01-سبتمبر-2023
سامر السبع وبعض إصدارات دار نابو (الترا صوت)

سامر السبع وبعض إصدارات دار نابو (الترا صوت)

في تموز/ يوليو عام 2018، أطلق الروائي العراقي أحمد سعداوي برفقة صديقيه سامر السبع وناجي عبد الزهرة، مكتبة ودار نشر صغيرة حملت اسم "نابو"، وهو إله الكتابة والحكمة في بلاد ما بين النهرين. ومنذ انطلاقتها، راهن سعداوي ورفاقه على نجاح الدار التي أرادوا آنذاك أن تُحدث تغييرًا ما في فضاء النشر العربي يعود بالفائدة على المشهدين الثقافيين العراقي والعربي.

واليوم، بعد 5 سنوات على انطلاقها، استطاعت "نابو" أن تحجز لنفسها مكانًا في فضاء النشر العربي عبر الكثير من الإصدارات في مجالات مختلفة تشمل الأدب والفكر والسياسة والعلوم وغير ذلك.

في هذا الحوار، يتحدث سامر السبع مدير "دار نابو" عن الأسباب والظروف التي رافقت انطلاقة الدار، والصعوبات التي واجهتهم في بداية انطلاقتها، وكيفية تغلّبهم عليها.


  • متى تأسست الدار، وكيف؟ ما الذي دفعكم إلى تأسيسها؟ هل هناك عوامل وأسباب معينة، أو ربما حكاية خلف ولادتها؟

تأسست "منشورات نابو" في تموز/ يوليو سنة 2018، والإشارة هنا إلى شهر تموز قد تنفع ربما للبدء في الحديث عنا أو عن "نابو". يُعرف عن تموز أنه شهرٌ للثورات العراقية، كما يعرف أيضًا بأنه شهر الانفعالات الأشهر في العراق. ونحن في "نابو" بالطبع لا نحسب لحظة انطلاقنا في سياق الثورة، وإنما في سياق الانفعال، وهكذا بدأنا.

كُنا أنا والصديق الروائي أحمد سعداوي نتحدث دائمًا عن موضوع النشر، لا سيما أن سعداوي كانت له كتب تُباع بشكل جيد داخل العراق وخارجه. وفي إحدى المرات، أثناء الحديث عن التفاوض مع دار نشر أخرى غير "دار الجمل" العريقة، الدار التي كانت تصدر روايات أحمد سعداوي؛ تشكلت فكرة تأسيس دار نشر خاصة بنا. ومن هنا بدأت الفكرة تنضج.

سامر السبع: الصعوبة التي لا تفارقنا هي صعوبة التعاقدات والتحويلات المالية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية من داخل العراق إلى خارجه

لقد ولدت دارنا الصغيرة من الكلام، التفكير داخل الكلام، والحوارات الطويلة أزالت الغواش عن اسم "نابو"، الذي ما إن أُعلن عنه حتى جاء شريكنا الثالث ناجي عبد الزهرة، وبدأ التواصل معنا من قبل أصدقائنا المقربين الذين يشاركوننا الاختيارات والتفضيلات نفسها، والمزاج أيضًا! وهؤلاء الأصدقاء في الحقيقة هم الذين شكّلوا الدعم الأكبر لـ "نابو". لقد شاركونا البدء، وهم أيضًا مثلنا قرروا البدء على مستوى الترجمة والتأليف والتدقيق والتصميم وكل الأمور التي تدخل في صناعة الكتاب الذي نسعى إليه.

  • ما رسالة الدار؟ وهل تعتقدون أنها استطاعت تحقيقها؟

في الجواب عن هذا السؤال، أتذكر مقالًا للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز قال فيه إنه، أثناء طفولته، صادف موقفًا غريبًا؛ كان يقود دراجته الهوائية بسرعة، ثم سمع صوتًا عاليًا يناديه وينبّهه بكلمة "توقف". يقول ماركيز: عندما سمعت الصوت توقفت على الفور، وهذه الكلمة أنقذتني من اصطدام كارثي كان ليكلفني حياتي، وحينها أدركت أهمية الكلمة وتأثيرها، وأصبحت بعدها روائيًا. وصار ماركيز! ونحن أيضًا في "نابو" نؤمن تمامًا كما يؤمن ماركيز بتأثير الكلمة. ولا يُخفى على القارئ "نابو الرافدي" إله الحكمة والكتابة.

  • هل هناك كُتب معينة تفضلون نشرها؟ والأولوية بالنسبة إليكم، الكتب العربية أم المترجمة؟

نسعى دائمًا للموازنة بين الكتب المترجمة والكتب المؤلفة باللغة العربية. ولكن مثلما يعرف المتابع للشأن الثقافي، هنالك الكثير من اللغات الأجنبية التي، وللأسف، لم يُنقل منها إلى العربية سوى القليل. ونحن متأخرون جدًا في ترجمة الكثير من المجالات التي يحتاجها القارئ العربي، على الرغم من الصحوة المتأخرة للمؤسسات العربية الكبيرة التي تحاول تقليص النقص الحاصل في الترجمة.

أما في ما يخص الكتب التي نفضّلها، نحن نبحث دائمًا عن الكتب التي نرى أنها تمثل شيئًا من موقفنا تجاه العالم. وبخلاف ذلك، لا نهتم لشعارات الكتاب الأكثر مبيعًا، ولا القصة التي ألهمت الملايين، أو التي ضحكت على الملايين!

  • متى يصبح النشر في العالم العربي احترافيًا برأيكم، من حيث اعتماد العمل المؤسسي، من الوكيل إلى المحرر الأدبي، وما بينهما؟

هنالك تطور ملحوظ في عالم النشر العربي حصل خلال العقد الأخير تحديدًا. وقد ساهم هذا التطور (أو أجبر دور النشر) في الانتقال إلى العمل المؤسسي. بدأ هذا مع بداية التنافس بين الدور العربية على حقوق الملكية الأجنبية. وربما لا يعرف القارئ العربي بأن أغلب الكتب المنشورة للمؤلفين العالميين، مثل صامويل بيكيت أو ساراماغو أو إيزابيل الليندي وكثيرون ممن لم يمضِ على موتهم أكثر من خمسين سنة؛ كانت تُنشر في تسعينيات القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، من دون أي تعاقد بين الناشر العربي والناشر الأجنبي!

لقد ساهمت التعاقدات الرسمية في العقد الأخير بالانفتاح على العمل المؤسسي، وتطوير النشر العربي عبر المتابعة مع دور النشر الأجنبية في كل الأمور الفنية التي تساهم في إنجاح الكتاب.

  • ما أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟ وما الصعوبات التي تواجهكم الآن؟

في العالم العربي نحن محكومون بالصعوبات والتحديات والمخاطر؛ هنالك الكثير من التحديات التي واجهتنا في البداية، ومن أبرزها تحدي الإثبات. (كيف تثبت للقارئ بأنك قادر على إصدار كتاب يستطيع أن يضيف أو يسبغ معنى آخر لوجوده؟) بالطبع قد يبدو الحديث عن الإثبات جنونًا. وسط آلاف المنصات والتطبيقات السائلة التي تتصدر المشهد بوصفها مصدرًا من مصادر المعرفة، استطعنا على الرغم من التاريخ البسيط الذي بدأنا منه إثبات أنفسنا عبر الكثير من الكتب الجيدة التي يعترف بها القارئ العربي، ويتحدث عنها، ويترقبها.

أما في ما يخص الصعوبات التي تواجهنا الآن، فالصعوبة التي لا تفارقنا هي صعوبة التعاقدات والتحويلات المالية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية من داخل العراق إلى خارجه.

  • هل تغيّرت نظرتكم إلى مجال النشر مقارنةً بما كانت عليه لحظة انطلاق الدار؟ ولماذا؟

وأنا اقرأ أول السؤال (هل تغيرت نظرتكم)، تذكرت قول هرقليطس الذهبي: "لا أحد يسبح في النهر مرتين". ونحن مصممون والتغيّر يجري بداخلنا، والتغيّر لا أعدّه مؤشرًا سلبيًا، بل على العكس. مجال النشر مجال واسع ويشبه نهر هرقليطس. لو نسترجع تاريخ النشر في آخر عقدين، سنجد بأن هنالك تحولات كبيرة قد شهدها.

سامر السبع: نبحث في "نابو" دائمًا عن الكتب التي نرى أنها تمثل شيئًا من موقفنا تجاه العالم

واليوم. على سبيل المثال، توجد منصة متخصصة بالكتب الصوتية، وتوجد منصات متخصصة بالكتب الإلكترونية. بالتأكيد سيكون لنا بعض التغيرات في وجهة النظر، على المستوى الفني والإداري. ولكن يبقى الموقف المتشكل من كل التغيرات التي حصلت قبل لحظة انطلاق الدار هو الموقف الأبرز. وذلك هو موقفنا الأخلاقي بأن لا نكون شركاء في إهدار الأشجار الثمينة لأجل كتب تافهة ورخيصة.

  • كيف تتعاملون مع ما يصلكم من مخطوطات؟ ما السياسات أو المعايير المتبعة؟

نستقبل بالعادة جميع المخطوطات المتعلقة بمجالات الأدب والدراسات والعلوم. تُحوَّل المخطوطة بحسب المجال إلى أحد المتخصصين في "نابو"، يقرأها ثم يتم بعدها تداول قرار النشر من عدمه. لا نعمل على طريقة التنفيذ نهائيًا (الطباعة مقابل مبلغ مادي من المؤلف)، كما لا ندفع أجورًا عالية للمؤلف بسبب الإمكانيات المحدودة للدار.

  • ما رأيكم بالنقد المستمر الذي يتعرض له الناشرون في العالم العربي؟ وكيف تتعاملون معه؟

جزءٌ كبير من النقد المستمر تصدره دور النشر العربية بسبب المنافسات المتخيلة لدى الناشر العربي. مجال النشر مجال رحب جدًا، ولكن أفق بعض الناشرين ضيق. هنالك الكثير من الحكايات المثيرة للسخرية عن جماعات النقّاد التابعة لدور النشر، ربما تأتي اللحظة المناسبة، ويأتي من يكتب عن تلك الحكايات.