28-مايو-2018

تدعم الحكومة المغربية رأس المال بدلًا من الفقراء (أ.ف.ب)

مرّ أزيد من شهر، ولا تزال حملة المقاطعة مستمرة في المغرب، وهي الحملة التي دشنها نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، لمقاطعة ثلاث سلع، حليب "سنطرال" المعلب، وبنزين "إفريقيا"، وماء "سيدي علي" المعدني، احتجاجًا على أسعارها "غير المعقولة"، وسرعان ما انتشرت كالنار في الهشيم وأصبحت واقعًا مؤثرًا لا محيد عنه.

تبين أن الشركات الكبرى للمحروقات استفادت بشكل كبير من تحرير هذا القطاع وبطريقة غير معقولة

في هذا التقرير نرصد لكم أهم 5 حقائق كشفتها المقاطعة، التي عرّت الكثير من الأقنعة.

1. النخبة المالية الوطنية لا وطنية

حتى المطلعون في المجال الاقتصادي، لم يتصوروا أن تصل النخبة المالية في البلاد إلى هذه الدرجة من "الاحتكار والجشع المتوحش"، إلا بعد ضغط المقاطعة، حيث تبين أن الشركات الكبرى للمحروقات استفادت بشكل كبير من تحرير هذا القطاع وبطريقة غير معقولة وغير أخلاقية، وحققت أرباحًا إضافية تعادل 17 مليار درهم (1.7 مليار دولار)، بناء على تقرير اللجنة البرلمانية، وهو ما دفع النائب البرلماني عن فدرالية اليسار، عمر بلافريج، إلى مطالبة الدولة باسترجاع تلك الأموال من الشركات.

اقرأ/ي أيضًا: الشارع المغربي يستهدف الغلاء بمقاطعة السلع الاحتكارية.. خذلان السوق والنقابات

فيما ذهل المغاربة بحجم الغبن الذي يعيشون فيه، بعد رواج فيديوهات على الشبكات الاجتماعية، تعقد مقارنات لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية بالبلاد، ومنها قارورات الماء المعدني والحليب المعلب، مقارنة مع نظيرتها في الأسواق الأوروبية والأمريكية، تظهر فداحة الغلاء الذي يكتوي به المستهلكون المغاربة، مع الفارق الواسع على مستوى القدرة الشرائية.

2. الحكومة تتكلم بلسان رجال الأعمال!

كما هو متعارف عليه في كل أنحاء العالم، يفترض من الحكومة أن تمثل مصالح الطبقات الشعبية التي انتخبتها، وتدافع عن برامجها الاجتماعية ضد نخب السوق، حتى لو اقتضى الأمر زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات، لكن في المغرب فإن الوضع مختلف تمامًا، إذ بدت الحكومة في صف الشركات في أوج حملة المقاطعة.

بدت الحكومة المغربية منحازة للشركات التي تمت مقاطعتها بدلًا من الطبقات الشعبية

ففي حين وصف وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، المقاطعين بـ"المداويخ" من داخل قبة البرلمان، ارتأى حسن الداودي، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، أن يدافع عن شركة الحليب "دانون"، التي تستهدفها المقاطعة. أما مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، فقد ذهب بعيدًا وهدّد المقاطعين الناشطين على الشبكات الاجتماعية بالمتابعة القانونية تحت تهمة "نشر الأخبار الزائفة".

3. شركات فاقدة للكفاءة التواصلية

أظهرت حملة المقاطعة بالملموس ضحالة تكوين أطر الشركات المغربية، خاصة على مستوى التواصل والتعامل مع الأزمات، إذ بدل مسارعتهم إلى التجاوب الفوري مع نداءات الغاضبين والرد بخطاب احترافي يطيب خاطر الجمهور، الذين هم الزبناء، وإلى ابتكار خطط فعالة لتطويق الحريق، بادروا إلى تقريع المواطنين المشاركين في الحملة، ليزيدوا الطين بلة.

 فبينما اتهم مدير شركة "سنطرال" قبل أن تتم إقالته، عادل بن كيران، المقاطعين بـ"خيانة الوطن" بسبب مقاطعتهم لمنتوجات الشركة، عمد عزيز أخنوش، مالك شركة "إفريقيا غاز"، إلى إعلانه الوقوف بجانب شركة سنطرال، قائلًا إن "هذه الأمور ليس فيها مجال للعب، ومن يبغي اللعب عليه الذهاب إلى مكان آخر"، فيما ردت شركة "سيدي علي" للماء المعدني ببيان منمق، حاولت فيه استغلال فورة المقاطعة لصالحها، داعية الحكومة إلى خفض الضريبة على الشركة!

4. الشبكات الاجتماعية قوة مؤثرة في الواقع

أحد الأسباب التي جعلت عددًا من الوزراء والبرلمانيين ومسؤولي الشركات المُقاطَعة يتفوهون بتلك "التصريحات الغبية"، هو استهانتهم بتأثير مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم استيعابهم للطريقة التي تعمل بها شبكة الإنترنت، إذ يتصورون أن العالم الافتراضي يبقى افتراضيًا ولا يؤثر في الواقع.

اقرأ/ي أيضًا: من المسؤول؟.. أسعار الأدوية بالمغرب تضاعف ثمنها الدولي

في حين أن الشبكات الاجتماعية، هي بيئة مواتية لإطلاق القوة الكامنة في الجمهور، إذ تمثل مجمع لحشود رهيبة العدد تتواصل مع بعضها البعض بطريقة فورية، مما يسمح بتدفق هائل للمعلومات والأفكار وتلاقحها وتراكمها في وقت وجيز، ومع الوقت ينبثق نوع من الذكاء الجمعي، يتجاوز قدرات الأفراد، لا قائد له ولا متحكم به، تصبح فيه الجماهير هي الموجه الرئيسي لديناميته بطريقة تلقائية.

وهو ما يفسر الدور القوي للشبكات الاجتماعية في بلورة الرأي العام المغربي، وتدويل حملة المقاطعة كقضية شعبية وطنية، لدرجة أن رئيس الحكومة المغربية، سعد الدين العثماني، اضطر إلى الاعتذار عن زلات وزرائه بشأن المقاطعة.

5. المقاربة الأمنية لا يمكنها وحدها إخماد الغضب الشعبي

منذ فترة 2011، إبان الربيع العربي، مرت الحركة الاحتجاجية في المغرب بمجموعة من المراحل التطورية، بدأت باحتجاجات سياسية جسدتها شعارات "حركة 20 فبراير"، ثم جاءت موجة المظاهرات الفئوية والنقابية لتنسيقيات معطلي الشهادات العليا والأطباء والمعلمين وغيرهم من المجموعات المغلقة.

 مرت الحركة الاحتجاجية في المغرب منذ 2011 بمجموعة من المراحل التطورية

وبعد ذلك انتشرت الأشكال الاحتجاجية الفردية التي تركز على حادثة معينة، كما وقع مع موت محسن فكري، لتأتي عقبها الاحتجاجات المناطقية، مثلما حدث في حراك الريف وحراك جرادة وغيرها من المناطق، وأخيرًا تنتهي بحملة المقاطعة، التي تعد نقلة نوعية في الأشكال الاحتجاجية، باعتبارها تركز على البعد الاقتصادي مستهدفة الشركات.

هذا يشير إلى أن الرد الشعبي على تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية يتطور مع الوقت والظروف، ويجد في كل مرة طريقة لتصريف مطالبه، حتى مع القبضة الأمنية.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

جامعي/ة في المغرب.. إذًا أنت عاطل/ة عن العمل!

بعد الدولار.. سوق سوداء لـ"علب الدواء" في مصر