14-فبراير-2016

لاجئون سوريون في مخيم قرب معبر باب السلام على الحدود السورية التركية (Getty)

ثمة تقارب يصل حد التماثل في بعض الأحيان بين الأنظمة السياسية في الدول العربية، وإعلانات بعض المنتجات التجارية في الفضائيات التلفزيونية، إذ إنك عندما ترى تسويقها لنفسها تشعر بكمالها تقريبًا، إلا أنك تصدم حضاريًا إذا ما عاينتها على أرض الواقع، لتكتشف "متأخرًا" أنك خُدعت وليس بمقدورك سوى لوم نفسك على تلك السذاجة.

عجزت الدول العربية، أو تخاذلت، في دعم الشعب السوري للتخلص من نظام مشوّه طائفي

طيلة أعوام الثورة السورية الخمسة، عجزت الدول العربية "الوازنة"، أو تخاذلت إن صح التعبير، في دعم الشعب السوري للتخلص من نظام أقل ما يمكن وصفه بأنه مشوّه طائفي، وذلك ليس لعدم وجود الأموال والسلاح، فقط ما كان يمنعهم هو تبعية القرار السياسي في بلدانهم إلى الدول العظمى وتحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية، وما عايناه في تلك السنوات "العجاف" من تردد وقطيعة في إمداد المعارضة السورية المسلحة من صوب، وأسلمة متشددة لبعض لفصائلها من صوب آخر، ما هو إلا رأس جبل جليد جرائم تلك الأنظمة.

تأتي هذه الكلمات بينما بات كثير من العرب يرون ما يسوقه الإعلام الرعوي في هذه الأوقات حول حتمية دخول المملكة العربية السعودية حربًا في سوريا حقيقة لا مفر منها، يكون هدفها المعلن القضاء على تنظيم داعش، بينما يخفي في طياته قتال قوات النظام السوري وحلفائه الإيرانيين وقلب المعادلة بعدما بات نظام بشار الأسد صاحب اليد الطولى في البلاد، بعد التدخل الروسي هناك، فهل ستدخل السعودية تلك الحرب؟ وإن دخلت فلماذا في هذا التوقيت؟ وماذا تريد من تدخلها إن فعلت؟

علينا أولًا أن نستذكر سبب اهتمام الرياض بالثورة السورية، ولماذا تقف المملكة ضد النظام، وترعى كما يقال بعض فصائل المعارضة المسلحة وتنفق كل هذا المال في تلك الأرض، لماذا أجهضت السعودية حكم الإخوان في مصر ودعمت العسكر وانقلابهم على مخرجات الثورة، بينما هي في سوريا على النقيض من ذلك، بالطبع يكمن السبب في إيران وحسابات لعب دور شرطي المنطقة، والتقارب بين الأخيرة والولايات المتحدة الذي كلل بالاتفاق النووي، والخوف من تمدد الإيرانيين في المنطقة وتغول أذرعهم في مناطق غير العراق ولبنان والبحرين واليمن.

بالعودة على السؤال الأهم في هذه الكلمات، المتعلق بجدية دخول الرياض حربًا برية في سوريا، يتضح أن الإجابة بنعم أو لا ستكون غير كافية لما يحدث على الأرض، من الممكن أن تركيا وبدعم من السعودية ستحاول دخول المنطقة الشمالية السورية لتحيّد المكون الكردي من العبث والضغط على الأتراك، بالإضافة إلى تفعيل منطقة آمنة للسوريين الفاريين من القصف الروسي على أماكن تواجد المعارضة، وهذا يعني عدم لجوء اللاجئين إلى تركيا ومغادرة أكثرهم إلى أوروبا وهذا ما تسعى إليه دول الاتحاد الأوروبي، ناهيك عن تثبيت الرياض نفسها على أرض الواقع كطرف يتواجد في الداخل السوري مما يضمن حصتها من التسوية في حال حدوثها.

لو دخلت السعودية وتركيا إلى الشمال فلن يزيد ذلك إلا إذكاء الحرب ومأساة السوريين، فالتدخل الخارجي واحد

الأمريكيون بدورهم اكتفوا بالترحيب الخجول لما تفعله أنقرة والرياض، والتحذير في بعض المواضع، بل وصل الأمر حد دعوات خجولة للتعقل، مما يعني قبول الولايات المتحدة لهذا الفعل آنيًا على الأقل، فإدارة أوباما المنسحبة اختياريًا من المنطقة ترى أن التخلص من تنظيم داعش أولوية لا سابق لها، ولا تقيم وزنًا لحلفائها من الأكراد، وهي غير مستعدة لدخول حرب برية بقواتها، وهي سعيدة في نفس الوقت للتفاهمات التي أقامتها مع موسكو فيما يخص تسوية الصراع الدائر في سوريا.

لربما سيكون العائق الأكبر لما تخطط له تركيا والسعودية هو الرئيس بوتين وقواته المتواجدة في دمشق واللاذقية وفي سماء سوريا، ذلك أن حطام الطائرة الروسية المسقطة من قبل أنقرة لم يبرد بعد، فهل سيسمح "القيصر" بدخول تركيا إلى الأراضي السورية، وكيف سيشرح للإيرانيين قبوله تواجد السعوديين في الشمال السوري إن حدث ذلك.

المؤكد أنه لن يخرج جندي واحد من الحدود التركية باتجاه سوريا دون موافقة الولايات المتحدة، وهذا يعني بطبيعة الحال تفاهمها مع الروس حول ذلك، وهذا ما تسعى إليه السعودية من خلال زيارة الملك سلمان إلى موسكو في الشهر المقبل، حيث سيحاول شرح وجهة نظر الرياض حول الأزمة ومحاولة تقريب وجهات النظر بشأن تسوية النزاع هناك، فهل سينجح العاهل السعودي في مسعاه؟

إنها نهاية مأساوية. كان من الأجدى أن تقدم الدول العربية الدعم الحقيقي والنوعي للمعارضة منذ زمن بعيد لو كانت تمتلك الإرادة الجدية لإنهاء النظام، إلا أن الأنانية والانقياد للولايات المتحدة حرم السوريين مرات عدة من التخلص من بشار الأسد ونظامه، وحتى لو دخلت السعودية وتركيا إلى الشمال فلن يزيد ذلك إلا إذكاء الحرب ومأساة السوريين، ببساطة شديدة ما يفعله الجميع الآن ليس إلا تقاسم "تركة" سوريا الميتة.

اقرأ/ي أيضًا:

ليالي النحس في فيينا

تركيا.. السلطان يعود من الجديد