29-سبتمبر-2023
الناشر سامح خلف (الترا صوت)

الناشر سامح خلف (الترا صوت)

انطلقت "دار سامح للنشر" عام 2019 في مدينة سكونه السويدية على يد مؤسسها الناشر والمترجم السوري سامح خلف، الذي استفاد من خبرته الطويلة في مجال النشر في تأسيسها دون الحصول على الدعم من أي جهة، أو مواجهة العوائق والشروط والقوانين المعقدة التي تعترض طريق الناشرين في العالم العربي. 

تسعى "دار سامح" لنشر الأعمال الأدبية، خاصةً الرواية والشعر، إلى جانب كتب وقصص الأطفال، فيما تقوم في الوقت الحالي بنشر بعض الكتب المترجمة من السويدية إلى العربية. وفي هذا الحوار، يتحدث مؤسس ومدير الدار سامح خلف عن بدايات تأسيسها، وآليات عملها، وواقع النشر في العالم العربي.


  • متى تأسست الدار، وكيف؟ ما الذي دفعكم إلى تأسيسها؟ هل هناك عوامل وأسباب معينة، أو ربما حكاية خلف ولادتها؟

تأسست "دار سامح للنشر" عام 2019 في شمال غرب محافظة سْكونه السويدية، وذلك بعد نحو خمس سنوات من وصولي إلى السويد. السنوات الخمس كانت كافية تقريبًا لإجادة اللغة السويدية إلى حدّ مقبول، وبشكل خاص قراءةً وكتابة.

وبحسب مخطط الترسيخ الموضوع للقادمين حديثًا إلى البلاد، يتوجب على المرء، بعد انتهاء فترة الترسيخ، أن يعمل ليعيل نفسه وعائلته، ولأنني لا أجيد أي عمل آخر سوى الترجمة والنشر الذي عملت في مجاله طويلًا جدًا - خاصةً في لبنان خلال العشرين سنة التي سبقت مجيئي إلى السويد - استكشفت مسألة تأسيس دار نشر فلم أجد أمامي عائقًا قانونيًا أو إداريًا يذكر. احتجت إلى التكيف فقط وتطبيق الخبرة السابقة على واقع جديد ومختلف من حيث نظم العمل وأعرافه وقوانينه.

سامح خلف: تقف مهنة النشر على عتبة تحولات كبرى بسبب التحدي الذي يمثّله التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال

ثمّ سارت الأمور بعد ذلك بسهولة، مع بعض الأخطاء والعثرات بالطبع. ينبغي للمرء أن يشيد هنا، مرارًا وتكرارًا، بسهولة تأسيس الأعمال وإدارتها في السويد. على سبيل المثال، منذ لحظة التفكير بالتأسيس حتى اليوم، لم نزر دائرة حكومية واحدة ولم يزرنا أحد.

لكن لم يمض على انطلاقة الدار سوى بضعة أشهر حتى ابتُلي العالم بجائحة كوفيد التي أنهكت أعتى الاقتصادات والدول. ثم لم نكد نخرج من الوباء ونلتقط أنفاسنا قليلًا، حتى انفجرت حرب روسيا على أوكرانيا التي أدتّ، من بين ما أدّت إليه من كوارث إنسانية، إلى ركود اقتصادي وتضخم بلغ مستويات غير مسبوقة هنا في السويد، مما تسبّب بإفلاس وإغلاق الكثير من الشركات الصغيرة.

على الرغم من ذلك، نكافح لنستمرّ، مستعينين بالتوجيهات والإرشادات التي تنشرها الجهات الحكومية المسؤولة عن إدارة الأزمة، والتي تنصح باتخاذ إجراءات تقشفية معيّنة يتوجب على من يريد الصمود وتخطي الأزمة اتباعها.

  • ما هي رسالة الدار؟ وهل تعتقدون أنها استطاعت تحقيقها؟

لا نزعم أن لدينا رسالة عظيمة (أو خالدة!) نؤديها، بل نسعى إلى أن نتقدّم وأن نقدّم أعمالًا مميزة باتباع أساليب عمل شفافة في التعامل مع من ننشر لهم. نطمح بالطبع إلى نشر المزيد من الأعمال المميزة التي تُعدّ إضافة نوعية لقائمة منشوراتنا التي ما تزال متواضعة. ولا يحتاج المرء إلى التأكيد هنا على أن الربح المادي ليس أمرًا مذمومًا بالنسبة للناشر، لكن لا ينبغي للربح أن يكون هو الهدف الرئيس، بل الشغف وحبّ الكتب والمغامرة.

وإذا افترضنا أن ما تقدم هو "رسالة" الدار، فالجواب هو لا. لم نستطع تحقيقها بعد؛ لكننا نسعى إلى ذلك.

  • هل هناك كُتب معينة تفضلون نشرها؟ والأولوية بالنسبة إليكم، الكتب العربية أم المترجمة؟

ليس لدينا نوع مفضل من الكتب، لدينا حماس لنشر النصوص ذات المضامين التي تستحق النشر، وإن كنا نميل عمومًا إلى الرواية والشعر، ثم كتب الأطفال. 

بالنسبة للكتب المترجمة، نكتفي حاليًا بنشر بعض الكتب المترجمة من السويدية إلى العربية، والتي نرى أنها تجد قبولًا هنا، ونترك للمستقبل أن يحدّد ما إذا كنا سنتوسع في نشر ما هو مترجم من لغات أخرى إلى العربية.

  • متى يصبح النشر في العالم العربي احترافيًا برأيكم، من حيث اعتماد العمل المؤسسي، من الوكيل إلى المحرر الأدبي، وما بينهما؟

الناشرون العرب الراسخون في قطاع النشر محترفون ومهنيون ولديهم القدرة على العمل بحسب تقاليد النشر وأنظمته المتبعة في العالم. لكن بالنظر إلى الفوضى السائدة عمومًا في قطاع النشر العربي، لا يبدو أن ضبط القطاع واتباع التقاليد المهنية الراسخة سيتحقق في وقت قريب. والحديث في هذا الشأن حديث شائك وغير مستحب، بل أصبح مكررًا. الأمر يتعلق أولًا، وباختصار، بتطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية في كل بلد وتفعيل عمل النقابات واتحادات الكتاب والناشرين.

  •  ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟ وما هي الصعوبات التي تواجهكم الآن؟

واجهتنا الصعوبات التي يواجهها أي مشروع ناشئ؛ أعني بذلك إثبات وجودنا في قطاع مزدحم يحتاج الاستثمار فيه إلى صبر وطول أناة. وما زلنا في بداية الطريق، ولم نستطع المشاركة الفعلية في معارض الكتب العربية حتى الآن، لكننا نسعى قبل ذلك إلى التعاون مع منصة، أو دار نشر عربية، لتوفير منشوراتنا في معارض الكتب العربية. هذا مع العلم أن منشوراتنا متاحة مباشرة لمن يرغب من القراء العرب من خلال مكتبة "نيل وفرات" التي تتيح وصول الكتاب إلى جميع الدول العربية. كذلك الأمر، يمكن لمن يشاء الحصول على منشوراتنا، بالصيغتين الورقية والإلكترونية، عبر موقع "أمازون"، بالإضافة إلى مواقع بيع الكتب السويدية.

  • هل تغيّرت نظرتكم إلى مجال النشر مقارنةً بما كانت عليه لحظة انطلاق الدار؟ ولماذا؟

نظرتنا إلى النشر كمجال عمل ومهنة لم تتغير، لكننا اكتسبنا خبرات جديدة من العمل باتباع آليات العمل السويدية الجديدة بالنسبة لنا. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن مهنة النشر عامة تقف على عتبة تحولات كبرى بسبب التحدي، الذي يمثله التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال النشر. وهذا يفرض على الناشر الاستجابة لذلك التحدي والتكيف مع المتغيرات المترتبة عليه.

  • كيف تتعاملون مع ما يصلكم من مخطوطات؟ ما هي السياسات أو المعايير المتبعة؟

نستقبل عمومًا المخطوطات التي نعتقد أنها تتضمن "الخميرة"، أو الحدّ الأدنى الذي يجعلها جديرة بأن تُقدم للقارئ. ونشترط في غالب الأحيان على صاحب النص أن يكون مرنًا وأن يتقبل خضوع النص للتحرير المكثف والتدقيق الشديد، حتى يصبح النص رشيقًا وخاليًا من كل عيب.

سامح خلف: لا يبدو أن ضبط قطاع النشر واتباع التقاليد المهنية الراسخة سيتحقق في وقت قريب

كثيرون لا يقبلون بهذا الشرط، ويعتقد بعضهم أن المخطوط الذي أرسله إلى الناشر كامل ولا ينبغي المسّ به. وفي هذه الحال يكون الاعتذار عن عدم النشر واجبًا.

  • ما رأيكم بالنقد المستمر الذي يتعرض له الناشرون في العالم العربي؟ وكيف تتعاملون معه؟

بعض النقد محقّ، وبعضه ليس كذلك. والتعميم لا يفيد هنا، لأن الكثير من دور النشر العربية لديها سمعة طيبة من جهة التعامل مع المؤلفين والمترجمين ومع غيرها من دور النشر. والمحقّ من النقد الذي يتعرض له الناشرون سببه بعض الناشرين الذين يتعاملون مع المؤلف على أنه فريسة وقعت بين يديه و"لم يصلّ عليه أحد". وقد وصل الأمر ببعض هؤلاء إلى التعدي على حقوق غيره من الناشرين، وهذا أمر مؤسف ترتد عواقبه السيئة على سمعة النشر ككل!