18-يناير-2024

(Getty) الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس

ينطلق المفكر والناقد الإيراني حميد دباشي، في مقال نُشر في "ميدل إيست آي" انتقد فيه موقف الغرب والمثقفين الغربيين من العدوان على غزة، من فرضية ساخرة تتساءل عن موقفهم لو أن دولة مثل إيران أو سوريا أو لبنان أو تركيا قصفت - بدعم من روسيا والصين - "إسرائيل" لمدة ثلاثة أشهر، وقُتل في هذا القصف عشرات الآلاف من الإسرائيليين، وجُرح وتشوّه عدد كبير من الأشخاص، واستُهدفت المستشفيات والمعابد اليهودية والمدارس والجامعات، والمكتبات، ما يعني أي مكان مأهول بالسكان، وذلك لضمان الحد الأقصى من الخسائر في صفوف المدنيين؛ في حين تعلن الدولة المهاجمة للعالم أن التهم غير حقيقية وكل ما تفعله هو أنها تبحث عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الحرب.

دباشي أستاذ كرسي هاكوب كيفوركيان بقسم الدراسات الإيرانية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا. كتب وحرر العديد من الكتب، منها: "الربيع العربي.. نهاية حقبة ما بعد الاستعمار"، و"ما بعد الاستشراق: المعرفة والسلطة في زمن الإرهاب"، و"هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟".

يقول دباشي في مقاله: "اسأل نفسك عما ستفعله الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا وألمانيا، على وجه الخصوص، في غضون 24 ساعة من هجمة في هذا السيناريو الخيالي.

عد الآن إلى الواقع، وفكّر في حقيقة أنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر (ولعقود قبل ذلك التاريخ)، لم يشهد حلفاء تل أبيب الغربيون ما فعلته إسرائيل بالشعب الفلسطيني فحسب، بل زوّدوها أيضًا بالمعدات العسكرية والقنابل والذخائر والتغطية الدبلوماسية، وقدمت وسائل الإعلام الأمريكية مبررات أيديولوجية لذبح الفلسطينيين والإبادة الجماعية لهم".

يؤكد دباشي في مقاله أن النظام العالمي الحالي لن يحتمل السيناريو الخيالي الذي يرسمه، ولو ليوم واحد حتى، لا سيما مع وجود البلطجة العسكرية التي تمارسها الدول الغربية من أجل إسرائيل.

إذا لم تكن لدى هابرماس ذرة واحدة في خياله الأخلاقي لأشخاص مثل الفلسطينيين، فهل لدينا أي سبب لاعتبار مشروعه الفلسفي بأكمله مرتبطًا بأي شكل من الأشكال ببقية البشرية، خارج جمهوره الأوروبي القبلي المباشر؟

وينطلق من ذلك إلى موضوعه المباشر حول الفلسفة الأوروبية التي لا مكان فيها لشعوب العالم. يقول: "أولئك الذين منا هم خارج المجال الأوروبي للخيال الأخلاقي، ولا وجود لهم في عالمهم الفلسفي. العرب والإيرانيون والمسلمون؛ أو الناس في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ليس لدينا أي حقيقة وجودية عند الفلاسفة الأوروبيين، إلا كتهديد ميتافيزيقي يجب التغلب عليه وتهدئته".

وبحسب دباشي، فإن هذا خط مستمر من كانط وهيغل، وصولًا إلى إيمانويل ليفيناس وسلافوي جيجيك، فنحن مقسمّون عندهم بين كوننا غرائب أو أشياء معروفة، ولهذا قام المستشرقون بفك رموزها. وعلى هذا فإن مقتل عشرات الآلاف منا على يد إسرائيل، أو الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لا يسبب أدنى توقف في أذهان الفلاسفة الأوروبيين.

ولقطع الشك باليقين، يدعونا دباشي لإلقاء نظرة على الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس وعدد قليل من زملائه، الذين يصفهم بأنهم خرجوا: "بعمل فظ ومذهل من الابتذال القاسي لدعم المذبحة التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين".

والسؤال المطروح الآن، بحسبه، ليس ما الذي يمكن أن نفكر به في هابرماس بوصفه إنسانًا، بل كيف يمكن أن نفكر به كعالم اجتماعي وفيلسوف ومفكر نقدي؟ وهل ما يعتقده يهم العالم بعد الآن؟

طُرحت أسئلة مماثلة حول فيلسوف ألماني آخر، هو مارتن هايدغر، في ضوء انتماءاته إلى النازية. يقول دباشي: "يجب علينا الآن أن نطرح مثل هذه الأسئلة حول صهيونية هابرماس العنيفة والعواقب المهمة على ما يمكن أن نفكر به في مشروعه الفلسفي بأكمله؟".

ثم يسأل: "إذا لم تكن لدى هابرماس ذرة واحدة في خياله الأخلاقي لأشخاص مثل الفلسطينيين، فهل لدينا أي سبب لاعتبار مشروعه الفلسفي بأكمله مرتبطًا بأي شكل من الأشكال ببقية البشرية، خارج جمهوره الأوروبي القبلي المباشر؟". 

التجاهل المطلق للفلسطينيين متجذر بعمق في الخيال الفلسفي الألماني والأوروبي. بالنسبة لصاحب كتاب "هل يستطيع غير الأوروبي التفكير؟"، يقول: "الفكرة السائدة هي أن الألمان، بسبب ذنب المحرقة، طوّروا التزامًا قويًا تجاه إسرائيل. أما بالنسبة لبقية العالم، وكما يتبين الآن من الوثيقة الرائعة التي قدمتها جنوب إفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، فهناك اتساق تام بين ما فعلته ألمانيا أثناء عصرها النازي وما تفعله الآن أثناء عصرها الصهيوني".

يتماشى موقف هابرماس مع سياسة الدولة الألمانية المتمثلة في المشاركة في المذبحة الصهيونية للفلسطينيين. ويتماشى مع ما يُنظر إليه على أنه "اليسار الألماني"، مع كراهيته العنصرية وكراهية الإسلام والأجانب للعرب والمسلمين، ودعمهم الشامل لأعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية.

يكتب دباشي: "يبدو أن هابرماس يجهل أن تأييده لذبح الفلسطينيين يتوافق تمامًا مع ما فعله أسلافه في ناميبيا خلال الإبادة الجماعية لهيريرو وناما. ومثلهم كمثل النعامة، علق الفلاسفة الألمان رؤوسهم داخل أوهامهم الأوروبية، معتقدين أن العالم لا يراهم على حقيقتهم".

لم يكن هابرماس، برأي الكاتب، مفاجئًا أو متناقضًا مع نفسه، بل على العكس من ذلك كان متسقًا تمامًا مع القبلية غير القابلة للشفاء لنسبه الفلسفي، والتي افترضت زورًا أنها اتخذت موقفًا عالميًا.

يختم حميد دباشي مقاله بالقول: "استيقظ العالم من السبات الزائف للفلسفة العرقية الأوروبية. واليوم، نحن مدينون بهذا التحرير للمعاناة العالمية لشعوب مثل الفلسطينيين، الذين أدت بطولاتهم وتضحياتهم التاريخية الطويلة إلى تفكيك الهمجية السافرة التي تقوم عليها الحضارة الغربية".