23-سبتمبر-2022
معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022 (فيسبوك)

معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022 (فيسبوك)

أثرت جائحة كورونا في موجاتها الأولى، لا سيما مع فترات الحجر الصحي، بشكل كبير على الاقتصاد العالمي وأصابته بحالة من الركود، فتراجع معدل الاستهلاك لبعض السلع بالتزامن مع تداعيات الوباء، ما أثّر كان سببًا في التضخم العالمي. ولم تكن للجائحة أي فائدة إلا لأصحاب المنصات الإلكترونية مثل فيسبوك وتويتر ونتفليكس ويوتيوب وغيرهم، فكان الناس يقضون وقت كبيرًا جدًا على هذه المنصات وقت الحجر الصحي.

كان تأثير كورونا الأكبر على صناعة الكتاب، إذ تسببت كورونا في ركود كبير ومؤثر جدًا على دور النشر، وتعرضت معظمها أو كلها لخسارات فادحة، وبعضها أغلق وتوقف عن العمل

لكن تأثير الوباء الأكبر كان على صناعة النشر، إذ تسببت كورونا في ركود كبير ومؤثر جدًا على دور النشر، وتعرضت معظمها أو كلها لخسارات فادحة، وبعضها أغلق وتوقف عن العمل.

وبعد هدوء الموجة الأخيرة من الجائحة بدأت دور النشر تأخذ متنفسًا صغيرًا في معارض الكتب الداخلية والخارجية، لكن ذلك بالتأكيد لم يعوّض تأثير الجائحة، إذ استمرت الصعوبات بسبب التضخم وارتفاع أسعار الورق، والخامات الأخرى مثل الحبر، إلى جانب الصعوبات التى تواجه الناشرين في استيراد الورق من الخارج.

بعد ذلك المتنفس القصير لدور النشر جاءت ضربة موجعة أخرى مؤخرًا تمثلت في ارتفاع أسعار الورق مرة أخرى بشكل مخيف، بسبب موجة التضخم الأخيرة التي ضربت العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ووصل طن الورق إلى ما يقارب 47 ألف جنيه. وبجانب ارتفاع الخامات الأخرى وتكاليف الطباعة والنقل بالطبع ذلك سيؤثر بشكل كبير على أسعار الكتب، وبعدما ارتفعت مؤخرًا أسعار الكتب بشكل ملحوظ. في الطبيعي عندما تجد قارئ في مكتبة يتصفح كتاب فغالبًا سينظر الى ظهر الكتاب ليقرأ الكلمة التعريفية عن الكتاب والمؤلف في الخلف، لكن الآن أول ما يفعله القارئ عندما يمسك الكتاب هو النظر لظهره لمعرفة سعره، وأصبح هذا تصرف كل القراء بمختلف طبقاتهم. وحتمًا سترتفع أسعار الكتب مرة أخرى بسبب الأزمة الأخيرة، فما هو مصير الكتاب الورقي ودور النشر المصرية في المستقبل القريب؟ وما حلول الأزمة عمومًا، لا سيما أن ارتفاع أسعار الورق سيؤثر أيضًا على ارتفاع أسعار الكتب الدراسية والدفاتر و"الكشكول" ومع اقتراب موعد الدراسة؟

في الفترة الأخيرة انتشرت فكرة الكتاب الإلكتروني وأصبح متداولًا بشكل كبير في مصر والعالم، بصيغتيه الصوتية والمقروءة، وحققت منصات الكتب الإلكترونية "المنشورة بشكل شرعي" نجاحًا وانتشارًا في الفترة الأخيرة بين القراء في مصر، وأصبح لها شريحة واسعة من القراء بسبب سهولة الحصول على الكتاب وسهولة القراءة في أي وقت، وبسبب الاشتراكات الزهيدة في تلك المنصات مقارنة بأسعار الكتب الآن وما ستكون عليه في المستقبل من ارتفاع متوقع، لكنها ليست وسيلة القراءة المفضلة لشريحة واسعة أخرى من القراء تفضل الكتاب الورقي. فهل تتجه دور النشر الى النشر الإلكتروني بشكل كبير وتلجأ  لهذا الحل، وهل هو مضمون بالنسبة لهم؟

هل سيكون لوزارة الثقافة دور في إنقاذ صناعة النشر في مصر؟ نسأل لأنه في بعض معارض الكتب في الدول العربية تذهب بعض المؤسسات التابعة لوزارة الثقافة وتشتري إصدارات دور النشر كلها أو بعضها بكميات، أو تخفض إيجارات الأجنحة، وهناك بعض المعارض التي ألغت تكاليف إيجار الجناح في فترة ما بعد كورونا، فكيف ستتعامل وزارة الثقافة مع دور النشر المصرية لمساعدتهم في تلك الأزمة؟

باتريك كاباندا: "لست أقول هنا من خلال دعمنا الفنون إن الفقر سيختفي فجأة، وتختفي معه كل تلك التحديات العالمية الأخرى، لكنني مرة أخرى أجرؤ على الإصرار والتمسك بأن الثقافة جزء لا يتجزأ من كل ما يدفع نحو التقدم الإنساني ونوعية الحياة المناسبة"

أمارتيا سن في مقدمته لكتاب "الثروة الإبداعية للأمم" للعازف والمؤلف الموسيقي وأحد مستشاري التنمية في البنك الدولي باتريك كاباندا يقول: إن كاباندا يعرض أمامنا، ويوضح كيف يمكن للفنون أن تعمل على إثراء اقتصادات العالم، حتى في تلك المنكوبة أو المبتلاة بالفقر. ويوضح المؤلف أثر الفنون على التنمية الاقتصادية والإنسانية وكيف تؤثر في التعليم والسياحة وغيرهم. يحاول كشف أهمية الثقافة وأنشتطها المختلفة والفنون بأنواعها كالأدب والموسيقى والسينما والمسرح وتأثيرهم على دفع حركة التنمية بطرائق متنوعة، وكيف يمكن صنع المستقبل الذي نريده عن طريق الثروة الابداعية.

ويقول كاباندا في الخاتمة: "لست أقول هنا من خلال دعمنا الفنون إن الفقر سيختفي فجأة وتختفي معه كل تلك التحديات العالمية الأخرى، لكنني مرة أخرى أجرؤ على الإصرار والتمسك بأن الثقافة جزء لا يتجزأ من كل ما يدفع نحو التقدم الإنساني ونوعية الحياة المناسبة"

إنقاذ دور النشر ودعمها من قبل وزارة الثقافة من هذه الأزمات المتكررة هو خطوة مهمة في طريق التنمية الاقتصادية والإنسانية، وأيضًا دعم مجالات الفنون الأخرى التي تضررت مؤخرًا.