24-أكتوبر-2017

يستحوذ الروس والإيرانيون على عقود إعادة إعمار سوريا (بولنت كيليك/ أ.ف.ب)

بعد أن استطاع النظام السوري استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا، يسعى الآن إلى تطبيق خطة إعادة إعمار تُركز على المناطق الموالية له، وتُخصص عقودها بشكل شبه حصري لحلفائه وشركاء حربه على الثورة والمعارضة: روسيا وإيران. في التقرير التالي المترجم بتصرف عن "فورين بوليسي" مزيدٌ من التفاصيل.


على الرغم من الدمار الذي لحق بحياة ملايين المواطنين السوريين، بالإضافة إلى مقتل مئات الآلاف منهم خلال السنوات الست الماضية، لا تفكر الشركات في داخل سوريا أو خارجها إلا في الدولارات التي يمكن أن تُكتسب من وراء ذلك؛ فكل جسر وطريق ومبنى ومحطة توليد طاقة مدمَّرة، يُمثل على الأرجح فرصة مُحتمَلة لعقدٍ حُكومي وافر الربح لإعادة الإعمار، وهي العقود التي سيبدأ النظام في إبرامها قريبًا.

رغم كل الدمار الذي تسببت فيه الحرب، لا تفكر الشركات داخل سوريا وخارجها إلا في الملايين التي قد تكسبها من وراء عقود إعادة الإعمار

في آب/أغسطس الماضي، توافدت شركات عالمية مما يقرُب من 20 دولة إلى معرض دمشق الدولي في سوريا، وهو المعرض الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية، والذي أعلن من خلاله أن البلاد تفتح أبوابها للشركات الدولية مرة أخرى. وبالطبع ليست كل الشركات، فالشركات التابعة للدول التي عارضت نظام الأسد لم يكن مُرحَّبًا بها.

اقرأ/ي أيضًا: الاقتصاد السّوري.. الانهيار المُخيف

ومن المرجَّح أن تستحوذ الشركات الروسية والإيرانية بشكلٍ كبير على عقود إعادة الإعمار، بعد أن ساندت كلا الدولتين نظام الأسد. كما تتطلع كل من الصين والبرازيل أن ترميا قُبعاتهما في الحلبة وأن تنالا بعضًا من هذه العُقود. وخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي، أكدت 14 دولة تعارِض نظام الأسد، أنها لن تُشارِك في إعادة إعمار سوريا، دون عملية سياسية لا تتضمن وُجود الأسد على رأس السلطة، وقد أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، هربرت ماكماستر، على موقف بلاده تجاه إعادة الإعمار خلال فعالية عُقدت في واشنطن في 19 تشرين الأول/ الجاري، قائلًا: "يجب أن نمنع إنفاق ولو دولار واحد في إعادة إعمار أي شيء يخضع لسلطة هذا النظام الدموي".

وبالفعل وقعت روسيا في بدايات شهر نيسان/أبريل 2016، بعد فترة وجيزة من تدخلها العسكري في سوريا، عُقود إنشاءات في البنية التحتية وغيرها من العُقود، بقيمة تصل إلى مليار دولار تقريبًا. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، تعهدت دمشق بإعطاء موسكو الأولوية في منح هذه العقود، وذلك حسب قناة روسيا اليوم، وبالفعل بدأت شركتان عاملتان في مجال الطاقة تتبعان الكرملين، في نشاطها الخاص بالتنقيب عن النفط والغاز والتعدين في المناطق التي أعاد النظام السيطرة عليها بدعم روسيا وإيران ومليشياتها، من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). كما أن روسيا والنظام السوري يفكران في إنشاء بنك مشترك جديد لتسهيل المعاملات بينهما. 

إضافةً إلى أن خطط إعادة الإعمار تركز على المناطق الموالية للأسد، فإن عقودها أيضًا تذهب بشكل شبه حصري لكل من روسيا وإيران

وفي وقت مبكر من هذا العام، وقعت شركات إيرانية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، مع النظام السوري، صفقات إعادة بناء لشبكات الهاتف والمناجم، كما وقعت شركات إيرانية خلال الشهر الماضي مجموعة من العقود الأولية لبناء محطاتٍ جديدة لتوليد الطاقة والكهرباء في عددٍ من المدن السورية التي استطاع النظام فرض سيطرته عليها، من بينها حلب وحمص. وقد صرّح مسؤولون نفطيون إيرانيون أيضًا، أن بلادهم سوف تُنشِئ مِصفاةً للنفط في سوريا. 

اقرأ/ي أيضًا: المأساة السورية وأوهام الحل السياسي

هناك بعض الدول الأخرى التي تسعى لنيل جزء من هذه العقود، ففي 19 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، قال وزير الخارجية البرازيلي، ألويسيو نونيس، إن بلاده بصدد إعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كاملٍ مع سوريا، وإعادة فتح سفارتها في دمشق، بعد أن أُغلقت في عام 2012، وذلك بهدف حصول الشركات البرازيلية على حصةٍ من عقود إعادة الإعمار هناك.

هذا وحضرت بعض الشركات الغربية الصغيرة المعرض الدولي الذي أقيم الشهر الماضي في دمشق، على أملٍ الحصول على جُزءٍ من عقود الإعمار تلك، والتي قدَّرتها بعض منظمات الإغاثة بما لا يقل عن 300 مليار دولار.

ومع ذلك، لن يعود إعادة الإعمار بالنفع على الشعب السوري بأكمله، فقد فرّت معظم النخب التي عارضت النظام إلى الخارج، تاركين خلفهم مؤيدي الأسد، الذين يُعدِّون أنفسهم بالفعل حاليًا لتأسيس شركات تجارية وإنشائية جديدة، للحصول على أكبر قدر ممكن من عقود إعادة الإعمار إلى جانب الشركات الخارجية.

وذكرت لينا الخطيب، رئيسة برنامج الشرق الأوسط بمعهد تشاتام هاوس، أنه لن تنعم كافة أرجاء البلاد التي دمرتها الحرب بنفس ما تنعم به دمشق، فوفقًا لها فإن نظام الأسد "يريد أن يعاقب المناطق التي تمردت عليه بعدم تضمينها في عُقود إعادة الإعمار"، مُضيفةً: "النظام السوري ليس مهتمًا بإعادة إعمار سوريا بالكامل، بل بإعمار المناطق الموالية له فقط".

إذا ما نُفذت مساعي إعادة إعمار سوريا وفقًا لرؤية نظام الأسد التي لا تحترم حقوق الإنسان، فإن ضرر المساهمة فيها أكبر من نفعها

وأبدت بعض منظمات الإغاثة قلقها من تركيز جهود إعادة البناء على المناطق الموالية للنظام فحسب بعد انتهاء الحرب، ذلك ما سيُرسِخ ويُعمِق نفس نوعية التمييز والاضطهاد والانقسام والانتهاكات التي ظهرت خلال سنوات الصِراع الست. وقد أصدرت العديد من منظمات الإغاثة ومنها منظمة أوكسفام، ومنظمة أنقذوا الأطفال، ومنظمة كير الدولية، بيانًا مشتركًا في وقت سابق من هذا العام، أشارت فيه إلى أن "المشاركة في مساعي إعادة الإعمار، ضرره أكبر من نفعه" إذا ما طُبِّق وفق رؤية نظام الأسد التي لا تحترم حقوق الإنسان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف حصل حلفاء الأسد على 18 مليون دولار من الأمم المتحدة؟

وداعًا للثورة.. أهلًا بتقاسم "تركة" سوريا الميتة