22-أغسطس-2022
لوحة لـ غونتر يويكر/ ألمانيا

لوحة لـ غونتر يويكر/ ألمانيا

العشق جمرة دائمة الاتقاد، فوران بركاني لا يحتمل،

لما اقتربت أيها الرجل الذي ما يزال يحمل الطفل المخبوش الوجه في العينين، أخذتك لفحة الرعشة الكبرى في دهاليز التاريخ السافر عن بؤس العالم المجنون،

والليلة،

وكل الليالي المقبلة يأتي الغزو، ويبدأ الانجذاب الناري الحارق،

هو ذا عري الذات الوحيدة يعلن افتتاح موسم الجذبة الإيروسية، فلتبحر،

لا عاصم لك اليوم من عنف النظرة الثابتة المتسائلة عندما تنضو عنك ثوب الوقار الكسول الذي طالما موضعك في منأى عن سيوف الرصد العشائرية وطوابير الهواجس التي تتزاحم في الرأس لا تعرف أدبيات الدخول سواء أخذتك حمية الكبرياء الزائف أو أغرتك بؤر اللون الوردي المتناثرة في الزمن القادم تقتحم فقط دون استئذان كأحصنة تتارية،

عليك أن ترضخ،

وقد رضخت حتى قبل أن تتبين هذا الشيء الذي بات يسكن تلافيف ضلوعك فللاسم رنينه العذب كساقية ماء في ساحة القرية ظهيرة صيف قائظ،

وأنت عشقت الأسماء منذ دخلت الرغبة عالم اللامتحقق، وتكفي لفتات الحنو الساكن والاهتمام البسيط، في لحظة انفجار اليومي الراكد، ليمتد شريط النسيان المريح حولك، 

ولو أن النسيان غدر،

لكنك تعقب بلكنة إمام أضاع موعظته،

"إنها لحظات فرح، والفرح نادرٌ هذه الأيام".

 

وفي الطرف الآخر من النهار الذابل، مع هبوط المساء، حينما تنعزل داخل الغرفة، وتتمدد يبدو الخلاص في التجلي المألوف، منذ اليوم الأول الذي فتحت فيه اليد وأبصرت الفراغ،

خالية، خالية،

فتحاول أن تعدو، لترى ساقيك، وقد انغرستْ حتى الركبة في أرض بوار تصرخ:

أمن ارتواء؟

وهكذا تتأرجح بين اقتناع غامض وشك ملتو، فتبوح أخيرًا في يأسٍ أن لا أهمية لذلك،

لا أهمية لذلك، ما دمت لا تمتلك حميمية الأشياء، إلا أن بصيص الوهج الذي يظل يُطل من بين ثنايا الأسيجة القرنية يدنيها منك: من يدري،

فلربما منحتك نفسها يومًا ذات الأنف اليوناني، بما أن اللقاء كان خارج المألوف والمألوف ساحرٌ،

أليس كذلك؟

لكن،

بخيوط عرق جليدي حفرتْ أخاديدَ على الظهر، واحتقان دموي يرسم ألسنة لهب في الوجنتين، تقف نادمًا أحيانًا عاجزًا في كل الأحايين،

وكل معرفة العالم تبدو واهية المفعول،

فقد دام الانسلاخ طويلًا داخل مقاهي المدينة،

واستحالت الواجهة الزجاجية العريضة سورًا،

وقد تأتيك إحدى لحظات الانتشاء بها تَوَاصُلٌ طفوليٌ قديم،

إلا أن ما يطفو على سطح الذاكرة بقايا لصدى كلام لم تكتمل حروفه،

وقٌبَلٍ خافتة تنفلت من الشفاه، حتى قبل أن تُطبع، هيهات أن تُنفي العجز/ شلل اللسان وقصر البصر/ 

لا..

الأمر مختلف تماما عديم الانطباق مع إحساس الليلة وكل الليالي الآتية،

هي حكاية هذا الزمن،

زمنك أنت،

فلتلج الحكاية دون مواربة، ودون خداع للشعلة المتأججة، كانت نارا أم بردا أم سلامًا،

سيان،

يقول صوت هامس لكنه نافذ كاختراق نصل حاد، يُصَعّدُ من الأعماق  المؤودة بالرفض والخوف الموروث،

فلتُفَتِق هذه البوتقة العنكبوتية الظلال، حيث تقطر الأيام كساعة رملية أمام ناظريك تنمحي بلا مبالاة،

هم هناك يتموجون في لجة الصخب الحياتي،

فلتتقفى رحلة الاجتثاث القديم.

 

حاشية: لوي ألتوسير  سنة 1987

"أنا انهمكت في الفلسفة كما لو أنني انهمكت في وجه المرأة. الحالتان   متلازمتان. هنا تفقد رأسك. وهناك تفقد رأسك. عندما يقول العاشق: إنني في كل مكان ما عدا هذا المكان، فصدقه في الحال لأنه لا يعرف أين توجد تلك المرأة التي لوحت له من وراء الزجاج تم اختفت في الزجاج".