29-نوفمبر-2023
فاطمة الريّس

فاطمة الريس (الترا صوت)

تأسست "دار رياض الريس للكتب والنشر" في لندن، عام 1986، على يد الصحفي والكاتب السوري رياض نجيب الريس (1937 – 2023)، وتُعد أول دار نشر تنشر مؤلفات باللغة العربية في العاصمة البريطانية.

ومع مطلع تسعينيات القرن الفائت، باشرت الدار أعمالها من بيروت، ونالت خلال فترة قصيرة شهرة واسعة في العالم العربي بسبب نشرها أعمالًا جريئة ومثيرة للجدل، سواءً على المستوى السياسي أو الفكري أو حتى الديني، ما جعلها في حالة حرب دائمة مع الرقابة العربية.

في هذا الحوار، تتحدث فاطمة الريس مديرة "دار رياض الريس للكتب والنشر"، عن بدايات تأسيس الدار، وآليات عملها، وواقع النشر في العالم العربي عمومًا.


  • متى تأسست الدار، وكيف؟ ما الذي دفعكم إلى تأسيسها؟ هل هناك عوامل وأسباب معينة، أو ربما حكاية خلف ولادتها؟

من تجربة صحفية كبيرة، ومغامرات مديدة في إصدار الصحف والمجلات، تأسست "شركة رياض الريس للكتب والنشر" في لندن عام 1986. وكانت أول دار نشر تُصدر كتبًا بالعربية في بريطانيا، وصدرت أول منشوراتها عام 1987.

وفي مطلع عام 1990، بدأت الدار بالعودة تدريجيًا إلى بيروت، وكان هدفها الأول اكتشاف كتّاب عرب جدد، والسعي إلى نشر أحسن إنتاج الكتّاب الأكثر شهرة. وكانت أغلب الكتب الصادرة مثيرة للجدل ومحفزة على النقد، وكان الاهتمام في اختيار الكتاب ينصب على الفكرة الجديدة والجريئة، والعمل على إصدار الكتب بشكل جميل وأنيق.

  • ما هي رسالة الدار؟ وهل تعتقدون أنها استطاعت تحقيقها؟

كان هدف "دار رياض الريس"، منذ البداية وحتى الآن، التمييز بين المطبعة ودار النشر. فمهمة الناشر هي الانحياز إلى ثقافة ما لترويجها، حيث قال رياض الريس إن: "دور النشر العربية كثيرة ولا سبب لدار إضافية إن لم تحاول الارتقاء بصناعة الكتاب واكتشاف كتّاب جدد".

فاطمة الريس: "دار رياض الريس" من أكثر دور النشر التي حُظرت كتبها في العالم العربي

عملت الدار على فكرة السلاسل، فنشرت سلسلة الأعمال المجهولة لروّاد النهضة العربية، وكذلك سلسلة المنتخب من مدونات التراث، والكتب التراثية، وقضايا الإسلام، والجسد، والجنس، دون إسفاف أو ابتذال، وهذا ما عرّضها لمواجهات مع هيئات رقابية ودينية، بالإضافة إلى سلسلة مختارات الطيب صالح.

وفي مجال الأدب، كانت هناك مروحة واسعة من المواضيع الأدبية وخاصة الروائية منها. كما نشرت الدار كامل أعمال محمود درويش وجوزيف حرب الشعرية، ولم تهمل الفنون والمعمار والموسوعات.

  • هل هناك كُتب معينة تفضلون نشرها؟ والأولوية بالنسبة إليكم، الكتب العربية أم المترجمة؟

لم تكن الدار تنشر كتبًا مترجمة، وكان رياض الريس يقول إنه: "يجب ألا ننشر كتبًا مترجمة، بل علينا العمل لنشر كتب عربية تستحق أن يترجمها العالم". مضيفًا: "لأنني لا أريد تلقي مخطوطات، أريد أن أحرض الكتّاب على التأليف، أريد اكتشاف الكتّاب الجدد".

وقد أطلقت الدار عدة جوائز في مجال الرواية والشعر منحتها لكتّاب لم يُنشر لهم من قبل، وأصبحوا حاليًا من المكرّسين في العالم العربي.

  • متى يصبح النشر في العالم العربي احترافيًا برأيكم، من حيث اعتماد العمل المؤسسي، من الوكيل إلى المحرر الأدبي، وما بينهما؟

تعمل "دار رياض الريس للكتب والنشر" بشكل احترافي من ناحية العقود مع الكتّاب أو الحقوق المادية والمعنوية، ولكن بالنسبة للوكيل الأدبي فإن هذه المهنة غير موجودة في البلدان العربية للأسف، ولكننا نشرنا لكتّاب عرب يعيشون في أوروبا عبر وكيل أدبي أو مدير أعمال.

  • ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟ وما هي الصعوبات التي تواجهكم الآن؟

كانت الرقابة، ولا تزال، أبرز الصعوبات التي واجهتها الدار التي تُعد من أكثر دور النشر التي حُظرت كتبها في العالم العربي، وأشدّها مشاكسة للرقابات الرسمية والدينية والثقافية. ومع إصدار مجلة "الناقد"، التي تُعد أهم منبر ثقافي للكتّاب والمثقفين العرب، ازدادت شراسة الرقابات عليها في معظم الدول العربية. ومع وصولها إلى سنتها السابعة، لم تكن المجلة تستطيع الدخول إلى أكثر من دولتين عربيتين.

وهناك أيضًا القرصنة التي تغض معظم الحكومات العربية النظر عنها، وخاصةً في العراق ومصر وسوريا وفلسطين، ما عدا دول الخليج التي ما زالت تراعي حقوق الناشر والكاتب. والصعوبة الأخرى التي نواجهها هي عدم فعالية قوانين حماية الملكية الفكرية في العالم العربي.

  • هل تغيّرت نظرتكم إلى مجال النشر مقارنةً بما كانت عليه لحظة انطلاق الدار؟ ولماذا؟

لم تتغير نظرة الدار إلى النشر، ولكن العالم تغيّر مع وسائل الاتصال الحديثة. ومع انتهاء جيل كامل من المبدعين، لم تعد القضايا المطروحة في الفكر والسياسة والأدب ترتقي إلى مستوى أفكار السبعينيات والثمانينيات. ولكن ما زلنا نراهن على جيل جديد من الكتّاب يتفاعل مع القضايا الشائكة التي يتعرض لها العالم العربي، ويبدع في طرحها، ويصيب عقول شباب اليوم.

  • كيف تتعاملون مع ما يصلكم من مخطوطات؟ ما هي السياسات أو المعايير المتعبة؟

عندما تصلنا المخطوطات ننظر في موضوعها، أي فكرية، أو أدبية، أو تاريخية. ثم نحوّلها بعد ذلك إلى لجنة قراءة لتحديد الأفكار الجديدة أو المتميزة التي تهم القارئ العادي والمحترف،ونقرر بعدها النشر أو نعتذر من أصحابها.

  • ما رأيكم بالنقد المستمر الذي يتعرض له الناشرون في العالم العربي؟ وكيف تتعاملون معه؟

أعتقد أن النقد الذي يتعرض له الناشرون، وخاصة من طرف الكتّاب، سببه عدم إدراكهم الصعوبات اليومية التي يواجهها الناشر على جميع المستويات، ابتداءً من وضع الكتاب على سكة الانتاج، من حيث التحرير والتصحيح والإخراج، إلى الورق والمطبعة والأغلفة، وصولًا إلى التوزيع ونشر الكتاب على مستوى العالم العربي الذي تعصف بنصف بلدانه الأزمات، سواء كانت حروب أو أزمات اقتصادية.