07-نوفمبر-2019

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دائم الهجوم على وسائل الإعلام (أ.ب)

يُعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أحد أكثر الرؤساء إثارة للجدل فيما يخص علاقته بوسائل الإعلام. من ذلك مثلًا تغريدة له قال فيها: "علينا أن نبدأ في البحث عن قناة أخبار جديدة، فوكس نيوز لا تعمل بالنسبة لنا بعد الآن"، هذا رغم أن قناة فوكس نيوز، من بين القنوات القليلة المنافحة عن ترامب بشكل صريح.

يُعتقد أن ترامب يدرك جيدًا نتائج نقده المتواصل لوسائل الإعلام، من حيث جذبها إليه والحصول منها على تغطية مجانية كما فعل في الحملة الانتخابية

ويأخذ هذا الأمر دلالة مضاعفة، مع الأخذ في الاعتبار المناخ السياسي العاصف الذي يجتاح المؤسسات الرسمية الأمريكية، والمتمثل مباشرة في إجراءات العزل التي بدأها الديمقراطيون بالتزامن مع انطلاق الحملات من أجل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2020 .

اقرأ/ي أيضًا: غضبة الصحافة الأمريكية ضد ترامب.. حملة افتتاحيات للوقوف أمام "جنون"الرئيس

تاريخ من العلاقات المتوترة

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، شن ترامب حرب على وسائل الإعلام بشكل عام، والتي يتهمها بأنها تسوق "أخبارًا مزيفة". ولعل الحادثة الأشهر كانت بين دونالد ترامب ومراسل "سي إن إن" في 11 كانون الثاني/يناير 2017، حين تحدث ترامب إلى المراسل بطريقة وصفت بـ"غير اللائقة".

ترامب ووسائل الإعلام
دونالد ترامب مهاجمًا مراسل "سي إن إن" جيم أكوستا

بدأ الموقف بسؤال من المراسل حول التحقيق في التدخل الروسي بالانتخابات الرئاسية لصالح ترامب، الذي لم يكن بدوره يرغب في الإجابة عن السؤال، ما دفع بالصحفي جيم أكوستا إلى رفض إعادة المايكروفون للقائمين على تنظيم المؤتمر الصحفي من البيت الأبيض، الأمر الذي أدى إلى تعليق إعتماد الصحفي.

 وعلى إثر ذلك أعربت شبكة "سي إن إن" عن شعورها بالقلق من القرار غير المسبوق، والذي وصفته بـ"التهديد للديمقراطية". ومن جانبه، علق الصحفي، قائلًا: "ما نتحدث عنه كل يوم هو حقيقة ما يجري في جميع أنحاء العالم، والرئيس غاضب مما نفعله في شبكة سي إن إن، ويعود السبب في ذلك إلى أننا نبذل الكثير من الوقت للتحقق من الحقائق وتصحيح ما يقوله، ونشير إلى الأخطاء التي يرتكبها. إننا نقوم فقط بتصحيح البيانات حتى يفهم الناس الحقائق".

لاحقًا، وسع دونالد ترامب حربه المفتوحة على وسائل الإعلام الأمريكية، فاتهم الصحفيين ووسائل الإعلام بأنهم "أعداء للشعب"، مستهدفًا المؤسسات الصحفية والإعلامية الأكثر شهرة، فوصف صحيفة نيويورك تايمز مثلًا بـ"الفاشلة"، واتهم "سي إن إن" بنقل الأخبار الزائفة. 

نتائج عكسية.. ولكن!

لكن المفارقة أن تصريحات الرئيس الأمريكي، خاصة ضد نيويورك تايمز وسي إن إن، جاءت بنتيجة عكسية، إذ زادت الاشتراكات والمشاهدات لهما. وبشكل عام أثارت تصريحات ترامب المثيرة للجدل، اهتمامًا أزيد بمتابعة وسائل الإعلام في الشارع الأمريكي، بحيث بات من الممكن القول إنه ترامب، من حيث لا يدري، حقق لوسائل الإعلام مزيدًا من الانتشار!

غير أن بعض المراقبين يعتقدون أن دونالد ترامب على دراية ما يقوم به جيدًا فيما يخص "الحرب على الإعلام"، خاصة خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات 2016، فقد استطاع خفض تكلفة حملته بشكل كبير، من خلال الحصول على التغطية المجانية، بإثارة الجدل حوله وجذب الانتباه لأفعاله وتصريحاته. 

وهو تقليد ترامبي استمر حتى بعد وصوله للبيت الأبيض ففي ختام حديثه مع صحيفة نيويورك تايمز في كانون الأول/ديسمبر 2017 ، قال ترامب بصراحة: "هناك سبب آخر لربح أربع سنوات أخرى (في البيت الأبيض)، وهو أن الصحف والتلفزيون وجميع أنواع وسائل الإعلام بدوني، ستنخفض أرباحهم؛ لذلك عليهم أن يدعوني أفوز".

وما يُؤخذ في الاعتبار من باب التدليل على ذلك، العلاقة التي تبدو متناقضة بين ترامب ونيويورك تايمز، فعلى الرغم من انتقاداته لها، إلا أنه نفسه الذي قال عنها: "إنها (نيويورك تايمز) جوهرة أمريكية عظيمة جدًا. إنها جوهرة عالمية".

إعادة إنتاج رونالد ريغان

في هذا السياق، هل يمكن القول إن دونالد ترامب، يسعى، بطريقته الخاصة، إعادة إنتاج نموذج رونالد ريغان، الممثل الذي أصبح الرئيس الـ40 للولايات المتحدة؟

لم يخف ترامب إعجابه الشديد بريغان. وعلى ما يبدو، يعتقد ترامب أنه أيضًا تمكن من الرئاسة الأمريكية بفضل وسائل الإعلام وجذبها لانتقاده.

ترامب ووسائل الإعلام
يُعتقد أن ترامب يستفز وسائل الإعلام للحصول على تغطية مجانية، كما فعل في الحملة الانتخابية

وفي الواقع، فمنذ الحملة الانتخابية وحتى اليوم، كانت وسائل الإعلام، لا سيما الصحف والقنوات التلفزيونية، تسمح لترامب بتقديم نفسه بوصفه المدافع عن حرية التعبير، والادعاء بأنه "أقرب إلى الناس"، من خلال التواصل عبر الأنماط الأكثر حداثة من وسائل الإعلام، مثل موقع تويتر مثلًا!

ومن خلال شيطنة أولئك الذين قدموه كمرشح مثير للسخرية، انعكس توازن القوى، وكانت وسائل الإعلام نفسها هي التي وجدت نفسها غير موثوقة بنفس الطريقة، كما كانت إدانة وسائل الإعلام الكبيرة تتضمن المواجهة مع النخب المثقفة.

وبذلك، سمحت وسائل الإعلام لترامب أن يضع نفسه إلى جانب المواطن العادي في مواجهة "النخبة الثقافية". وبهذه الحيلة، استطاع دونالد ترامب أن يقوض تأثير وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية خلال الحملة الانتخابية، بأسلوب دعاية لا تُغفل فيها البروباغندا الشعبوية.

سمحت وسائل الإعلام لترامب أن يضع نفسه إلى جانب المواطن العادي في مواجهة "النخبة الثقافية"، وبهذه الحيلة، استطاع تقويض تأثيرها

وفي الوقت الذي تحولت فيه المواجهة داخل أروقة السياسة الأمريكية إلى مواجهة أيديولوجية، يقرر الرئيس الأمريكي، على ما يبدو، امتطاء حسابه على تويتر، كأداة فعالة في حملته الانتخابية القادمة، متيحًا لمتابع مُقارِن، تذكر أن ترامب جعل من فترته الرئاسية في معظم لحظاتها، فرصة لاستحضار حذاء الصحفي العراقي منتظر الزيدي، الذي حلق في يوم ما نحو الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إحصائيات ترامب على تويتر.. حساب للجواسيس والمتطرفين والدجالين!

سطوة المال والإعلام.. كيف تعمل الديكتاتورية في أمريكا؟