم توم" عاملًا من بين عوامل عديدة ساهمت في إشعال شرارة الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب الأمريكيين

يُتيح داونز للقارئ معاينة الطريقة التي تعامل بها الأمريكيين مع الرواية التي قسمت المجتمعات الأمريكية إلى قسمين: أوّل معجب بها ويعتبرها بمثابة شرارة حريق طال انتظاره. وثاني معارض عَمِلَ على نقدها بغضب باعتبارها بغاء إجرامي لوظائف الخيال السامية، حتّى باتت الرواية تشكّل في جنوب أمريكا خطرًا على حياة من يقتنيها.

اقرأ/ي أيضًا: "برق الليل" أو دون كيخوته التونسي.. أول رواية عربية تحاور ميراث ثيربانتس

من "رأس المال"، الكتاب الذي طوّر فيه كارل ماركس أفكاره وقضيّته ضدّ النظام الرأسمالي وأكّد فيه أنّ هلاكه واختفائه أمرين لا مفرّ منهما، مرورًا بكتاب "كفاحي" لأدولف هتلر الذي وضع فيه برنامجه أو أفكاره النازية، وصولًا إلى الكتب العلمية التي أحدثت فارقًا في المشهد العلميّ؛ يُكمل داونز كتابه هذا، أخذًا القارئ في رحلةٍ مميّزة بدأت عند "الأمير" لميكافيلي، وانتهت عند "النسبية" لألبرت أينشتاين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الشعر الأمريكي: قصائد خضراء وأخرى خارجة من المستشفيات

في الذكرى الرابعة لرحيله.. وصية أمبرتو إيكو الأخيرة