18-أغسطس-2023
غلاف مجموعة صديقي الذي رفع يديه احتجاجًا (الترا صوت)

غلاف مجموعة صديقي الذي رفع يديه احتجاجًا (الترا صوت)

تستعد "دار شهريار" لإصدار المجموعة الشعرية الأخيرة للشاعر العراقي الراحل خضر حسن خلف تحت عنوان "صديقي الذي رفع يديه احتجاجًا".

وجاء في كلمة الغلاف التي دوّنها القاص والروائي العراقي لؤي حمزة عبّاس: "يخرج خضر حسن خلف، الشاعر الهادئ ذو الصوت الخفيض عمَّا اعتاده في مجمل تجربته الشعرية، موجّهًا حديثه للإنسان في كلٍّ منّا، مستنهضًا يقظته، متطلّعًا للحلم بفجر جديد، وتلك هي حكاية الديوان، كما أراد لها في آخر أعماله أن تكون، مغادرةً للذاتي وامتزاجًا بالموضوعي من الأفكار والهموم والتطلّعات".

وأضاف عبّاس: "من هنا كان للواقعة، سياسية واجتماعية، حضورٌ مرجعيٌ ملموسٌ وأثرٌ بيّنٌ في توجيه التجربة نحو مقاصدها، القريبة منها والبعيدة. إنَّ القصيدة تجتهد من أجل عبور الوقائع للوصول إلى معانيها، وتخطّي الراهن للإمساك بما بين الحقيقة والوهم من مجاز حياتي واستعارة شعرية، ليكون حديث خضر، بموجبها، تلويحةً حانيةً ونداءً غامرًا للصديق الذي رفع يديه احتجاجًا: الحياة تستعصي على الكسر، يا صديقي!".

وتابع: "تلك هي وصيّته الأخيرة لصديقه ولذاته، فليس ثمَّة أقرب من الذات صديقًا، كما في جملة أرسطو "الصديق إنسان هو أنت، إلَّا أنَّه بالشخص غيرُك"، أو جملة أبي حيان التوحيدي، "الصديق آخر هو أنت"، من أجل حلمٍ يكبر في الذاكرة متوهّجًا في صمتنا. تجتهد القصيدة كي تجدّد، على مشارف الحلم، ذاتها، في غياب الشاعر وفي حضوره الظليل".

ننشر هنا قصائد من المجموعة بالاتفاق مع الناشر.


الشاعر

كُلّما

حدّقَ بفيضِ الألوانِ وشواهد المدينة

،،حينَ تطيح بظلالها على الأرصفةِ

وأمامَ رغباتِ الشموسِ،،

تألقَ على مزاجٍ خاص!.

 

كُلّما

تمادى الأنينُ في التصاعدِ منْ فمِ الأرض

وخلّفَ وراءهُ دموعًا وحماقات،

كفّ الزمنُ عن اللعبِ في فضاءِ بياضهِ

وشيّعَ رغباتهِ في حمّى من الهذيان.

 

 

كُلّما

تمطّى قوسُ قُزح

على نتفِ السّحب

وبهرَ لمعانهُ العيون،

اشتجرَ بينَ كلّ الأسئلةِ محورًا للكون.

 

كُلّما

انزلقتِ الأحلامُ

على الواجهاتِ البرّاقةِ،

كثّفَ الأمنيات بالكلماتِ وأمطر.

 

وفي أقصى الليلِ

وحدهُ الشاعرُ تحتَ وابلٍ من القلق

تضجُّ بينَ يديهِ القصيدةُ ببلاغتها

ولا تهدأ.

 

الربيب

لقدْ أمسكتُ بكَ أخيرًا يا صاحبي

مغمومًا تحتَ مظلّةِ العمر الذابل

ومُتلبّسًا بالانكفاءِ على غرامٍ قديم

لقد أمسكتُ بكَ

ترتعشُ كعصفورٍ مُبلّل

وأنا الذي حاولتُ تدجينكَ منْ قبلُ

على سطوحِ سنواتي

روحًا لا تتقمّصُ إلّا جذوتها

ولا يليقُ بتوهجها إلّا نكرانُ الذات

ومهدّتُ لذلكَ

على ألّا تنخرط بالحزنِ حدّ المللِ

وألّا تخدش نعومتكَ بالفرحِ المفرط

أتذْكر،

حينَ راودتْنا فكرةُ أنْ نرودَ القممَ ونمسكَ بالسماءِ

جفلتَ في منتصفِ الحلمِ

فانفرطتْ حبّاتُ الحماقةِ

أتعرفُ

أنّني احتفلتُ بذكرى غيابكَ

قبلَ حربٍ منِ الخوفِ والارتياب

وحينَ حطّتْ أوزارَها بالقربِ منّي

لاحتْ ثمارُ أوجاعِها انتكاساتٍ معلّبة

وفي عينِ الوقتِ، إذّاكَ

تمرّغَ الوهمُ بالكلماتِ معي على الساترِ

ونثرتُها قصاصاتٍ طارتْ معَ الريحِ صوبَ الإخوة / الأعداء

ربّما الْتقطَها مجنّدٌ مجبرٌ على مقاتلتي

وقرأها بأدبٍ جمّ

على غيرِ عادةِ الأصدقاء

لقدْ امسكتُ بكَ يا صاحبي

ولكنّني لنْ أهادنَكَ في هدأتي

فما عادتْ حماقاتُنا البريئة قمصانًا ورديّةً

نرتديها وقتَ نشورِ المساء

وما عادَ السكوتُ مجديًا

ففضّةُ الكلامِ أضحت العلامةَ الفارقةَ

وقدْ أخضعَها الساسة للمزايداتِ

وأضاعوا الحلمَ يا صاحبي!

أنتَ تعرفُ قبلَ غيركَ

أنّ ما تبقى في الظلامِ هواجسُ

ولا ملاذَ لها سوى ظلال الكلامِ

وهوَ غسيلي للنسيانِ

ولا أشعرُ أنّني عالقٌ

بينَ هذا الألمِ المُمضّ ودربي القديم

ولستُ على استعدادٍ لأنْ أبدّلَ ذلكَ

سواء أكنتَ معي أم لا!

 

لا جمال للنواح، يا أمي!

حينَ تبدئينَ بالنّواح

وتُسمعينَ الجدرانَ شجنًا مُعادًا

أعلمُ أنّ الوحشةَ قدْ تلبّستْكِ

 وأنّ الأسى قدْ تفرّدَ بمقدمهِ لمواساتكِ

 حينَ تبدئينَ من الصعبِ أنْ تسكُتي

 ومن الصعبِ أنْ تتجنّبكِ عواطفُنا

 ما الذي يجري؟

 أيُعبئُ الحزنُ قلبكِ بوزرِ السنواتِ الثقيل،

 أمْ تنعينَ حياةً مُلتبسةً عليكِ؟

 ربّما اللحظة مرّتْ بذكرى منسيّةٍ من الجنوب

 ولمْ تخلّفْ غيرَ الدّوي لديكِ

 وربّما التشدّقُ بـ " كي لا ننسى "

 التي أرهبتِ الزرع والضرع!

 

أتساءلُ بما لا تشتهينَ مرّاتٍ عدّة

وتبلينَ بمرافقةِ الشجنِ العتيقِ

هلْ تنعينَ وجوهًا كستْها الجهامةُ

و روّضتِ " الوقتَ " ثمّ جفلتْ؟. هلْ؟!

الوقتُ لا يرافقُ أيًّا كانَ نديمًا

وأنا ورثتُ العاطفةَ منكِ، فتوشّحتُ بالذهولِ منهُ

وبقيتُ متورّمًا بسلطانهِ وأمقتُ جندَهُ المبرمجين

لقدْ سوّلتْ لهم أنفسُهم أنْ يبحثوا عن الـ " لا مرئي "

في الماءِ العكرِ، وأسيادُهم المتبجحونَ بخواتم العقيق

يضيقونَ ذرعًا بصناعةِ الجمالِ

وهُم في أبهى مزاجٍ يلوكونَ فصاحةً ميّتةً،

حشْرًآ يُعبّئونها بما في صدورهم منْ أوهام..

أُمي، آهٍ، جُرحك العميقٍ، غير قادرةٍ على أنْ تواريه بالنواحِ فامسكي!

و ليسَ ثمّة جمالٌ للنواح.