30-أغسطس-2023
كرة القدم

في المؤتمر الصحفي الذي أعقب مباراة النادي الأهلي المصري أمام فريق الداخلية في بطولة كأس مصر، خرج مارسيل كولر المدير الفني السويسري للنادي الأهلي أمام وسائل الإعلام للحديث عن فنيات اللقاء، وتأهل فريقه لدور الـ 8، لكنه كذلك تحدث عن أمر مهم وهو التبديلات.

قال كولر: "الجمهور والصحفيون يتحدثون عن تأخر التبديلات، وهذا أمر غريب، فأثق في الفريق الذي يبدأ اللقاء، وليس تبديل من أجل التبديل أو في وقت معين، ولكني استبدل لأجل شيء تكتيكي، أو شيء لم يُنفّذ."أثار كولر انتباهنا بخصوص موضوع التبديلات تلك، وهو ما جعلنا نلقي نظرة أكثر تفحصًا على الموضوع.

أقدم مما تظن

يُنظر إلى التبديلات على أنها أمر حديث نسبيًا في كرة القدم، إلا أنها في الواقع أبعد بكثير مما يعتقده معظم الناس. في مهد كرة القدم لم يكن يُقصد بالتبديلات هو أن يحل لاعب مكان آخر أثناء اللقاء، وإنما أن يحل بعض اللاعبين مكان آخرين لم يتمكنوا من الحضور إلى اللقاء في الأساس.

في منتصف القرن التاسع عشر استخدم فريق كلية "إيتون" الإنجليزي لاعبي الطوارئ ليحلوا محل بعض اللاعبين الذين فشلوا في الوصول لملعب اللقاء في الوقت المناسب. وفي عام 1863 أيضًا ظهر لأول مرة مصطلح "البديل" في عالم كرة القدم، حين نشرت صحيفة "Bell`s Life In London Sporting Chronicle" في تقرير المباراة التي جمعت فريق "تشارتر هاوس" بفريق "الكارثوسيين" أن الفريقين أحضرا ثلاثة بدلاء، تحسبًا لعدم حضور بعض اللاعبين.

كرة القدم

وفي عام 1898 وفي مباراة جمعت منتخبي ويلز واسكتلندا، تأخر جيم ترنر حارس مرمى ويلز عن المباراة، وهو ما وضع المنتخب الويلزي في ورطة، حتى تطوع لاعب كرة قدم هاوٍ يُدعى سام جيلام ليعوض غياب تيرنر. ولعب سام لمدة 20 دقيقة لحين حضور ترنر، وهو ما يُعد أول تبديل في كرة القدم بمفهومه الحديث. والسؤال الآن كيف وصلت التبديلات لشكلها الحالي؟

تاريخ طويل.. من واحد إلى خمسة

حتى عام 1954 لم يتم إدخال أية تعديلات على التبديلات وعلى أشكالها، فمثلاً كان على اللاعبين الذين يتعرضوا للإصابة إما استكمال المباراة، أو المغادرة وترك فرقهم منقوصة من خدماتهم لنهاية المباراة، لكن ذلك تغير في أحد مباريات تصفيات كأس العالم.

في المباراة التي جمعت بين ألمانيا الغربية وولاية سارلاند كان الألماني "ريشتارد جوتينجر" أول لاعب في تاريخ كرة القدم يتم استبداله بمفهوم التبديلات في كرة القدم الآن، حين حل محل زميله "هورست إيكل" الذي تعرض لإصابة شديدة، أتى التبديل بعد موافقة حكم اللقاء على الأمر.

كرة القدم

رفض الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم الأمر في البداية، لكنه في موسم 1965-1966 تم السماح للفرق في الدوري الإنجليزي بإجراء تبديل واحد فقط في المباراة، شريطة أن يتعرض أحد اللاعبين لإصابة. وظل هذا الوضع قائمًا لمدة موسمين، حين قرر الاتحاد الإنجليزي تعديل شروط التبديلات، حيثُ أضاف عليه أنه يمكن التبديل لأسباب فنية؛ بسبب تلاعب بعض المدربين الذي كانوا يشجعون لاعبيهم على التظاهر بالإصابة، فيحق لهم التبديل.

لم يتم السماح للفرق الإنجليزية بإجراء التبديل الثاني حتى عام 1987، حين رضخ الاتحاد الإنجليزي لمطالب المدربين الذين رأوا أنه ليس من العدل أن يشارك لاعب بديل مكان حارس المرمى إذا ما تعرض للإصابة، حينها تم السماح للفرق الإنجليزية بإجراء تغيرين أحدهم للاعب والآخر لحارس مرمى. ومع انطلاق الدوري الإنجليزي الممتاز بمسماه الحديث "بريميرليغ" عام 1992، تم تقديم طلب للسماح للأندية بإجراء ثلاثة تبديلات، وهو ما تم الموافقة عليه، ثم تطبيقه في العالم أجمع تباعًا.

كرة القدم

في موسم 1994-1995، تم السماح للفرق باصطحاب 5 لاعبين على مقاعد البدلاء، على الرغم من عدم السماح سوى بثلاثة تبديلات فقط، قبل أن يرتفع عدد اللاعبين على مقاعد البدلاء إلى 7 لاعبين موسم 2008-2009. وفي موسم 2020، تم رفع عدد التبديلات إلى 5 تبديلات بعد عودة كرة القدم إلى الحياة مرةً أخرى في ظل جائحة "كوفيد 19"، وأتى هذا القرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب أن الفرق كان مضطرة لخوض مباريات مكثفة في عدد أيام قليلة.

هل تؤثر هذه التبديلات على مجريات المباريات؟

كرة القدم لعبة بدنية في الأساس، وطبقًا للدراسات فإنه لا يمكن للاعبين أن يحافظوا على طاقتهم البدنية طيلة الـ 90 دقيقة؛ ولهذا السبب فإن التبديلات في كرة القدم أمر منطقي. وفقًا للأبحاث فإن التبديلات التي يتم إجراؤها في الشوط الثاني تزيد من إيقاع الفرق، لكن تأثير التبديل في نتيجة ومجريات اللقاء يعتمد على شيئين، الأول هو الغرض الذي تم استبدال اللاعب له، والثاني هو حالته الفسيولوجية والبدنية والعقلية للاعب أثناء دخوله المباراة.

في الغالب تتم التبديلات بشكلٍ عام بين الدقيقة 60 و80 من عمر المباراة، لأنه وفقًا للأبحاث فإن اللاعبين ينالون قسطًا من الراحة لمدة 15 دقيقة بين شوطي اللقاء، مما يعني أنهم جمعوا ما يكفي للعب من 15 لـ 20 دقيقة أخرى، لكن بعد ذلك التوقيت ينخفض مستوى "الجليكوجين" وهو مخزن الطاقة في الجسم، مما يعني ضرورة إجراء التبديلات في بين الدقائق 60 و80 من عمر المباراة.

كرة القدم

وفقًا للدراسات فإن اللاعبين الذين دخلوا إلى أرضية الميدان في هذه الدقائق، كان بإمكانهم قطع مسافات أكبر وبذل مجهود أكبر من المقطوع في المباريات ككل، مما يعني أن للتبديلات دور حاسم في العديد من المباريات، بل كان لها دورًا حاسمًا في حصد فريق ما لبطولة على حساب آخر.

مستقبل التبديلات

والآن بعد أن ألقينا نظرة على تاريخ التبديلات، فمن الطبيعي أن نتساءل عن مستقبل التبديلات، كما هو الحال في كافة المجالات يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تدخل في كل شيء بما في ذلك كرة القدم، وبالطبع التبديلات. أثّر الذكاء الاصطناعي بالفعل على كرة القدم في بعض النواحي، حيثُ تستخدمه العديد من الأندية الآن في تحليل البيانات، وتحسين أداء اللاعبين.

كرة القدم

يمكن أن يكون للذكاء الاصطناعي دورًا هام في عملية التبديلات، لأنه يمكنه تقديم كمية هائلة من البيانات وتقديم رؤى دقيقة للمدربين، قد لا تكون مرئية بالعين المجردة، وبالتالي يكون التفوق حينها للفريق الذي يمكنه جمع أكبر قدر من البيانات الدقيقة، وتمريرها لبرامج الذكاء الاصطناعي.

نهايةً نود نشكر "مارسيل كولر" المدير الفني للنادي الأهلي، لأنه أتاح لنا تلك الفرصة للبحث حول موضوع التبديلات الذي أثاره، لكننا نود أن نخبره أن الصحفيين والجماهير قد يكون لهم دورًا حقيقيًا في إجراء التبديلات في المباريات في المستقبل القريب، عن طريق مساعدتهم للأجهزة الفنية في جمع البيانات لبرامج الذكاء الاصطناعي.