14-يوليو-2016

تثير فكرة "خطبة موحدة" في مصر احتجاجًا واسعًا(كارستن كوال/Getty)

ليس فقط بين المصلين، إنما في أوساط الدعاة وأئمة المساجد، رفض واحتجاج واسع لفكرة "الخطبة الموحَّدة" في مصر. مشروع قانون "الخطبة" في أدراج الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عهد "مبارك"، وكان في ذلك الوقت سيكون ردًا على الأئمة السلفيين والإخوان المعارضين. هذه المرة جاء بشكل مختلف، ربما يتحوَّل إلى قانون يشرعه مجلس النواب، ويوافق عليه.

تثير فكرة "خطبة موحدة" في مصر احتجاجًا واسعًا من قبل المصلين وأيضًا في أوساط الدعاة وأئمة المساجد

وأعلنت وزارة "الأوقاف"، في بيان لها، تشكيل لجنة علمية لإعداد وصياغة خطب الجمعة، وجاء في البيان تحديدًا: "الخطب ستكون بما يتوافق مع روح العصر من قضايا إيمانية وأخلاقية وإنسانية وحياتية وواقعية، وتعميمها مكتوبة". وبرَّرت "الأوقاف" قرار فرض "خطبة موحَّدة" بأن بعض الخطباء "لا يتمالكون أنفسهم على المنبر". لكن ما المعنى الذي قصدته الوزارة؟

يقول البيان: "لا يملكون أنفسهم إما بالإطالة أو الخروج عن الموضوع أو الدخول في أمور سياسية وحزبية". وأكد محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، أن خطبة الجمعة الموحدة ستكون في مستوى العامة والبسطاء. وفقًا لما قاله الوزير، فإن لجنة علمية من كبار العلماء وخبراء علم النفس والاجتماع حددت الأسس التي يجب أن تكون على أساسها الخطبة، ووضعت "بنودًا مكتوبة" لها لتعميمها على محافظات مصر.

اقرأ/ي أيضًا: الأزهر التاريخيّ في دورانه 

ويمكن أن تلمس ما ستحتويه الخطب، والخط العام المرسوم لها، وتتوقعه، وتتعرف عليه تمامًا من خلال أسماء أعضاء في اللجنة. يقول "جمعة"، وزير الأوقاف المصري: "أسامة العبد، رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب، وأسامة الأزهري، المستشار الديني للرئيس عبد الفتاح السيسي".

ما الذي ستحتويه الخطبة وتركز عليه؟.. قالت مصادر لـ"الترا صوت": "سيتم تحجيمها عن الجانب الدعوي وفصلها عن السياسة والتحزّب تمامًا، وتسليط الضوء على أهم الرسائل والمفاهيم والمضامين التي يحتاج المجتمع المصري تصحيحها بالتعاون مع الصحف وبرامج الإذاعة والتلفزيون".

وأشار وزير الأوقاف في أكثر من مناسبة إلى أن الوزارة وضعت "استراتيجية لفهم الدين المستنير" من خلال 270 خطبة خلال خمس سنوات، دون أن يحدد ما هو "الدين المستنير" من وجهة النظر الرسمية. "زلة لسان" غير مقصودة.. ربما! لكن الجملة التالية في خطاب وزير الأوقاف هي "خمس سنوات مدة كافية لإعادة صياغة العقل المصري".

ورغم وجود أسامة العبد، عضو مجلس النواب الذي كان رئيسًا لجامعة الأزهر، وأسامة الأزهري، في لجنة صياغة "الخطوط العامة"، لا يجد "الأزهر" مكانه داخل مشروع "خطبة الجمعة الموحَّدة" حتى الآن، والعرف أنه لا بد أن يكون جزءًا منه ممثَّلًا في شيخه، أحمد الطيب، خاصة أن الشيخين محسوبان على معسكر "الشيخ السياسي علي جمعة".

يكشف استبعاد شيخ الأزهر أحمد الطيب عن لجنة صياغة فكرة "خطبة الجمعة الموحدة" جانبًا من الصراع بين القيادات الدينية

الاستبعاد يكشف جانبًا من الصراع في القاهرة بين القيادات الدينية، والروافد المسيَّسة التي لا تخرج من منبع واحد، وهو الذي تسرَّب على صفحات عدة مطبوعات مصرية على شكل تقارير عن "الغضب بين أحمد الطيب ووزير الأوقاف مختار جمعة".

اقرأ/ي أيضًا: عمائم ومكائد

يواجه شيخ الأزهر، مؤخرًا، موجة غضب رسميَّة في مصر، بعد رفضه تكفير "داعش" بقوله "لا أستطيع تكفير التنظيم لأنه لكي تكفر شخصًا ما يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به". وهو ما أدَّى إلى استبعاد "الطيب"، الأمر الذي أخذه هو على محمل الجد ليعتزل "الأزهر"، ويبتعد عن المشيخة، ويمنح نوابه ومستشاريه جميع صلاحياته، خاصة أنه، وفقًا لتسريبات صحفية، لا يزال متعاطفًا مع "الإخوان".

بعيدًا عن شيخ الأزهر، حرقت "الخطبة الموحَّدة" أوصال أئمة المساجد، حيث اعتبروا القرار "تقليلًا من قيمة رجل الدين". ورفض البعض ذلك، معتبرين القرار يهدف إلى تحويلهم إلى "بغبغانات" تردد ما تريد الحكومة ترويجه. وأطلق مجموعة خطباء "هاشتاج" بعنوان "لا للخطبة المكتوبة"، في الوقت الذي أكد الشيخ زكريا الخطيب، وكيل الأوقاف بمحافظة الشرقية، أن هذا القرار لا يزال قيد الدراسة، وليست هناك تعليمات حوله حتى الآن.

اللافت أن جميع أئمة المساجد، أصحاب المناصب الرسمية، قبلوا القرار ودافعوا عنه، وهو ما اعتبره باقي الأئمة عدوانًا عليهم من الداخل وتساوقًا مع عملية فرض سطوة السلطة السياسية المستمرة على الحقل الديني وحتى الدعوي.

اقرأ/ي أيضًا:

المقرئ النصاب.. موسم سقوط نجوم العمائم

أغرب 5 فتاوى مصرية في رمضان