16-فبراير-2016

كاينوش رمزاني/ إيران

مثير للسخرية أن يدخل أحدهم إلى دائرة الهجرة واللاجئين والمهددين بالإبادة الجماعية في فرنسا، ليجد حال دخوله البروشور الملوّن الذي يدعو إلى الاتصال بالرقم الأخضر للتبليغ عن أي جهادي مشتبه به أو أي أحد يقوم بالتجنيد للجهاد، بل إن هناك موقعًا رسميًا تابعًا للحكومة الفرنسية للتبليغ عن هذه الشبهات.

تجاوزت فرنسا الخوف من الصور النمطية للمجاهدين والدعاة، إلى درجة أنها باتت تدين على الاشتباه والنوايا

في ذات السياق أثار الوثائقي الذي صور في لندن للبريطاني جيمي روبرتس العديد من التساؤلات لدى المتابعين، بالرغم من أنه موجه للجمهور البريطاني إلا أنه لاقى صدى في العالم العربي، فالوثائقي المثير للجدل يتابع فيه المخرج لمدة سنتين حياة مجموعة من أشرس الدعاة والمبشرين بالتشدد الإسلامي في بريطانيا وعلاقتهم مع تنظيم دولة الإسلام، بل حتى انضمام بعضهم لها.

المقاربة السابقة تستدعي النظر في موقف أوروبا من مفهوم الجهاد، هذا الخوف الجديد الذي حقيقة لا يمكن ضبطه، فبعيدًا عن الصور النمطية للمجاهدين والدعاة والتي نراها في تقرير البريطاني والتي ترسم الصورة النمطية للجهادي، نرى فرنسا تدين في هذا الموقع "الاشتباه" و"النوايا". لكن حقيقة لا يمكن تحديد من هو الجهادي؟ حالة الطوارئ التي ما زالت حتى الآن في فرنسا أيضًا تثير التساؤلات حول الموقف من الجهاد، من الشخص الذي نراه "يشكّل خطرًا" كي نتصل بالرقم المناسب؟ هذا الاشتباه يثير نوعًا من الأسئلة بخصوص حرية التعبير التي تدعي أوروبا امتلاكها، والتي هي موجودة إلى حد ما، لكن بالعودة إلى التقرير البريطاني نرى فيه نوعًا من السخرية في البداية، فالحكومة تترك أولئك المشتبهين بالانتماء لتنظيمات إرهابية يتلاعبون بالكلمات ويتفادون التصريح بتأييدهم لدولة الإسلام دون اعتقالهم أو "إخفائهم" بسبب أفكارهم.

لكن، حرية التعبير أو حرية الرأي، ما هي حدودها؟ البعض يدعو إلى اعتقال أولئك الجهاديين الذين يمارسون نشاطهم علنًا، ويتلاعبون بالكلام كي لا يدينهم القانون، لكن إلى أي حد يمكن السماح بهذه الممارسات، ما هو الحد لحرية التعبير في دولة ما قبل التحول لدكتاتورية تسجن أولئك "الأشرار" فقط لآرائهم؟

فرنسا التي شهدت اعتداءات شارلي إيبدو ثم التفجيرات الإرهابية، أشد في تعاملها مع "التهديد بالإرهاب"، في حين أن بريطانيا وحسب التقرير منعت المتشددين من السفر حيث سحبت جوازات سفرهم وتقاضيهم بتهم مختلفة لكن لا سجنتهم أو "أخفتهم".

لكن ما هي حدود حرية التعبير؟ حقيقة لا يوجد، هذا الحق الطهراني بالتعبير عن الرأي مهما كان، تهكمًا، دعوة، تكريسًا لفكرة، أو تفكيكًا لغيرها.. هو حق مقدس للجميع، وبالرغم من البروشورات في مراكز الشرطة في فرنسا وعنصريتها، بالرغم من الخطر المحتم الذي يظهره التقرير البريطاني عن النشاط السياسي والجهادي، لكن هذه حرية الرأي، البلدان الدكتاتورية تفخر بأمنها بوصفها لا تسمح بهذا النوع من الآراء والنتيجة معروفة، ممالك من الصمت وأقبية للاستخبارات والسجون السريّة، لكن لحرية التعبير ضريبة قاسية لا بد من دفعها، بالرغم من الخطر الواضح الذي من الممكن أن يجعل أقوال هؤلاء الأشخاص تتحول إلى أفعال، لكن لا رقابة على الكلام، حرية التعبير مقدسة، ونعم لا تمتلك الدولة حق إدانة الأفراد بسبب كلامهم.

حرية الرأي مهمتها زعزعة الحدود، الانفلات للأقصى بالتعبير مهما كانت النتيجة

لكن، العنصر الأهم في "الجدارية" السابقة عن حرية التعبير مرتبط بالمفهوم نفسه كحالة عموميّة مجردة، كحالة مرتبطة بشعور جمعي لدي الجماهير، وهذا العنصر هو الفزع، ذاك القلق الجماهيري من الأفكار بشتى أنواعها وتطرفاتها، الحيوات البسيطة والمتأنية تخاف التغييرات الكبرى، صحيح أن الفزع مبرر من الأفكار الظلامية والأصولية، بل وحتى من الأفكار التي تنتقد الأديان والمقدسات، لكن أليس هذا الفزع نفسه هو الذي يقف بوجه جماهير الثورات العربيّة؟ أليس هذا الفزع هو نفسه الذي تخلقه حرية الرأي في قلوب أولئك المستكينين، القانعين بما هو قائم الآن، بحجة أن القادم أسوأ؟ حقيقة لا نعرف ما هو القادم، ولا يمكن الحكم عليه بأنه أسوأ.

الفزع والخوف المرتبط بحرية الرأي، هو جوهر هذا المفهوم، حرية الرأي مهمتها زعزعة الحدود، الانفلات للأقصى بالتعبير مهما كانت النتيجة، والفزع هو المعيار أن هذه الحرية حاضرة، صحيح أن السياسة كما في الحالتين السابقتين تتدخل بوصف ما يحدث "حرب ضد الإسلام"، لكن تجارب كصحيفة شارلي إيبدو أو الوثائقي البريطاني تختبر حدود حرية الرأي، ولابد من دفع الثمن، فكما هناك من يدعو لتحويل بريطانيا إلى ولاية إسلامية، هناك من ينتقد المقدسات ورموزها، حرية الرأي تختبرها الاستثناءات والحالات الفردية، وإلا فلا مشكلة في أقبية الاستخبارات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بين الإعلام السوري والبورنو الصيني

لعنة الجوهر الثوري