15-مايو-2017

الحوالات المالية من أوروبا تنعش حياة السوريين (جو ريدل/ Getty)

مهما كان المبلغ المرسل من إحدى الدول الأوروبية صغيرًا باليورو مثلًا فإن قيمته كبيرة بالنسبة لمن سيستلمه في سوريا. إنه بمثابة مرتب شهري للكثير من العوائل السورية، التي بقي جزء منها في سوريا، بينما غادر الجزء الآخر لدول أوروبية مختلفة، في ظل الوضع الذي تعيشه سوريا منذ سنوات.

مهما كان المبلغ المرسل من أوروبا صغيرًا باليورو فإن قيمته كبيرة بالنسبة لمن سيستلمه في سوريا ومن هناك اكتسب أهمية كبرى

يقول أبو لؤي، 60 عامًا، لـ"الترا صوت": "كل بداية شهر أقصد مكتب الحوالات المالية في دمشق لأقبض حوالة من ابني المقيم في ألمانيا، تقريبًا حفظني الموظفون هناك". يضحك ويضيف: "يذكرونني بالمحاسب الذي كنت أقبض منه مرتبي الشهري في المديرية التي كنت أعمل بها، والموضوع متشابه إلى حد كبير".

اقرأ/ي أيضًا: "تشبيح" المصرف المركزي السوري

ربما هو مشوار واحد فقط إلى قلب العاصمة دمشق تقوم به أم عمر، 55 عامًا، لقبض الحوالة المالية المرسلة لها من فرنسا عبر "ويسترن يونيون" مرة كل شهر، تقبض وتسير في الشوارع العامة قليلًا ، تشم الهواء وتشتري القليل مما يلزمها، لتعود في الشهر الذي يليه إلى المكان عينه والمشوار ذاته. في ذات السياق، لا يستطيع إياد، 40عامًا ومقيم في هولندا، التأخر في إرسال الأموال لوالديه كل أول شهر، فمن دون ذلك المبلغ لن يتمكنوا من الأكل والشرب وتأمين مستلزماتهم، بحسب تعبيره.

في السابق، كانت بعض الأسر السورية، من الطبقة الوسطى والوسطى الدنيا، تعيش على المعاشات الوظيفية، ويتجه آخرون نحو العمل الخاص أمّا اليوم فقد بات الموضوع أعقد وأصعب، فلا مرتب حكومي يكفي مصاريف الحياة، ولا العمل الخاص يُعول عليه.

فحلّت تلك الحوالات المالية، والمؤلفة أغلبها من قطعة 100 يورو أو أكثر قليلًا، محل الأجور الشهرية. يستلمها الأهل من مكتب الحوالات بالليرة السورية، والقيمة النقدية متغيرة دومًا وتتراوح بين 50 ألفًا أو 53 ألفًا، هي، حسب الكثيرين، لا تكاد تكفي حتى منتصف الشهر، لكنها ما يقدرون على تقديمه للأهل من المساعدة الاجتماعية التي يتلقونها في بلدان اللجوء، حتى يتمكنوا من إيجاد عملٍ أو دراسة وتدبير شؤون حياتهم الجديدة.

حوالات أخرى توجه لأماكن مختلفة كتركيا ولبنان، تصل السوريين المقيمين في تلك الدول من أوروبا، يوجهها أقارب أو أصدقاء، لكن بعضها تم تعليقها أو التدقيق فيها بسبب تشديدات أمنية تفرضها بلدان الاستقبال لأمور تتعلق بالخوف من التمويل الخارجي للعسكريين والمتشددين وغير ذلك. وهكذا ترتبط حتى هذه الشؤون اليومية والمستعجلة بشؤون أكبر منها، وعلى صعيد سياسي وعسكري، يُجر السوريون حتى وإن لم يكن لهم لا ناقة ولا جمل.

تتعرض بعض حوالات السوريين الموجهة إلى تركيا ولبنان إلى التعليق أو التدقيق بسبب تشديدات أمنية تفرضها بلدان الاستقبال

أمّا بالنسبة لطريقة الحصول على هذه المساعدات المالية، فتكون عبر مكاتب الحوالات الحكومية التي تقدم خدمة Western Union "ويسترن يونيون"، وهذا بعد إغلاق الحكومة السورية للكثير من مكاتب الحوالات قبل أعوام بتهم اقتصادية. ولكن ساعات الوقوف الطويلة أمام تلك المكاتب جعلت الأمر أكثر صعوبة.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة في العراق... المصارف "دكاكين" لتمويل "داعش"

يقول أحمد، 30 عامًا، لـ"الترا صوت": "أفضل إرسال الأموال من تركيا إلى سوريا عن طريق أصدقاء أو أصدقاء الأصدقاء أو حتى عن طريق مجموعة تعرف شخصًا يسافر إلى سوريا". وهذا ما صار مع الكثيرين، لأسباب عدة أهمها طوابير الانتظار الطويلة، وسعر صرف القطع الأجنبية، الذي يتلاعب بقيمته مكتب الحوالات.

شيئًا فشيئًا تكونت تلك السلسلة البشرية، التي توصي بعضها البعض بأخذ المال وإيصاله لأصحابه، شبكة علاقات بين أشخاصٍ كانوا لا يعرف بعضهم البعض، وأدت الحاجة لتلك الحوالات إلى ثقة بينهم، هي نابعة من الفراغ أساسًا، نتيجة الاضطرار والوضع الملزم لذلك، فما أن تعرف أن فلانًا ذاهب إلى سوريا ويمكنه أن يأخذ أوراقًا رسمية ونقودًا معه، وغالبًا ما يأخذون أيضًا أدوية طبية، فتسارع للتواصل معه، لإرسال مال أو لوازم أخرى.

يسافر "الغريب" وتبقى أنت بانتظار أن يصلك أي خبر عن وصول المبلغ المرسل. وهكذا تنشأ مع الشخص ذاته علاقة ثقة خلقتها الحاجة لا أكثر. أمّا البعض الأخر فهم ممن قرروا إراحة بالهم والاعتماد على مكاتب الحوالات المالية الحكومية، رغم أنه سيدفع ما يعادل 12 إلى 15 يورو كأجور للتحويل.

اقرأ/ي أيضًا:

اللاجئون السوريون وإثبات حسن النيّة

"المونة" السورية.. تنعش حياة اللاجئين في تركيا